عانت الشعوب العربية خلال سنوات طويلة من حكم الدكتاتوريات العسكرية والقبلية والعائلية من مختلف صنوف التخلف السياسي والثقافي والتعليمي والاقتصادي وفي مجالات متعددة اخرى بسبب حالة الفساد المستشري في السلطة واستحواذها على مقدرات دولها واتباعها اساليب الحكم بالسلاح والخوف والترهيب وسيول الدماء التي تجري بلا انقطاع والاهات التي تملا السجون والانتهاكات في مجال حقوق الانسان ولم تعرف الرخاء والحرية والتعددية الا دول معينة من عالمنا العربي وحتى هذا لم يكن بالشكل المقبول عالميا .
وبعد التغيرات التاريخية الكبرى التي حصلت في السنوات الاخيرة في اهم الدول العربية واكبرها واقواها اقتصادا او ثروات او اكثرها استقرارا وهي مصر وتونس والعراق وليبيا واليمن وعلى الطريق سوريا والبقية المشمولة تاتي تباعا طائعة مرغمة وانتقال السلطة في هذه الدول الى القوى التي كانت مغلوبة او معارضة او منفية في زمن الحكم الدكتاتوري واتجاه هذه الدول الى النظام الديموقراطي وبعد ان كانت شعوب هذه الدول تطمح الى انتقال سلمي تدريجي الى حالة الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي والانفتاح الثقافي واشاعة حقوق الانسان تبين خلال سنوات ما بعد التغيير ان الطموح العربي غير جاهز للتطبيق وان احلام الشعوب الثائرة قد تم سرقتها من قبل جهات اخرى او من قبل طبيعة النظم السياسية التي تم تطبيقها فيها حيث انها لم تكن بمستوى الطموح .
ففي اليمن وبعد ان صمد الشعب اليمني بشكل كبير وثار على حكم علي عبد الله صالح ولاح في الافق ان الشعب لن يتراجع عن تحقيق اهدافه في تغيير النظام واقامة دولة مدنية وان الثورة ستنتصر لامحالة تم الالتفاف اقليميا ودوليا وخاصة من قبل المملكة السعودية وامريكا على الشعب وامتصت ثورته وذلك بتبديل شخص الرئيس وبقاء الصورة العامة للنظام على حالها ولم تتحقق الاهداف التي سهر لاجلها الشعب وقدم الشهداء لاجل تحقيقها . فمصلحة السعودية في بقاء اليمن دولة وشعبا بعيدا عن المدنية والتقدم وفي ظل العشائرية والاحتراب الداخلي يضمن لها الاستقرار الداخلي وامن حدودها الجنوبية ضد اي انفتاح فكري او اقتصادي يساهم في زعزعة موقعها في جزيرة العرب ولكون السعودية لاعبا امريكيا اساسيا في المنطقة فان الولايات المتحدة الامريكية الراعي الدولي الكاذب لحقوق الانسان والديموقراطية وافق على ذلك ضمانا لبقاء حليفه السعودي امنا ومستقرا فادخل الشعب اليمني في دوامة بين الثورة والياس وبين القبلية والمدنية وبين الوحدة والانفصال .
وفي تونس التي اشعل فتيل ثورتها جسد محترق انتفض لكرامة االشاب بوعزيزي لم تطور الاحوال بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي على الصعيد السياسي والمدني فما زالت البلاد تشهد بين فترة وأخرى صدامات كبيرة بين دعاة الدولة المدنية من جهة والسلفيين ودعاة الدولة الاسلامية من جهة اخرى ووصل التنافس على السلطة الى حد الاغتيالات السياسية لاخافة الاخرين ومحاولة منعهم من التواصل في الدفاع عن حقوقهم ووضعت السياسيون بلادهم في طريق الدماء.
ومثلها جارتها ليبيا التي تحولت الى دولة ميليشيات وعشائر متنافسة ونزعات انفصالية فالسلاح منتشر بين الثوار السابقين الذين ساهموا بالاطاحة بنظام القذافي وبين العشائر مما ساعد على حصول صدامات دموية بين فترة واخرى ودخلت الدولة في حالة سبات مخيف ولم تشهد اي انتقالة واضحة نحو نظام سياسي ديموقراطي او تحولا اقتصاديا يقدم ثمراته الى الشعب على الرغم من ان ليبيا دولة غنية جدا.
وفي مصر التي اسقط الملايين من الشباب المعتصم في ساحة التحرير رئيسها العتيد حسني مبارك وكانوا يأملون من التخلص من الدكتاتورية والفساد والانتقال الى نظام ديموقراطي يضمن حقوق الجماهير ويحقق طموحاتها في توفير فرص العمل الذي كان ومازال مطلبا رئيسيا ولكن سفينة الحكم سارت بغير ما تشتهي طموحات الثوار فسيطر الاخوان المسلمون على السلطة التنفيذية والتشريعية فقد حصلوا على منصب رئيس الجمهورية وعلى العدد الاكبر من المقاعد في البرلمان يليهم السلفيون . وقد مارس الاخوان المسلمون حكما متفردا واقصائيا في تعاملهم مع معارضيهم واظهرت افلام الكاميرات والموبايلات حالات عديدة لانتهاك حقوق الانسان مع المتظاهرين بلغت حدا بشعا فاق ما كان عليه الحال في زمن النظام السابق وتعرض الكثير من الصحفيين الى الاعتقال والتعذيب الوحشي واضطربت الاوضاع السياسية فكثيرا ما أصدر الرئيس مرسي لوائح دستورية ثم تراجع عنها تحت ضغط الجماهير وحصلت صدامات بين المسلمين والاقباط وغير ذلك الكثير مما يسيء الى صورة النظام الذي جاء على انقاض نظام دفعه الشعب الى السقوط .
ونتيجة لذلك فقد ازدادت حدة المعارضة المصرية لحكم الاخوان وخرج المصريون في تظاهرات كبيرة معارضة للنظام امتدت الى عدة محافظات كثيرا ما تخللتها اعمال عنف من المتظاهرين ومن الشرطة .
وفي العراق حيث سقط النظام الدكتاتوري البعثي الصدامي في شهر /4 /2003 باجتياح عسكري امريكي مباشر لاراضي العراق وانشأ بدلا منه نظام (ديموقراطي) واقر دستور بموافقة الشعب عليه وسارت العملية السياسية على وفق المراحل المخطط لها الا انها لم تكن عملية سليمة ولا ناجحة لحد الان حيث افرزت هذه العملية تقسيم المجتمع العراقي الى مكونات رئيسية ثلاث وهي العرب المسلمون الشيعة والعرب المسلمون السنة والكرد السنة في غالبيتهم تليها مكونات اخرى اقل حظا في التاثير بالعملية السياسية منها التركمان السنة والتركمان الشيعة والكرد الشيعة (الفيلية) والمسيحيين والصابئة والايزدية . ومن سمات الغرابة ان المكونات الرئيسية تشترك كلها في الحكومة والبرلمان ولكنها جميعا تنتقد الحكومة والبرلمان وكلها شاركت في صياغة الدستور ولكنها تنتقد الدستور في حالات وتدعو الى اعتباره مرجعا لحل المشاكل في حالات اخرى بل تطالب بعض المكونات بالغائه وكذلك فان اطرافا رئيسية في العملية السياسية تدعي تمثيل العرب السنة تشارك بالحكومة وبفاعلية وبوزارات سيادية ومهمة كوزارتي المالية والدفاع اضافة الى عدة وزارات اخرى الا انها تحرك الجماهير ضد الحكومة وتتهمها بانتهاك حقوق الانسان ومخالفة الدستور والاغرب انها تتهم الحكومة بتهميشهم على الرغم من ان لهم منصب نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء وستة وزارات فما معنى التهميش وما معنى المشاركة ؟! في نظر وفهم هؤلاء السياسيين الذين يستغلون الجهل السياسي والدستوري وضعف الوعي لدى عامة العراقيين ويستغلون نقاط الضعف في العملية السياسية لاشاعة الفوضى والاضطراب في البلد حتى وصلت الامور الى حد ان يهدد متظاهرو الانبار الذين يعتصمون على الطريق الدولي السريع الرابط بين العراق وكل من سوريا والاردن بقطع هذا الطريق امام ابناء المكون الاخر ومثلها هدد متظاهرو الموصل في شمال العراق بالاعتصام في الشارع الرئيسي الرابط بين الموصل وبغداد لقطع الطريق على اهل بغداد والمكون الاخر ومن جانب اخر فان الفوضى الدستورية القانونية واضحة المعالم ومخالفات الدستور من قبل الاطراف الحاكمة كثيرة والمواد الدستورية غير المتفق على فهمها والعمل بها مهمة وخطيرة ومنها المادة (140) الخاصة بكركوك والفساد المالي والاداري يعم العراق حيث صار على راس دول العالم فيه اذ تذهب مليارات الدولارات هباءا منثورا لا يعلم الشعب بها وان علم فلا يعرف الى اي جهة ذهبت او في اي مورد صرفت واذا علم فانه لايحرك ساكنا لسيطرة السياسيين البارعين في استغفاله وعقدت الكثير من الصفقات الوهمية بملايين الدولارات لعل اكثرها سوداوية ومهزلة واهانة بالشعب عقد استيراد مولدات كهربائية ضخمة لسد النقص في الطاقة الكهربائية فاذا بالصناديق والحاويات الكبيرة لاتحوي الا لعب اطفال !! علما ان العقد كان بقيمة تقترب من (55) خمسة وخمسين مليون دولار واخرها صفقة الاسلحة مع روسيا التي فضحت من الجانب الروسي فاوقف تنفيذها بسبب العمولات غير الشرعية التي بلغت عشرات الملايين من الدولارات .
هذه الصورة للوضع الحالي في العراق بعد سنوات من الاقتتال الطائفي وفوضى الخطف والاعتقال والخوف الرعب والدماء البريئة والجثث مجهولة الهوية.
اما سوريا فان الانتقال الى الديمقراطية فيها مازال يسير في طريقه على جثث الاطفال والنساء والشيوخ وعلى جوعهم وتشردهم في خيام لاتحميهم من برد ولا حر ولا مطر.
فهل ان الديموقراطية في العالم العربي تحقق للفرد العربي مثلما تحققه له الديموقراطية في العالم الغربي ؟
بل هل يمكن ان نسمي الوضع السياسي في العالم العربي بانه ديموقراطية حقيقية ؟
هذه التساؤلات وغيرها متروكة للمواطن العربي ليجيب عليها في امتحانه العسير