خاص : ترجمة – محمد بناية :
مازال “العراق” يعيش عذابًا غير محسوم، فالاضطرابات الأخيرة في محافظة “البصرة” هي إنعكاس لحالة عدم الحسم منذ تاريخ تشكيل الدولة، (1920م)، حتى الاستقلال، (1932م). ولطالما كان “العراق”، منذ سقوط “نظام البعث” والاحتلال، (2003م)، وحتى الآن مجرد كيان سياسي للحكومة بدون شعب.
الفجوة بين الشعب والحكومة.. والاضطرابات المتكررة..
وكان من الممكن أن تنهي الانتخابات البرلمانية، في 12 آيار/مايو 2018، الفجوة بين حكومة والشعب في “العراق”، عبر تشكيل حكومة ائتلافية شاملة؛ إذا توفرت المقدمات الأساسية أو على الأقل الضروريات الداخلية في تدعيم سلطة النظام السياسي. والواقع لو تعتبر الانتخابات بالديمقراطية والتوزيع العادل لفرص المنافسة بين الرؤى حتى وإن كانت متضادة، الشرط اللازم في تنظيم الاضطرابات المزمنة في “العراق”، فهذا الشرط كافي لتشكيل حكومة قوية ورؤية مشتركة تخدم توطيد العلاقات بين الحكومة والشعب. ومازال “العراق” محرومًا إلى الآن من هذه النعمة. بحسب مقال الكاتب الإيراني، “جلال خوش جهره”، على موقع (الدبلوماسية الإيرانية) المقرب من وزارة الخارجية الإيرانية.
مشكلة “العراق” لا تقتصر على الاضطرابات السياسية والفوضى الأمنية، وإنما السبب الرئيس يكمن في عدم وجود دولة قوية، وإيديولوجية؛ أو بعبارة أبسط إنعدام الرؤية المشتركة والإجماع العام على تنظيم الحكومة الشرعية والفاعلة، وإنعدام النظام الحكومي، وإنهيار منظومة الثقة الشعبية، وأخيرًا ضعف طائفة النخبة، وكلها لسوء الحظ جزء من مشكلات “العراق”. وأيًا من هذه العوامل يعمل كأحد المتغيرات المتداخلة والتي تستبع الويلات العراقية وغضب الشعب البائس في هذا البلد.
الفرص الضائعة..
لقد كان سقوط “نظام البعث” بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة للعراقيين، شيعة وسُنة، لإيجاد حكومة قوية تمتلك شعبًا بعد عقود من الانقلابات الدامية والحرب. وقد ضاعت هذه الفرصة سريعًا بسبب ضياع الوقت الذهبي لاستغلال الفرصة سريعًا.
والسبب يتعلق من جهة؛ بإرادة “الولايات المتحدة الأميركية” لإيجاد حكومة أمنية بلا شعب. وسقوط الحكومة والنخبة الحزبية والقومية من جهة أخرى، (جراء إنعدام الخبرة أو سوء الفهم)، في ورطة الفساد، الفشل، والصراع على البقاء تحت ظل هذه الحكومة الأجنبية أو تلك، ومن ثم المزايدة على كل الفرص الوطنية.
ولم يكن لتلكم النخبة رؤية مشتركة ومنظمة تسهم في إيجاد قوام وطني. وحتى بعد سقوط (داعش) اختفت رؤية “الوفاق الوطني” تحت غبار المطالب غير المنطقية؛ ليس فقط من جانب “الأكراد”، وإنما من كل العرقيات العراقية.
رمزية اقتحام “مطار النجف”..
ويعتقد العراقيون المعترضون أن الحكومة تستنزف مصادر الدولة لصالحها. وفي اعتقادهم الفساد السياسي، والاقتصادي في هيكل الدولة والنخبة السياسية لا يؤثر فقط على تقديم الخدمات والرفاهية العامة، وإنما يضع التهديد الدولي في معرض التهديدات كما (داعش).
كان من الممكن أن تنتهي الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى تشكيل دولة ائتلافية ذات شرعية بين عموم العراقيين، لكن إنقطع الأمل سريعًا وانتهي إلى يأس من قدرة النخبة السياسية على تنظيم الأوضاع. وتتجاوز المديونيات الداخلية والخارجية للحكومة العراقية مبلغ الـ 100 مليار دولار. بينما يزعم العراقيون أن تكلفة هذا الوضع تقع على عاتقهم دون حتى الحصول على الحد الأدنى من الميزات التي يتمتع بها “الأكراد”.
اقتحام المتظاهرين “مطار النجف”؛ هو رمز اعتراض العراقيين على الفساد المستشري بالدولة. وأدعى “سليم الحسني”، الكاتب العراقي، منح مدير خدمات الرافدين التجارية آلاف الدولارات إلى كل أعضاء مجلس المدينة، للموافقة على تسليم “مطار النجف” إلى شركة إماراتية. وكانت الحكومة قد تكفلت بإدارة المطار للحيلولة دون الفساد، لكن الوضع ازداد سوءً.
إن اقتحام المتظاهرين للمطار يجسد، في الحقيقة، اعتراض الشعب على الفساد المنتشر في هيكل الدولة. ولقد ضاعف الفساد بالعراق من نسبة اليأس في إصلاح الوضع الاقتصادي، ولا سيما بعد اليأس من نتائج مؤتمرات “إعمار العراق”.
لقد مرت أشهر على الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، لكن مايزال أمل تشكيل حكومة “مقتدى الصدر” الائتلافية والشرعية بعيدًا. والسبب عدم وجود رؤية مشتركة وشاملة تهدف لإيجاد هيكل “حكومة-شعب”، وعدم تغيير أو إستبدال النخبة السياسية التقليدية بأخرى حدثية.
إن “ألم العراق” يكمن في استمرار الحكومة الضعيفة. ويبقى التغيير في بعض الرؤى السلوكية للنخبة في الخروج من المأزق السياسي هو مجرد بارقة في ظلمة اليأس التي يعيشها الشعب العراقي.