يعد السيد علي السيستاني المرجع الاعلى للطائفة الشيعية عالمياً وهي مرجعية لها اصول وتقاليد وخطوط دأب على اتباعها كل من تصدى لهذه المهمة ونال مرتبة اية الله وبالتالي اصبح المرجع للشيعة في الامور الفقهية والشرعية الدينية، الا انها تعتبر السياسة احد ابواب مهمتها ودائماً ما تزج نفسها حين تتعقد الامور وتعود الامة لتسأنس برأيها املا في حلول تيسر المصاعب وتفك العقد وهذا ما شاهدناه في احداث كثيرة منها ثورة العشرين وتكفير الشيوعية وتحريم دم الكرد وعملية تنظيم الحياة السياسية في العراق بعد عام ٢٠٠٣ واخيراً فتوى الجهاد الكفائي الدفاعي ضد تنظيم داعش.
المظاهرات التي عمّت العراق مؤخراً بسبب سوء الاوضاع التي يعيشها المواطن العراقي وعلى كافة الصعد دفعته الى النزول الى الشارع وبقوة هذه المرة وذلك ليأسه من الطبقة السياسية البالية التي تحكم العراق ومن الطبيعي ان تبدي المرجعية الدينية رأيها فيما يدور في الشارع العراقي لذلك جاءت خطبة الجمعة الاخيرة مختلفة قليلاً عن سابقاتها وبنُذر ربما ولهجة ربما لم نسمعها من قبل ولكن من باب التقييم للتحذير الاخير الذي اطلقته المرجعية رب سائل يسأل ؟ على ماذا استندت المرجعية في هذا التحذير ؟ وما هو سقف توقعاتها من هكذا طبقة سياسية ؟ فالمتظاهرين هم سبقوا خطاب المرجعية بسنوات ونزلوا الى الشارع عندما ادركوا ان الامور تجري في البلد على غير ما يرام وليست في الطريق الصحيح ومنذ عام ٢٠١١ في شباط كان العراقيون يتظاهرون ضد المالكي واتباعه والاحزاب المشاركة في العملية السياسية لذلك جاء الامر متأخراً جداً في هذا المجال واما سقف توقعاتها فلا يظن عاقل وحكيم ان العراق سوف ينهض من كبوته الحالية سريعاً بل نحتاج على الاقل عقد من الزمن واكثر من ٢٠٠ بليون دولار جديدة للنهوض بقطاع الخدمات واعادة الامور الى نصابها في بلد مدمر وخرب وبناه التحتية ما عادت قادرة على خدمة الملايين التي تعيش فيه. ان المرجعية قد تأخرت كثيراً في مجال دعم المظاهرات والمتظاهرين واعطت الفرصة تلو الفرصة لهذه الطبقة السياسية التي اضاعت المال والوقت والجهود للنهوض بالعراق وانشغلت بامتيازاتها ومنافعها على حساب راحة ورفاهية المواطن العراقي.
ان دعوة المرجعية الدينية الى الطبقة السياسية الحالية والمتسببة في كل هذا الخراب الى اصلاح الاوضاع يعبر عن عدم امتلاكها البديل الناجح لها وبالتالي تخشى من هياج الشارع العراقي الغاضب والذي يطالب بتنحي هذه الطبقة السياسية ككل لذلك تبدو الامور وكأن المرجعية تعيش مأزقاً كبيراً فهي من جهة لا تملك البديل ومن الجهة الاخرى تدرك ان المواطن العراقي نفذ صبره ولم يعد يمتلك ادنى درجات انضباط النفس وتخشى حدوث ثورة قد تقلب الامور رأساً على عقب وتحصل مالا تتوقعه العقول والانفس.
ربما كان على المرجعية الدينية ان تكون حازمة منذ البداية بعد ان رأت وشاهدت ووصلتها الدلائل والقرائن على فساد من دعمتهم يوماً ونصبتهم بصورة غير مباشرة زعماء على العراقيين وكما هي اليوم تدعو الى الحزم والشدة في مواجهة الفساد والفاسدين كان عليها ان تكون هي اول من يملك هذا الحزم لا ان تكتفي بمقاطعة السياسيين وغلق ابوابها بوجههم والاكتفاء بالمراسلات والمرسال الغير مباشر بينها وبين هؤلاء اللصوص والفاسدين.
في النهاية تحية تقدير واحترام للمرجعية الدينية والمرجع الاعلى السيد علي السيستاني ونحن هنا نناقش فقط الجانب السياسي من عملها ونوجه النقد له وليس لبقية مهمة المرجعية الدينية فهي رمز كبير من رموز الخير والسلام ولها مجدداً كل الاحترام والتقدير.