حين تتصارع فكرة البداوة مع نقيضتها فكرة المدنية حسب ديالكتيك هيكل ينهك النقيضين حتى يهلكا فينبثق المركب الاسمى من ركام النقيضين والذي اريد ان اطلق عليه مصطلح ” البدانية.” وهذا نيولجزم (neologism) جديد ناتج عن مزج مفردتي البداوة مع المدنية سادعيه لنفسي.
يعرف البدوي الحرية على انها حريته المطلقة للتنقل والعيش في اي بقعة يراها مناسبة وحقه المطلق في استغلال كل ماينبت في الارض او ينبعث من بطنها وفي قول مايريد قوله أو فعل مايروم فعله متى واين مااراد . ينسج خيمته بيده من شعر ابله كي يسهل عليه قلع عمادها وطيها حين لايروق له العيش في مكان ما فيهاجر الى ارض الله الواسعة انى شاء.
بيته المنسوج من شعر الابل يسهل عليه الفرار بعيدا عن الاشرار وأولاد الحرام، فلايضطره السكن في مجمعات سكنية ثابته عمودية كانت ام افقيه، لايضطره الى التنازل عن حقوقه او تقييد حريته من اجل ارضاء جيرانه. لايبهره السكن في المدينة فالقوانين تطارده اينما حل وحتى الشوارع لها مناطق محددة للعبور واضوية حمراء وصفراء وخضراء تحد من انسيابية سير ضعنه. حتى الحيوانات الضارة لايستطيع قتلها ولايستطيع صيد الطيور كي ياكلها. تجبره القوانين ان يرسل ابنته الى المدرسة وسيقتادوه الى السجن ان هو صفع ابنه كي يعده للصعاب التي لابد ستواجهه.
ثمة اناس في المدينة يكتبون القوانين التي تحد من حرية البشر وثمة من يفرضها وكثيرين يستغلون ثغراتها فلم يعد بوسع البدوي ان يأخذ حقه بيده ويذود عن حرمه ونفسه بسيفه. تبا لهذه القوانين التي تنمر الجبان وتجبن النمر. يشبه البدوي المدنية بالعسكرية التي يقول عنها العراقيون ” مدرسة الازواج وتكسيرة اللوتية” فالقوانين وضعت كي تحمي الجبناء وتمنع استمرار عملية انتخاب الطبيعة للاشجع والاكفأ.
تساوي قوانين المدينة العبد الوضيع بسيده وتحمي اللئيم من غضب الكريم حتى صار اللئام يتطاولون على اسيادهم .البدوي سيد نفسه اذ لايعمل لاحد او تحت امرة أحد ولا يخضع الا لله واحيانا يستنكف حتى من الخضوع لله نفسه. لايعتقد البدوي ان المديني قادر على وضع قوانين تعالج كل شاردة وورادة وحتى ان استطاع فلا يجمع كل سكنة المدينة على تفسير موحد للقوانين. اذن فلم هذا التعقيد ولماذا لانترك الناس وحالهم ومن لايستطيع حماية نفسه فليحتمي بمن هم اجدر واكفأ منه على الحماية وحينها تقول الطبيعة قولتها ويعترف الدوني بدونيته ويستمتع السيد بسيادته.
كم من رويبضة استغل ثغرات قوانين المدينة فتمادى على اسياده حتى الاذلال في حين كتفت القوانين المدنية أيدي السادة وجردتهم من حولهم وقوتهم وتمنوا لو ان الرويبضات واجهوهم خارج تأثير قوانين المدينة حينها سيعرف كل مقامه.
المدنية ذات قوانين مذلة والبداوة بحد ذاتها فوضوية مطلقة والنظام المثالي اذن يكمن في المزج بين هذه وتلك فلا يستغل العبيد قوانين المدينة ويتطاولون على اسيادهم ولا يتمادى السادة في ظلم العبيد عندما تطلق البداوة العنان لعملية الانتخاب الطبيعي. ليكن للسيد في المدينة حق تاديب العبد بيده ان هو (اي العبد) تطلع الى مافوق حقه بالمساواة مع السيد وتجاوز حدوده والا فان الوضع يصبح كما يقول الدرامي العراقي ” زماني الشيخ العكروك ع الرك،” وتعني تبا للزمان الذي يسود فيه الضفدع على السلحفاة فهذه والله مخالفة صارخة لنواميس الطبيعة.