صفقة القرن –والتي هي الآن حديث الساعة- والتي تقتضي بتعويض الفلسطينيين عن أراضيهم بأراض مصرية واعطاء امتيازات-بحسب الظاهر- للمصريين والأردنيين والسعوديين، فتتوسع غزة التي ضاقت بأهلها على حساب صحراء سيناء ويكون لها ميناء كبير وترتبط مصر بالأردن بنفق كبير يربط كلاهما بالسوق العالمية عبر بوابة العراق والخليج، لم تكن هذه الصفقة وليدة الساعة بل جرى الحديث عنها والتهيئة لها منذ زمن أوباما عبر طرح الفكرة إسرائيلياً والترويج لقبولها في الدوائر الأمريكية ثم العربية. تبدو السعودية أكثر الدول حماساً لها وقبولاً بها -وربما استثماراً لها- إذ تحركت على عدة مشاريع في المنطقة القريبة من حدودها مع الأردن ومصر ربما لإيمان قيادتها بأن هذه الصفقة تامة لا محالة! وما مشروع نيوم وقبله تداعيات النزاع على الجزر المصرية إلا مقدمات لذلك كما يبدو.
صفقة القرن لما لها من جنبات مالية واقتصادية ولأنها تقترب من روح رجل العقارات التي يدير بها ترامب الآن السياسة الأمريكية بحيث تكاد تكون كل تحركاته السياسية عبارة عن صفقات تجارية فقط، وجدت هذه الصفقة من يؤيدها بقوة في إدارة ترامب وعبر بوابة زوج إيفانكا!
بحسب المصادر الإسرائيلية فإن دول عربية أربع أصبحت في عداد المؤيدين للصفقة وبحسب مصادر أخرى فإن ما جرى في الأردن في شق منه تداعيات الصفقات مع صندوق النقد الدولي وفي شقه الآخر عملية إرضاخ للقبول بصفقة القرن، وتبدو مصر السيسي جاهزة للقبول، وقد لا يتطلب الأمر إلا بعض محاولات الإقناع-عبر المال الذي سيتدفق على الفلسطينيين إن قبلوا بالصفقة- في الداخل الفلسطيني لنشهد نهاية حل الدولتين واتفاق أوسلو وتكون صفقة القرن هي الحل لصراع دام أكثر من نصف قرن.
هذا بحسب المتفائلين بقبول الصفقة، أما بحسب المتشائمين والرافضين لها فإن الصفقة ولدت ميتة فلا الداخل الفلسطيني-بتناقضاته وصراعاته- سيقبل بها-في الوقت الحاضر على الأقل- ولا الجوار الإقليمي سيكون مستعداً له وخصوصاً محور المقاومة ولا الوضع في كل من سوريا والأردن والصراعات في المنطقة عموماً تسمح بذلك.
لكن الإدارة الأمريكية مصرة على هذا الحل ومستعدة للدفع به لمديات بعيدة وقد أكملت كل مقدماته من نقل السفارة وغيرها فهل سنشهد قبول بصفقة القرن-بشكلها الحالي أو بعد إجراء تعديلات عليها- ليكون هذا القرن هو قرن الصفقات-وليس هذه الصفقة فقط- ويكون الأمر نتاجاً طبيعياً لأسلوب الصفقات الذي جعلته الإدارة الأمريكية محوراً في سياستها الخارجية؟!
تبدو الأمور متجهة لذلك فعلاً خصوصاً إننا لم نشهد اعتراضاً واضحاً من الروس-اللاعب الآخر في المنطقة- وخصوصاً إن قد يكون لهذه الصفقة تأثيرات اقتصادية إيجابية حتى على المعترضين عليها ، مع وجود جو عربي مل الصراع أو طبل للملل تقوده دول الخليج-خاصة السعودية والإمارات- لتنهي حقبة من الصراع القومي العربي الإسرائيلي بنتيجة غريبة.
قد تبدو الأمور للبعض بهذه البساطة ولكنها ليس كذلك ففي المنطقة لاعبين كثر وهناك أيديولوجيات أخرى مؤثرة لا ترى القومية سلاحها وإنما الدين –وهو رد فعل طبيعي تجاه الصراع المقاد دينياً من جانب إسرائيل وقد قاد العرب الصراع قومياً مع إسرائيل بحماقة ففشلوا وخسروا الكثير من الأنصار وفرص النجاح ولعل من أوائل من نبه على ذلك المرجع الديني والمصلح العراقي الشهيد محمد الصدر في أحدى خطبه في صلاة الجمعة من مسجد الكوفة- مما يعني إن صفقة القرن لن تمرر بسهولة-هذا إن مررت أصلاً- ولن يكون قرن الصفقة أو قرن الصفقات سهل الإدارة على الإدارة الأمريكية التي باتت تصنع الأعداء وصار لها منافسين كثر في الجانب الاقتصادي والتجاري على الأقل ابتداءً من الصين واليابان ومروراً بأوروبا وحتى القارة الأمريكية حيث كندا والمكسيك فضلاً عن العداوات التقليدية.