سمير ، وفي كلية الإدارة الاقتصاد التي انفق فيها أربعة سنوات من الدراسة , وكلّفت والديه مصاريفا إضافية ، تعلّم أكثر منا مفهومي القطاع العام والقطاع الخاص ، القطاع العام أغلق بابه بوجه سمير أول تخرجه من الكلية ، ولم يهنأ بتذوق طعم الشهادة الجامعية بوظيفة يبدأ منها أول خطوات حياته الواقعية , ويصير موظفا باختصاص مهم كما لو انه فلك تدور حوله مجريات العالم السياسية , وتشتعل بسببه الحروب . لكن القطاع العام الذي لم تعد فيه الإدارة ولا الاقتصاد مهمة , كلّف سمير أكثر من خمسة أعوام وهو ينتظر موسم التعيينات يأتي , ولما يحين , يجد نفسه ذلك الخريج الذي بلا وظيفة , ويركن مرة جديدة على أمل موسم فتح الوظائف القادم .أما القطاع الخاص ، فقد استقبل الشاب الخريج النظيف بوظيفة محاسب بمخزن مواد غذائية ( الجُملة ) محاسب لساعة واحدة فقط من اجل الشعور بالاختصاص ، أما باقي اليوم فيقضيه بمهام حمّال يفرغ موادا من الشاحنات ويجهز بضائع أخرى مع الحمالين القدامى من كانوا معه أيام المدرسة ، وفشلوا في الوصول إلى الجامعة ، أو دراسة الإدارة والاقتصاد من اجل أن يكونوا مثل سمير : حمالين جامعيين . سمير يعرف أكثر منا مفاهيم إدارة البلاد , لأنه درسها بالكلية المهمة التي تستقبل أي دائرة حكومية اختصاصه , ويتذكر جيدا المقولة التاريخية حول هذه الكلية , والتي شبهها الكثير بالطماطة , وبإمكان خريجها أن يجد وظيفة بأي مكان في القطاع الحكومي . لكنه لم يجد إلى الآن نظرية جديدة تقنعه أو يقنع بها غيره , بأن الحاصل على الشهادة الجامعية لا يمكن أن يعمل في القطاع الخاص بمهنة حمّال جامعي , وان هذا القطاع إلى الآن لم تتضح معالمه جيدا وفق مفاهيم الإدارة , ولم تولد بعد قوانين تخدم العامل به . سمير الذي يعمل حمالا , الآن هو دائخ بسبب عنوانه الوظيفي في القطاع الخاص , وهو يدري انه لن يحصل على ترقية لو عمل فيه ألف سنة , وهو وكما تعلّم من اختصاصه , بأن المعالجات الحقيقية للبطالة تكمن في وضع القوانين المفيدة من اجل نهوض القطاعين معا . وليس غلق الباب الحكومي أمام طاقات الشباب , أو تركهم يواجهون مصيرهم كما خريجنا , صاحب شهادة الإدارة والاقتصاد , والذي يعمل حاليا حمالا , بدرجة جامعي…