من أهم الدوافع التي دفعت السنة على وجه الخصوص للتظاهر والمطالبة بحقوقهم المهدورة عبر هذه التظاهرات وبهذا الحجم الجماهيري الجامع هو ما لاقوه من “تعسف” كبير في التعامل معهم كمكون من مكونات الشعب العراقي سواء في هيكلية تكوين الدولة ومؤسساتها وأجهزتها أو في طريقة تعامل بعض أجهزة الدولة والكثير من الأجهزة الأمنية على وجه الخصوص معهم وطالما ما إتهموا ومنذ الأيام الأولى للإحتلال الأمريكي بأنهم إرهبيين أو حاظنوا الإرهاب أو وهابيين وغذيت الأجهزة الأمنية منذ ذلك التاريخ بهذه الثقافة وحوصروا بأسماء وصفات ما أنزل الله بها من سلطان وضجت السجون والمعتقلات السرية والعلنية بهم وأصبحت نسبتهم داخل المعتقلات والسجون تربوا على 80% وقارن نسبتهم في تكوين الأجهزة الآمنية ! وإنتهكت كرامتهم وإنسانيتهم وإعراضهم داخل تلك الأقبية والسجون وأمتصت أموالهم وظلموا وشردوا …!
فهناك تعسف في ميزان المشاركة الحكومية وعلى وجه الخصوص في الأجهزة الأمنية وهناك إقصاء كبير للسنة في كثير من الوزارات ودوائر الدولة التي أصبحت حكراً على مكون أو حزب أو عشيرة في بعض الأحيان !
وهناك تعسف واضح وبشع في حجم المداهمات للمناطق السنية وحجم الاعتقالات التحرزية والإستباقية والوقائية والضبطية والإحتياطية إضافة إلى الطرق والأساليب الغير قانونية وغير الشرعية والا أخلاقية في تنفيذها !
وهناك تعسف كبير في الصلاحيات الغير محدودة والا دستورية ولا قانونية والممنوحة لضباط الأجهزة الأمنية وتركهم يعملون بلا ضابط ولا رقيب ومن غير مسألة مما جعلهم يتمادون في غيهم وتعسفهم وطغيانهم بل و إجرامهم وحتى تجاوزاتهم على قرارات المحاكم والقضاة بلا أي مسوغ قانوني !
هناك تعسف لا إنساني وغير إخلاقي وغير قانوني مثير في إعتقالات النساء والأطفال تحت ذرائع غير قانونية بالمطلق ؛ إضافة إلى الإنتهاكات الأخلاقية التي تحدث على هذه الشريحة داخل المعتقلات ومن ما لا شك فيه أن لذلك حساسية معروفة في المجتمع العراقي
وهناك تعسف لا حدود له في إستغلال قوانين الإرهاب والمخبر السري وإصطناع القضايا بحبكة قانونية و إنتزاع الاعترافات والتنسيق الا شرعي مع بعض قضاة التحقيق والحكام للتغطية على مثل هذه الإنتهاكات الخطيرة للقوانين ولحقوق الإنسان .
وهناك تعسف كبير في التعامل حتى مع القيادات السياسية السنية وفبركة القضايا لهم وفتح الملفات وتسقيطهم واحداً تلوا الآخر بشكل متسلسل وتلطيخ سمعتهم بشكل متعسف وغير منطقي
وهناك تعسف في التعامل مع الرموز وعلماء أهل السنة وإزدرائهم وعدم معاملتهم كما يعامل المراجع والعلماء الشيعة مما يذكي الروح الطائفية
بل هناك تعسف إعلامي وثقافي فيما يتعلق بالتعامل مع الرموز التاريخية الإسلامية التي يعتز بها المسلمون في كافة أنحاء العالم الإسلامي
هناك تعسف غير مبرر في التمسك بالكثير من المفسدين والفاسدين في مختلف أجهزة الدولة وإقصاء للخبرات والكفاءات من مختلف الطوائف الأمر الذي يعرض مصالح الشعب العراقي للتعطيل , وهناك تعسف في حماية المفسدين والدفاع عنهم والتغطية على فسادهم!
هناك تعسف كبير في التدخل في شؤون تلك المحافظات المتظاهرة سواء في ممارسات الأجهزة الأمنية التي تلغي تماما إدارة المحافظات . أو في المخصصات والمنح المالية او الدرجات الوظيفية أو في إحتواء البعض من إدارات تلك المحافظات بما يؤثر سلباً على ناتج النشاطات الخدمية فيها و يؤثر أيضاً على بقية الممارسات السياسية الأخرى .
وهكذا هناك تعسف كبير جدا يشعر به أهل السنة في العراق ولد تخوف وعدم ثقة ليس بالحكومة فقط بل بالدولة كلها لعدم شعورهم بالتفهم والتعاطف معهم والكل لاه عنهم من الحكومة إلى البرلمان إلى القضاء! وتركهم يعانون الأمرين تحت ضغوط متعددة وخطيرة وقاسية ان لم تكن في الكثير من الاحيان وحشية !
والتعسف بالشعور بالقوة من قبل الأحزاب الشيعية المتسلطة وعدم الثقة بالمكون الأخر “السنة” وتخوفهم من ضياع الفرصة التاريخية و “عقدة صدام” والعقد التاريخية المأزومة والفشل الذريع في إدارة الدولة كل ذلك وأشياء أخرى ساهمت في تشكيل عقل الإدارة الشيعية للدولة في التعامل مع السنة ولا اعرف بالضبط هل بإمكان تلك الإدارة عزل التصورات السياسية في التعامل مع السنة ومغادرة كل تلك العقد ؟! وهل باستطاعتهم إنتزاع عقدهم التي تقيد حركتهم وتوقعهم في قيود الولآت الوهمية ؛ وكل إنسان سيكون مواليا للنظام بمجرد شعوره بالأمان تحت مظلته أولاً ثم بمقدرة النظام على توفير مستلزماته الأساسية ثانياً .
ومن غير المتوقع أن تتحقق المولات قصرياً ومن الخطاء الفاحش التصور أن الضغط المستمر لا يولد في لحظة ما إنفجاراً سيكون ثمنه غالي وتضحياته كبيرة .
ولكن إدارة الدولة والنظام في الأزمنة المعاصرة تستهدف إرضاء المواطن بغض النظر عن عقيدته وفكره وثقافاته وتنمية مقدرته وتطوير قابلياته وتوفير كل مستلزمات الحياة الكريمة له و أولها الامان والحرية والرفاهية ؛ فهل تستطيع الدولة عبور هذا التحدي والمصالحة مع السنة لغرض إستعادة اللحمة الوطنية والوقوف أمام المشاريع التي تستهدف كيان الشعب العراقي و وحدته وتفكيكه وإضعافه خدمة لأجندات خارجية متعددة لا تقبل بعراق قوي واحد ارضاً وشعباً .
لابد من إيقاف التعسف والظلم بكل صوره إذا ما أرادت الدولة نزع فتيل الأزمة الحالية والأزمات الأخرى المتوقعة على الدولة أن تبعث دائماً رسائل كثيرة تستعيد ثقة الناس بها لا أن تبعث كل يوم عسكر مجردون من عقولهم وإنسانيتهم مكتفين بخوذهم وعصيهم لإرعاب الناس وتخويفهم وهم يعتقدون أن إذلالهم هو الحل بل إنهم يصنعون بؤس النظام ويمهدون لنهايته فما عاد القمع ينفع ولم يعد عقل العسكر يسع التطور الحضاري والثقافي والعلمي والإنساني الذي بلغه العالم المعاصر ولم يعد بأستطاعتهم كتم صرخة مظلوم وستجلجل في أرجاء العالم وسينبذ كل من يحمل هراوة وأصبح تأثير الوردة البيضاء أخطر من البندقية وسيهزم الدم السيف كما فعل سيدنا الإمام الحسين عليه السلام ؛ والنظام بحاجة إلى الإقتناع بذاته كي يقنع الآخرين به والشعب العراقي بكل مكوناته يستحق باقة ورد وكلمات حب ولمسة من حنان وعدالة افعلوها وستجدون مظاهرات التأييد الحقيقية وإن لم تفعلوها فأذنوا بنهايتكم ولكم الخيار ولكن الله سلام يحب السلام .
[email protected]