23 ديسمبر، 2024 9:42 م

كلية الاعلام…بلا اعلام

كلية الاعلام…بلا اعلام

المتعارف عليه في جميع البلدان ان يكون الاعلامي المتخرج من كلية الاعلام اقدر وامكن من غيره، اذ ترتبط تلك الكليات بوشائج الاسرة المتماسكة التي تملك قوة ثقافية واجتماعية وخبرة كرستها السنوات الاربعة، وربما اكثر، التي يعيشها الطلبة بداخلها، فتستطيع بخبرتها وامكانياتها ان تحدد بوصلة البلوغ نحو الهدف المنشود، والحكم على اسرة دون غيرها يكون من خلال ما وصلت اليه وما حققته والاثر الذي تركته، وهذا لا يكون الا من خلال دراسة منطقية ودقيقة للاسرة، ومراعاة التسلسل الزمني وقياسها ضمن المراحل المتقدمة والمتأخرة وما ترتب عليهما، وبالاخص الاسرة الصحفية في العراق.
في البداية لابد لنا من تثبيت قضية مهمة ومراعاتها وهي ان الاسرة الصحفية امتدت واتسعت بعد الـ 2003، بعد ان انتشرت عشرات الفضائيات ومئات الصحف والاذاعات والمواقع الالكترونية ووكالات الانباء وغيرها، بحيث لا مناص من احترام هذه الكثرة وقبولها، ثم ان هذه الكثرة لا يتحملها رأس الهرم في المؤسسة الصحفية، فلا سلطان له على الفضائيات، والاذاعات والمواقع الاليكترونية ووكالات الانباء، وحتى الصحف، فليس هنالك من قانون يجبر المؤسسات الحصول على موافقة من جهة ما مقابل السماح لها بالنشر او البث، فهي لا تنتظر ان تُقبل او تُرفض ولا توجد اية جهة من حقها ان تعرقل عمل اية مؤسسة وان كانت صهيونية او تخدم اجندة معينة، اذا فهذه الكثرة الاضطرارية فرضها الواقع العراقي ولا تتحمل اي جهة، حتى نقابة الصحفيين، مسؤوليتها.
الامر الثابت الثاني،الطامة الكبرى، ان كلية الاعلام لا تملك كامل القدرة على صناعة اعلامي متكامل في اي مجال من المجالات، وهو ليس على مستوى الطلبة بل حتى على مستوى الاساتذة غير العاملين والذين اقتصرت خبرتهم على الامور النظرية والتي لا تسمن ولا تغني عن جوع، وذلك يعود ربما لانعدام الاساليب العملية التي يحتاجها الطالب في حياة ما بعد الدراسة، فلا يغري كثيرا ماجستير اعلام ولا حتى دكتوراه في الاعلام، اذا ما اجبر على تقديم مادة اعلامية متكاملة تتناسب مع دراسته التي ابدع فيها وربما قدم بحوثا ودراسات من اجلها.
فلو قرأنا الواقع العراقي فيما يخص الاعلام لوجدنا تخمة في القنوات والصحف والاذاعات ووكالات الانباء والمواقع الاليكترونية والمجلات وهي بالتاكيد تحتاج الى مغذي يمدها باسباب البقاء والابداع والنجاح، وهم ليسوا بالتاكيد طلبة اعلام من قبيل ما نشاهده من امية فضيعة بالنسبة لمن لم يمارسوا العمل بجميع درجاتهم، والحصيلة هي طغيان شريحة واسعة ودخولهم هذه المهنة من باب الحب والهواية خالطين بذلك الاوراق ومتجاوزين اسوار الجامعة… والغريب في الموضوع انهم يسمون بالـ(دخلاء) رغم ما يقدمون من ابداع، والطالب الامي والاستاذ الامي يجيزون لانفسهم صفة الاعلامي برغم امية اغلبهم ممن اعتمد على كلية الاعلام فقط، ومن هؤلاء الدخلاء ينبري صاحب المقهى او من اجبرته الظروف على عدم اكمال دراسته او سائق التاكسي او خريج كلية اخرى غير الاعلام واجبر على الدخول في صفوف القوات المسلحة، مثلا، وغيرهم كثير احبوا هذه المهنة وقدموا لها، وهم المغذي الرئيس لها فلا يجوز اطلاق صفة (دخلاء) عليهم، وربما تجوز لغيرهم ممن لا يفقهون من هذه المهنة شيئا رغم دراستهم.
من خلال ما تقدم تشكلت الاسرة الصحفية بقيادة لا تمت بصلة الى كلية الاعلام وولج  ما لم يمكن لا لنقابة الصحفيين ولا لاية جهة اخرى ان تحرمهم من صفة اعلامي، ولم تملك النقابة سوى احتضانهم وتقديم جميع ما يمكن كونهم لب الاسرة، وقلبها الذي ينبض، ولكي يصح الصحيح شرعت النقابة الى الغاء القوانين السابقة والتي كانت تخول طالب الاعلام من الحصول على هوية بمجرد تخرجه، وجعلت طالب الاعلام وخريج المتوسطة والابتدائية في كرسي واحد والمقياس هو الاختبار، وهو ما ولد سخط من يعتقد ان لا اب للاعلام غيره والجميع يقبع خلفه، ومن هنا انبثقت اسرة كبيرة متماسكة تتناسب والواقع واصبح تفكيكها ضربا من ضروب المستحيل لانها تمكنت من تفتيت القدسية الفارغة لاصحاب الدماء الزرقاء الذين ما انفكوا يحاولون تدمير هذا الحصن، ولانها تعاملت بواقعية مع الحدث، وما لا ينكر ان هناك اخفاقات وهناك من استطاع ان يخترق الاسوار، خصوصا بعد ان تحولت هوية النقابة الى كنز ورصيد يغري الجميع…وهناك سعي حثيث لمنع هذا الاختراق.
ربما لو كان طلبة الاعلام واساتذته قادرون على قيادة دفة الاعلام وعددهم يتناسب مع حجم ما موجود من مؤسسات اعلامية لما احتجنا الى هذا الخليط غير المتجانس ولاصبحت نقابتنا كغيرها، لها من الخصوصية  والصبغة ما لا تقل عن نقابة المهندسين والاطباء…ولولا وجود (الدخلاء) لم يكن هنالك سوى تلفزيون واحد وسبعة صحف كلها بيد شخص الحكومة يحركه كيفما ومتى يشاء.
[email protected]