منطقة جنوب الموصل تمتد من قرية البوسيف الملتصقة تقريبا بمدينة الموصل والى حدودها الإدارية الجديدة أطراف ناحية القيارة هذا من ناحية غرب دجلة أما شرق دجلة فتكون محصورة جنوب الموصل بناحية الخضر أو النمرود وقراها في منطقة السلامية . أما مايعرف اليوم بجنوب الموصل فيقصد به ناحية حمام العليل وناحية الشوره وناحية القيارة والقرى التابعة لتلك النواحي ..يسكنها عشائر كثيرة منهم العبيد والحياليين والعزة والعكيدات والحمدانيين والمعامرة والبوبدران والجحيش والحديديين والجبور واللهيب …
وكل قبيلة لها مضايفها وشيخ عشيرة عام وشيوخ عشائر آخرين اذا كانت عدة عشائر داخل القبيلة …
هذا من الناحية الاجتماعية العامة وهيكلياتها العشائرية أما موضوعنا اليوم فسوف نركز على بعض الجوانب المتعلقة بهذه المناطق..
في عهد الخمسينات والستينات والسبعينات عانت هذه المناطق من الفقر الشديد لاعتماد أهلها على الزراعة الديمية وشحة الأمطار احيانا لا تأتي بنتيجة إيجابية للفلاح وربما لن يكون هناك حصاد وتسمى سنة محيلة ويقصد سنة جفاف .وسوف تكون هذه السنة صعبة المعيشة خاصة للعوائل الذين لايملكون اي راتب من الدولة وليس لديهم شرطي اوجندي في مسلك الدولة حتى يكون لديه وارد .
تربي هذه المناطق المواشي كالاغنام والماعز والابقار للاستفادة من لحومها والبانها إضافة إلى الدواجن والاستفادة من لحمها وبيضها ويجنون الحمير للاستفادة منها في نقل الماء من النهر إلى البيوت وايضا يستخدم للأمور الزراعية الأخرى .وكان هناك من يجني الخيول ايضا ولكن بشكل قليل حسب مامخزون بذاكرتي وقبل ظهور العجلة الزراعية التركتر الذي استغنى به أهل هذه المناطق عن الحيوانات وحتى لايفوتني اذكر أن أغلب هذه القرى تربي الكلاب لحراسة المواشي والدور في الليل من الحيوانات الضارية .
في سبعينات القرن الماضي وقبله كان النقل بين جنوب الموصل ومدينة الموصل يعتمد على وسائل النقل المتعارفة كالباص الخشبي أو السيارة الصغيرة الخمسة وخمسين وكان العدد قليل جدا لكنه يكفي فالذهاب إلى المدينة لايكون الا للضروره وقد عرف أصحاب الباصات باسمائهم وينادون الباص باسم صاحبه كباص عبدالله العبيد وباص الجاسم الاحمد وغيرها من الباصات الموجودة والتي لم تتعدى العشرة سيارات .وكانت هذه الباصات تقل الناس من قراهم إلى مدينة الموصل وحسب ذاكرتي في السبعينيات كانت الاجرة ثلاث دراهم يعني 150 فلساً وربما بالسيارة التاكسي الضعف .
كان باص الخشب هو ابو الخير في المنطقة ففيه يذهب العسكري الى دوامه وفيه يتسوق أصحاب الدكاكين مسواقهم وخضراوتهم رغم قلتها وفيه يذهب من يريد أن يبيع مواشيه حيث كان الحوض الخلفي خاص للمواشي …
أما التاكسي فكانت لها روادها من الركاب أو مايسمى النفرات
أما طلاب المدارس فكانوا قلة قليلة واغلبهم مقيمون عند أقاربهم الذين يسكنون المدينة .
وصلت الحضارة الى جنوب الموصل بعد افتتاح حقل كبريت المشراق بداية السبعينات فأصبح طفرة نوعية في المنطقة حيث بدأت الدولة بايصال الطاقة الكهربائية إلى قسم من هذه القرى وكذلك قيام مشاريع المياه وتسمى المحطات الريفية وبعدها تم إنشاء مايعرف اليوم بمشروع الماء الصالح للشرب .
تطورت المدارس في السبعينات وازدهرت في ثمانيناتها وتم إنشاء مراكز صحية في اغلب القرى التي تملك المدرسة .ولكن الحالة الاقتصادية بقيت الى نهاية السبعينات ضعيفة جدا ولايملك أبناء هذه القرى حتى ملبس اوحذاء بقيه الحر أو البرد وكان الحال واحد لاغلب أبناء القرية .
كان الطلاب يدرسون بملابس رثة جدا وأحذية بلاستيكية غير قابلة للتمدد مع الطبيعية .ولكن الإقبال على المدرسة والتنافس قوي جداً .كانت ايادي الطلاب سوداء من البرد القارص ومايسمى بمصطلح المشگ حيث كانت اغلبها ممشگة كما يقال ..وكان الطلاب ينتظرون المعونة المدرسية وخاصة في الشتاء فكانت خير ستر للطلبة في القرى كونهم طبقات فقيرة .
وليس بعيداً عن الفقر كانت البلاد تمر بحرب في شمال العراق قبل الحرب العراقية الإيرانية .فقدمت جنوب الموصل الشهداء لهذا الوطن من خيرة شبابها واستمر الحال إلى يومنا هذا وللاسف لكن كانت الأغلبية هي في حرب العراق مع إيران وبعد احتلال امريكا للعراق .ففي الحرب العراقية الإيرانية وبعد أن أكمل اغلب جيل الستينات والخمسينات وانهى مدارسهم الإعدادية وكذلك من لم يفلحه الحظ في النجاح ..توجه الجميع للتطوع الخريج إلى الكلية العسكرية واخواتها والذي لم يوفق دراسياً الى الصنوف الأخرى وفي النهاية التقى الجميع في ساحات الحرب ..التي أخذت خيرة شباب جنوب الموصل أسوة بكل أبناء الشعب العراقي ..ولكن هذه المنطقة لها ميزة خاصة حيث لم تمر معركة الا ونشاهد صناديق الشهداء ملفوفه بالعلم العراقي والمقابر تدفن بخيرة الشباب ..نعم انها الحرب ومابعدها الى الرماد ..الحرب التي قتلت الفرحة في قلوب أبناء هذه المنطقة بعد أن استلم أبناءهم السيارة السوبر والكرونا والماليبو والمسيوبيشي والبرازيلي .فرحة لم تكتمل حيث أن اغلب أصحاب السيارات لم يركبها الى مرة واحدة وذهب إلى ساحات القتال ولم يرجع ..
تطورت المنطقة اقتصادياً بسبب اهتمام الدولة لعوائل الشهداء والمقاتلين وأصبحت المدينة قريبة جدا لكثرة وسائط النقل وتعبيد الشوارع من المدينة الى الريف .
وتطور أهالي جنوب الموصل مع الزمن وأصبح ابن القرية يستطيع أن يتزوج من المدينة سواء من معلمة اتت الى القرية للتعليم أو عن طريق الاختلاط المجتمعي الذي حصل في الوظيفة ومسلك العسكرية .وبدأ أبناء جنوب الموصل يتوجهون إلى الكليات والمعاهد الاخرى غير العسكريه فأصبح الطبيب والمعلم والموظف وغيرها من الشهادات الأخرى.لكن الحروب مازالت مستمرة في تلك المناطق إلى يومنا هذا فبعد الأحداث التي مرت بها الموصل عام 2014 تعاني المنطقة اليوم مرة أخرى من مئات المفقودين من أبنائها .ولايعرف الأهالي مصير أبنائهم هؤلاء .واين اصبحوا ولم تتعاون الدولة وبصورة صحيحة لحد الآن .ولم تقدم أي خدمات تذكر لهذه المناطق التي ضحت بأبنائها من أجل العراق ووحدة أراضيه .ولكون أراضيها تعتبر أغنى ارض في شمال العراق فهي تملك اكبر اراضي زراعية على ضفاف نهر دجلة ومن الجهتين يميناً ويسارا ..وتملك اكبر حقل كبريت في الشرق الاوسط حقل كبريت المشراق إضافة إلى وجود أكثر من مائتين بئر نفط في حقول القيارة ونجمة وعين الجحش .وكذلك تملك مصفى نفطي مصفى القيارة. وكذلك معامل الاسمنت في حمام العليل قرية العريج …
وكذلك معالمها السياحية المتمثلة في عيون المياه المعدنيه للعلاج في حمام العليل ووجود فيها خط سكك حديدية يربط الشمال بالعاصمة والجنوب..
كل هذا واهل هذه المنطقة يعانون البطالة وتفشيها في واقع الشباب التي ولدت الفقر والحرمان من جديد وللاسف الشديد .والدولة لحد الان لم تحرك ساكنا .
وينتظر أهالي جنوب الموصل الفرج من الله عن مفقودين من حرب العراق وإيران ومفقودين في حرب الخليج الثانية الكويت ومفقودين بعد عام 2014 وبطالة منتشرة بشدة في كل بيوت جنوب الموصل وزراعة متوقفة بسبب عدم دعم الدولة للفلاح وبيوت مهدمة بسبب الحرب وينتظر أهلها التعويض لبناءها وإعادة العوائل إليها …
وهمومهم كثيرة ولكنهم باقون كبقاء أرضهم ونهر دجلة وكبريت المشراق .لم يهجرو البلاد مثل غيرهم من أبناء العشائر الأخرى أو المدينة .بقو لأنهم متجذرين بارضهم وعاداتهم وتقاليدهم ..
.
وبقيت معهم التعليلة رغم دخول الواي فاي والانترنت لبيوتهم .واصبحو يعرفون كل مايدور حولهم من خبر عاجل على القنوات الفضائية .وبقت طيبتهم رغم تركهم بيوت الطين والتوجه الى البناء المعماري الحديث ..وبقيت ألسنتهم بينهم الخالة والعمة لكل امرأة كبيرة في السن ..وابوفلان وعمي والحجي لكل رجل دخل عقده الرابع فما فوق .
يتذكرون ماضيهم لوجود الختيارية المثقفون فيهم ومازالت صلة الرحم رغم ضعفها بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة إلا أنها موجودة باعتبارها نوع من الكرم …
جنوب الموصل قصة كاملة تنظر الى ولاة الأمر بالمرور بمفرداتها والاستفادة من ثرواتها وتشغيل الشباب العاطلين عن العمل ..