ليس بدعاً من الشعوب والمجتمعات، ان يعيش مجتمعنا العراقي ظواهر أخلاقية وسلوكية شتى، صحيحة وسقيمة، سيئة وحسنة، فاضلة ورذيلة، مستقيمة و منحرفة، ولعل من سنن الأمم أن تكون هكذا.
قد يسرق بعضنا ربما لحاجة المال، وقد يزني في حالة من الضعف وفقدان السيطرة على النفس، وقد نضطر إلى الكذب، ونفعل الآثام والذنوب نتيجة الإغراء والإغواء، فتأتي اللحظة التي ينتبه الإنسان إلى نفسه ويعود إلى رشده و عقله فيعلم أن ما أرتكبه خطأ فيصبح من النادمين.
من أعظم المصائب وأخطر المشاكل الإجتماعية هي قلب الحقائق، عندما ينظر العقل الجمعي إلى المفسدة على أنها مصلحة، والرذيلة على أنها فضيلة، والادهى والأمر من ذلك حينما تقلب الحقيقة ويتهم المصلح بها!!! (وإذا قبل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون)، (وإلى عادٍ أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله… قال الملأ الذين كفروا من قومهِ إنّا لنراك في سفاهةٍ وإنّا لنظنك من الكاذبين).
تعزيزاً للفكرة نذكر مثالاً من واقعنا المعاصر، ذكره بعض الكتاب من العرب وعقّب عليه بكلام، يقول الكاتب:
(منشور عمل آخرون على وضعه بصفحاتهم الفيسبوكية، يتعلق بصورة رجل صيني مكتوب تحتها: ” يطلب مني التجار المسلمون تزوير بضاعتي بوضع الماركات العالمية، ثم يرفضون تناول الطعام الذي أقدمه لهم لأنه “غير حلال”.
والمنشور خطير جدا، لأنه أجاد في تصوير المسلمين على أنهم أناس مخادعون ومنافقون وسيئون. وأنهم يتلاعبون بدينهم وغير صادقين في الالتزام بقيمهم وأخلاقهم. وقد انخدع ناشرو هذا البهتان فروجوا له لجهلهم بدينهم وواقع الأمم من حولهم، ولو استعملوا قليلا من الذكاء المكتسب من قراءتهم لأخبار الدنيا واطلاعهم على طبيعة أخلاق بعض الشعوب، لأدركوا أن وجود رجل صيني بالمنشور كاف للرد على هذا الهراء. فالصين تعد أكبر دولة في العالم (وربما حتى في المريخ) تجيد تزوير “الماركات” العالمية في الألبسة والأطعمة والساعات والنظارات والتكنولوجيات وغيرها، وقد اشتكت عدد من الدول من هذه القرصنة الصينية ومخالفتها لأخلاقيات التجارة والصناعة. لذلك لم يكن هذا الرجل الصيني في حاجة إلى مثل هذا “التحريض” لا من المسلمين ولا من الوثنيين، لأنه حريص، أكثر من أي غشاش في العالم،على القيام بهذا العمل باعتباره من صميم مبادئه التجارية المقدسة.
ولو كان أصحاب المنشور أذكياء حقا، لعملوا على وضع صورة رجل أمريكي أو ألماني أو ياباني بمنشورهم حتى يصبح قوله أقرب إلى التصديق بنسبة مئوية ما.
كما أن ناشري هذا المنشور الدال على ضعف حصانتهم الدينية، لم ينتبهوا إلى أن كلام الصيني المتخيل، يتهم جميع التجار المسلمين وليس بعضهم، مما يعطي اليقين أن هدف أصحاب المنشور مرسوم بدقة، وأن الغاية منه هو ضرب المسلمين في صميم أخلاقهم التي تشكل رأس مالهم في مواجهة الرأسمالية المتوحشة والصهيونية الربوية).
ما أشبه هذا المنشور باللافتة التي رفعها بعض المتظاهرين في العراق، مكتوب فيها عبارة تطلب من السيد السيستاني “دام ظله” تحريم إيذاء النفس، هو من يحرم سب وشتم وغيبة المسلم، كيف لا يحرم إيذاءهُ؟! اتصور أن الحالة مقصودة وهذه من الأساليب المخادعة التي يستخدمها أعداء المرجعية الدينية، لكن المصيبة صدقها بعض الناس وأخذ يروّج لها على صفحات الفيسبوك!
هذه الظواهر السقيمة والسيئة الموجودة في مجتمعاتنا المسلمة، أبرز أسبابها الجهل بتعاليم الدين وأحكامه ومبادئه الإسلامية السامية، وعدم معرفة أساليب الاعداء بسبب غياب الوعي السياسي لدينا، والجهل بأهداف ومقاصد وسائل الإعلام المعادي الذي يحسن التصرف بها جيداً، ومن أهم الأسباب التي مارست أسلوب التجهيل وورثت الجهل هي السياسة الإستبدادية.
عن الإمام الصادق عليه السلام:(ثلاثة يشكون الى الله عزَّ وجلَّ، مسجد خراب لا يصلي فيه اهله، وعالم بين جهال, ومصحف مغلق قد وقع عليه غبار لا يٌقرأ فيه).