الإصلاح عملية قابلة للتنفيذ في كل لحظة، يعني التعدیل والتحسين والتحديث والتطوير والعمل علی عقلنة الحياة العامة بالإعتماد على مقاييس إيجابية محددة، والتفاهم والتعاون وصولاً للتكامل والمشترك الإنساني.
يمكن تسمية أي عملية تغيير بالإصلاح، إذا ضمنت تجاوز الأخطاء والإخفاقات والإنتقال بالمجتمع الى مرحلة متقدمة وحديثة تواكب العصر ومتغيراته، وتراعى المتطلبات والاحتياجات المادية والمعنوية التي تتطابق مع القيم الانسانية والحضارية المرتبطة بالإنتماء والولاء للشعب والوطن، وبالذات إذا أحدثت تغييراً فعلياً ونقلة نوعية في حیاة المواطنين وإراداتهم.
أما عرقلة الإصلاح فيعني خلط الأوراق والتوجه نحو مصادرة ما يمكن مصادرته، بإستخدام وتوظيف أدوات متنوعة كالغش والخداع وجبروت القوة، وما بين سطور القانون. ويعني التشبث بالخصوصيات ووصول الأمور إلى مفترق طرق، واستمرار الخراب والتناحر وتبديد الطاقات البشرية والمادية وتعطيل التنمية.
خطر ببالي التحدث عن الإصلاح وأنا أستمع الى كلمة نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، خلال مراسم افتتاح مركز التدريب والتطوير في وزارة كهرباء إقليم كوردستان بأربيل، يوم 18 تموز 2018، عندما قال:
(حكومة الإقليم وفي أصعب الظروف والأيام، عبّرت دائماً عن إرادتها الجادة للإصلاح، وواصلت قدر المستطاع وقدر ما سمحت به الظروف تنفيذ برامجها الإصلاحية في كل المجالات، وستستمر في هذا).
هذا الإعتراف الرسمي بضرورة الإصلاح الدائمي في الإقليم، يعني وجود (الفساد)، ويعني تسهيل تحديد مفهومه الدقيق، ويعني، أيضاً، إننا بحاجة الى البحث عن مؤشراته ودلائله وتداعياته، كما يعني ضرورة الإسراع بتجاوزه وتجاوز آثاره (بالإصلاح)، لكي لا يشعر أبناء المجتمع بالإغتراب واليأس وضعف الإنتماء.
فهل ثمة فرصة لإقليم كوردستان لتعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية فيه، والنهوض بمستلزمات التحدّي التي تحمل في حقيقتها مصالح وطنية وقوميّة، خصوصاً وأن هناك استهدافاً متعدد الجوانب له؟. وهل يمكنه إستثمار اللحظة التاريخية وإلتقاط ما هو جوهري ومستقبلي لعملية الإصلاح وفقاً لقيم ومبادئ لا يجوز التنصّل منها، قوامها: المساواة والعدالة واحترام الإنسان وحقوقه؟.
في العام الماضي إستبشرنا خيراً عندما علمنا بالإستنفار الهادىء الرصين المبني على قاعدة الاستشارة بمشاركة أصحاب الخبرة والتخصص المالي والإداري لتقديم مشروع إصلاحي صادق يتعلق برواتب المتقاعدين بدرجات خاصة. وبعيداً عن الضجة والبهرجة الإعلامية، عرفنا أن تنفيذ المشروع يعيد الكثير من الحقوق المهضومة، ويعيد أكثر من مئة مليار دينار لخزينة الحكومة.
وصل المشروع الحكومي الى برلمان كوردستان، وإغلق عليه الأبواب وتعرض للدراسة والنقد والتخدير والتغيير، وتم تفسير وتعديل عدد من مواده بالمزاج وبالسلوك الانتهازي من قبل أصحاب المعالي وبموافقة هزازي الرؤوس. بعد أشهر، خرج المشروع من مشرحة البرلمان وإذا به ما يصدم المشاركين في إعداده، ووصل الأمر ببعضهم الى أن لايعرفه لكثرة ما حدث فيه من تغييرات وتشويهات. ووسط ضجيج الرفض، أعيد المشروع الى البرلمان ليعدله، وليعدل المسار ويبرر ويتحمل وزر ما فعل. ولكن ما زال المشروع، منذ أشهر، مركوناً على رفوف البرلمان بسبب المتاجرات السياسية، وحالات التنافر، والسجالات الصاخبة، والصور الصادمة، والمواقف الإرتجالية، والمهاترات الفجة، والتعليقات والتجاوزات لكل الخطوط.
الكوردستانيون بحاجة الى المشروع الإصلاحي، والتفكير الجدي بالإصلاح القائم على الإرادة والرغبة الجدية المنطلقة من الوازع الوطني، والى الركون إلى إتفاقات سياسية ومواثيق شرف ساندة تعضد عملية الإصلاح الحكومي لتكون بمثابة أرضية صالحة للإصلاح المستمر.