ليس من المعقول أن تستمر الاحتجاجات ، والمطالبات سنوات من أجل تحسين وضع الكهرباء على سبيل المثال ، وتقديمها بالشكل المطلوب ، وهي مفردة بسيطة ، دون تغيير جوهري ، لتلبية حاجة المواطن الخاصة ، ومتطلبات البلاد العامة في خلق عملية تنموية حقيقية ، والنهوص بها لتواكب حركة العالم في التطور والبناء والعلم ..
ألم يكن باستطاعة الوزارة المعنية على مدى الحكومات المتعاقبة أن توفر هذه الخدمة بسهولة ، وتكفي البلاد والعباد هذه الازمات والتضحيات والخسائر ، بعد أن قدم الشعب من ( ماله العام ) ما يكفي لسد هذه الحاجة ويمكن أن يفيض عنها للتصدير باعتراف المسؤولين أنفسهم ..؟..
لكن يبدو أن الحديث عن ( الوطنية ) لم يغير شيئا ، وكان يشبه حال ( مؤذن مالطا ) في المثل العربي المعروف .. يؤذن فلا يسمعه أحد ، فاضطر الى أن يتوقف عن الآذان ، لانه لم يجد غير نفسه بعد انتهاء الآذان ، ففضل أن يصلي في بيته ، ما دام الآذان لا يدعو أحدا للصلاة غيره …
أما اليوم فالآذان بات يسمع ، ويتردد صداه في الآفاق ، بعد أن وصلت المعاناة حدا لم يعد باستطاعة الشعب السكوت أكثر، ولا بد من وضع حد للفساد الذي ينخر بالبلاد ويستنزف ثرواتها ، ويدمر قدراتها البشرية بالعوز والحرمان ، فجاء صوته هادرا شاملا مطالبا بحقه في حياة كريمة ، والتمتع بخيرات بلاده التي كانت نهبا للفساد وسوء الادارة …ولم يكن امام المعنيين غير سماع هذا الصوت ، والاعتراف بحق الشعب في الاعتراض والتعبير والتظاهر والمطالبه بتقديم الخدمات له في مختلف المجالات ، وعرض مجموعة من الاجراءات ، والبحث عن بدائل وحلول كان يمكن القيام بها قبل هذا التاريخ ( ! ) ..
لم يطلب المواطن في البصرة مثلا أمورا تعجيزية تفوق قدرة الحكومة ، أو يتطلع الى حالة من حالات الترف غير المبرر .. يريد ماء صالحا للشرب ، وكهرباء ، ووظيفة .. وهي ليست بالأمر العسير على مدينة تستقر على بحيرة من النفط ، وتعمل فيها شركات كثيرة بامكانها أن توفر العمل ، لابناء المدينة وعموم العراق..
وجاءت التظاهرات الشعبية هذه المرة بهذا التوسع لتكون رسالة أخرى من المواطنين تكمل حالة العزوف الكبيرة عن المشاركة في الانتخابات ، وهي رسالة تعبر عن الامتعاض من الاداء الحكومي والسياسي ، وفشل العملية السياسية في توفير حاجات الوطن والمواطن المختلفة ، ورفض الفساد الذي اصبح ثقافة باعتراف السياسيين أنفسهم ..
والفساد في منظور الدول المتقدمة لا يقتصر على انعدام الذمة ، وفقدان النزاهة ، وموت الضمير ، ومد اليد الى المال العام فقط ، وانما لهذه الآفة الخطيرة وجه أخر هو الفشل في الاداء أيضا ، ولذلك كان المعيار الاساس في الوظيفة والخدمة العامة فيها هو ( وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ) دون أي إعتبار أخر …
والاثنان ( قذارة اليد ) و( الفشل ) يؤديان الى الاصابة بمرض خطير واحد ، وإن استخدما طريقين في الوصول الى النتيجة ، وهو دمار البلد وفقر ابنائه ، ، وتخلف الانتاج ، إو انعدامه بمختلف مرافقه ، بما فيه الخدمية والفوضى والتجاوز على النظام وضعف هيبة الدولة وعدم احترام القانون …
و يتحمل مجلس النواب المسؤولية كاملة أمام الشعب ، لاخفاقة على مدى الدورات الماضية في واجبه الرقابي ، وكشف حساب الحكومات في تنفيذ برامجها من عدمه ، والتي لم ينفذ منها بالتمام والكمال غير التعهدات بين الكتل السياسية والتحالفات بتوزيع المناصب ….. أليس من صميم واجبات البرلمان أن يطلب منها عرض ما قدمت أمام الشعب ، ويطالب بالحسابات الختامية في نهاية كل دورة على مدى السنوات الماضية ..؟.
إن التقصير والفشل فساد أيضا ، كما هو مد اليد الى مال الشعب فساد ..
والكفاءة المهنية ، وكفاءة الضمير … عنصران مهمان في المسؤول وغياب أحدهما يؤدي الى الفشل …
والطامة الكبرى إذا غاب الاثنان معا ..
والدول التي تريد أن تنهض تحتاج الى مسؤول بدرجة ( قدوة ) في الضمير والنزاهة والامانة والكفاءة والاخلاص والتضحية ونكران الذات ، وليس في الامتيازات …
فأين نحن من هذه المعايير الانسانية..؟
– الواقع يجيب ..