15 نوفمبر، 2024 6:54 ص
Search
Close this search box.

الصادق النيهوم.. اهتم بتجديد الفكر الديني وبنقد المجتمع الليبي

الصادق النيهوم.. اهتم بتجديد الفكر الديني وبنقد المجتمع الليبي

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“الصادق النيهوم” كاتب ليبي، ولد في مدينة “بنغازي” عام 1937. درس جميع مراحل التعليم بها إلى أن انتقل إلي الجامعة الليبية، بكلية الآداب والتربية- قسم اللغة العربية، وتخرج عام 1961 وكان ينشر المقالات في جريدة “بنغازي” بين عامي 1958-1959 ومن ثم عُين معيداً في كلية الآداب.

أعدَّ أطروحة الدكتوراه في “الأديان المقارنة” بإشراف الدكتورة “بنت الشاطيء” جامعة القاهرة، وانتقل بعدها إلى ألمانيا، وأتم أطروحته في جامعة “ميونيخ” بإشراف مجموعة من المستشرقين الألمان، ونال الدكتوراه بامتياز. تابع دراسته في جامعة “أريزونا” في أمريكا لمدة عامين.

درَّس “الصادق النيهوم” مادة الأديان المقارنة كأستاذ مساعد بقسم الدراسات الشرقية بجامعة “هلنسكي” بفنلندا من عام 1968 إلى 1972. وهو يجيد، إلى جانب اللغة العربية، الألمانية والفنلندية والإنجليزية والفرنسية والعبرية والآرامية المنقرضة.

تزوج عام 1966 من زوجته الأولى الفنلندية ورُزق منها بولده كريم وابنته أمينة، وكان وقتها مستقراً في هلسنكي عاصمة فنلندا، انتقل إلى الإقامة في جنيف عام 1976 وتزوج للمرة الثانية من السيدة (أوديت حنا) الفلسطينية الأصل.

الكتابة..

كتب “الصادق النيهوم” مقالات لصحيفة “الحقيقة ” الليبية، ونشر سنة 1967 مجموعة دراسات منها (الذي يأتي والذي لا يأتي) و(الرمز في القرآن)، وأصبح في هذه الفترة ظاهرة أدبية غير مسبوقة، وأخذ يثير اهتمام القراء، وكانت أطروحاته وأفكاره تتضمن أسلوباً مميزاً يشهد له الجميع بالحيوية والانطلاق، وفي عام 1969 كتب دراسة (العودة المحزنة للبحر)، ونشر عدد من قصص الأطفال، وأهداها إلي طفله كريم، ونشر عام 1970 رواية (من مكة إلي هنا)، وفي 1973 صدر له كتاب (فرسان بلا معركة) و(تحية طيبة وبعد)، وأقام من 1974 إلي 1975 في بيروت، وكتب أسبوعيا بمجلة “الأسبوع العربي”، وأشرف على إصدار موسوعة (عالمنا- صحراؤنا- أطفالنا- وطننا- عالمنا)، ومن ثم صدرت رواية (القرود).

انتقل”الصادق النيهوم”  إلي الإقامة في جنيف عام 1976 وأسس دار “التراث”، ثم دار”المختار”، وأصدر سلسلة من الموسوعات أهمها (موسوعة تاريخنا- موسوعة بهجة المعرفة)، وعمل بجامعة “جينيف” أستاذاً محاضراً في الأديان المقارن حتى وفاته.

عام 1986 صدرت له رواية (الحيوانات)، وفي 1987 صدر له كتاب (صوت الناس)، وعام 1988 بدأ الكتابة في مجلة “الناقد” منذ صدور الأعداد الأول منها في لندن. استمر بالكتابة بها إلي توفى، صدر له كتاب (محنة ثقافة مزورة) في لبنان عام 1991، وساهم في الكتابة في مجلة (لا) الليبية، كما صدر له كتاب (الإسلام في الأسر) بلبنان، كذلك صدر له كتاب (إسلام ضد الإسلام). وفي عام 2001 صدر كتاب (طرق مغطاة بالثلج).

فقد كتب “الصادق النيهوم” في النقد الأدبي والمقالة الأدبية والقصة القصيرة والروايات ومقارنة الأديان والفكر.

الإنسان الليبي..

في حوار مع “الصادق النيهوم” أجري في 1978 في مقر صحيفة “الأسبوع الثقافي”بطرابلس، شارك في الحوار: (عبد الرحمن شلقم- رئيس التحرير- فاطمة محمود- رضوان أبو شويشه).

يقول “الصادق النيهوم” عن إدعاء تنميطه للإنسان الليبي في مقالاته: “رأيك إنني ظلمت الإنسان الليبي.. ثمة قضايا (تابوا) كثيرة في ليبيا ليس هناك من يناقشها.. الحاج الزروق، الذي أكتب عنه في مقالاتي، وضع في رأسه أنه سيدخل الجنة علي خط مستقيم 100% وأي إنسان آخر لن يدخلها إلا إذا كان صورة طبق الأصل منه، إنه ابن الله المدلل. حتى في علاقاته مع الناس لا يريد أن يدفع الثمن. أصبح مسلما ويريد أن يدخل الجنة، إنسان يريد أن يذهب إلي الجنة ويأخذ الحوريات.. وعندما قالت له زوجته أريد الحوريين غضب وضربها وماتت.. أنا لا أحكي عن نموذج بل عن ظروف اجتماعية تنتج الحاج الزروق.. أنا في داخلي الحاج الزروق. أنا أحمل الحاج الزروق.. والضحية عندما يسود المجتمع مثل هذا الحاج”.

وعن شخصية “مسعود الطبال” في إحدى رواياته يجيب: “ليس مسعود الطبال المعزول بل أنا وأنت معزولان، نحن كل واحد فينا بمعتقداته قائم علي جدار من العزلة.. كل واحد فينا دنيا قائمة بذاتها ومعزولة، والهدف الحقيقي للتربية والخلق والعقيدة والحب وكل شيء هو أن تعبر هذه العزلة، وبالضرورة تجد نفسك إنسان آخر، هذا ما يعمله إلا المحبون، غير المعزولين، وتقول أن مسعود الطبال إنسان معزول طبعا معزول.. يمشي يأخذ سلحفاة، هو قاتلها وخائف منها ويتبول عليها وهو مرعوب ويحلم في الليل بالعفاريت.. طبعا معزول ولكن هل تريد أن تقول أنه إنسان غير ليبي؟ مسعود.. إنه معزول.. كل إنسان معزول وراء معتقداته.. قائم وراء صندوق في معتقداته ولا يخرج من هدا النعش إلا بالحب فقط.. هناك نقطة لا رجوع فيها هذه نقطة ديناميكيه جائز.. لكن لا أمل له أو منه إذا ما تركناه كما هو، أما إذا وقفنا معه وساعدناه جائز إصلاحه.. هذا يتوقف علي جهودنا في إصلاحه.. لو وجد هذا الرجل من يشتري سلاحفه جائز تكون النهاية في شكل آخر، أن يمد له المجتمع يد المساعدة، أن يقول له لا يجوز لك أن تخاف من السلاحف أنت صياد سمك، وسنشتري سلاحفك ونأكلها، جائز أن يتخلص عندها من مخاوفه ويقول كل الناس معي، أما أن يجد نفسه لوحده وكل الناس ضده لا أعتقد أن ذلك في صالحه”.

الثورة أم الإصلاح..

وعن الاتجاه الذي يجب تحريك الناس إليه الثورة أم الإصلاح يقول:”الثورة.. الثورة علي واقعنا علي، هذه العقد التي تعزل الناس.. العقد التي تخرب العلاقة بين الذكر والأنثي، الكبير والصغير، العجوز والشاب.. العلاقات هذه يجب أن نثور عليها.. وما عندنا طريقة بالثورة إلا بالقبول، أنت تقبلني وأنا أقبلك، أنت تساعدني وأنا أساعدك.. أن تقبلني كما أنا وأقبلك كما أنت، بدون أن أحاول أن أغير فيك شيء، بدون أن تحاول أن تغير في شيء.. أنت تحتفظين بحريتك وأنا احتفظ بحريتي.. الثورة لا تقع.. الثورة تولد، تنمو، تكبر”.

وعن سؤال يقال إن صادق الآن خارج الجماهير؟ يجيب “الصادق النيهوم”: “نعم من حقي.. أنا دائما خارج الجماهير ولا يمكن أن أكون معهم، ولا أتفق مع الإخوة الليبيين في شيء، منذ زمان أقول هذا.. أنا لا أوافق الرجل الليبي علي شيء، لا أتفق معه في نظرته للحياة، لا أتفق معه في نظرته للدين، أنا لا أتفق معه في نظرته للصغير، فيه اختلاف.. أنا جئت أناقشك لأقول لك أن علاقتك بابنك أنك تضربه  وتحطه في الماجن وتكسره وتخوفه، فعلا سيخاف منك مادام صغير، أول ما يكبر سيعمل مثلي يكرهك، يبتعد عنك ويرفض أول علاقة مباشرة بك.. والدي أطول مدة أقضيها معه 5 دقائق ولا أكثر.. أنا الذي أعرفه أن عمي يربطني بالحبل وينزلني في الماجن لأنني ذهبت عمت في البحر.. ابني لن أفعل معه هذا وأرفض هدا السلوك، أرفض علاقته بأمي أيضا ليست العلاقة الصحيحة وأتدخل وأصبح أنا الغلطان.. أما كوني خارجا عن الجماهير أنا خارج وفرحان بذلك”.

قيمة الفكر..

وفي حوار آخر أجراه معه الكاتب الليبي “إبراهيم الكوني” يقول “الصادق النيهوم” عن هدفه من الكتابة: “لأنني أؤمن بأن التعامل مع الأفكار لا يمكن أن يؤدي مهمته إلا إذا تم داخل إطار العمل المحدد، ذلك يشبه التعامل مع الثروة، فأنت لا تستطيع أن تضع نقودك في الخزانة ثم تفرض أنها ذات قيمة حقيقية على الدوام، إنك لابد أن تضعها في السوق لكي تعرف قيمتها على وجه الضبط، والكتابة نوع من وسائل العرض لتحديد قيمة الفكر”.

وعن العجز أحيانا عن قول ما يريد أن يقوله يواصل: ” ذلك لم يحدث حتى الآن، إنني إذا أردت أن أقول شيئا فلابد أن أقوله وإذا أحسست بالعجز تجاهه فإن ذلك يثيرني أكثر ويعجبني، ويجعلني أصر مرتين على القيام بتنفيذه.. وفي العادة أنا أحقق هذا الهدف خلال المحاولات المتسمة بالعناد، الذي تعلمت أن أقوم بها لكي أجعل كل كلمة تؤدي مهمتها بالضبط.. إنني أكتب أحيانا المقال الواحد أكثر من عشر مرات لكي أجد الزاوية المناسبة للعرض، وأنا أعتقد أنني وجدت تلك الزاوية دائما”.

وعن عملية الخلق الفني يوضح: “إنها العمل داخل إطار الفكر لوسيلة الكلمات، وهذا الأمر لا أستطيع أن أشعر تجاهه بالرضا، إلا إذا أحسست أنني أؤديه داخل إطار الحلم أيضا، والحلم هو مادة الشعر التي أعرف أنها تستطيع أن تمدني بالشجاعة في مواجهة العجز، الناتج عن ضيق الكلمة.. إنني أكتب أحيانا كثيرا من الشعر الذي يبدو داخل إطار الفكرة، مجرد نوع من الصوفية البلهاء، ولكنه في نهاية المطاف يحمل إلى الناس معظم ما أريد أن أقوله.. الخلق الفني إبداع من الداخل إلى الخارج بصورة عامة وذلك يعني أن فكرة الفنان تنضج في الداخل وتصل إلى الخارج، عبر وسيلة التعبير ولكن الفكرة بدورها لا تأتي من لا شيء، إنها عادة ثمرة التعامل القائم بين الفرد وبين المجموعة، أي بين الخاص وبين العام، فالأمر يشبه الدائرة المغلقة، الفرد يحمل الفكرة من القاعدة ويتركها تنضج في الداخل، ثم يعيدها إلى القاعدة مرة أخرى بوسيلة التعبير، وهذا يعني أن انعكاس الذات على الفكر جزء من طبيعة عملية الخلق نفسها، ولكن أثار القاعدة العامة لابد أن تظهر هناك أيضا”.

الحب والمرأة..

وعن الحب يقول “الصادق النيهوم”: “الحب حالة مشاركة بين الفرد وبين وحدة إنسانية في الخارج أو وحدة جمالية أو وحدة خلقية، إنه ليس مجرد الربط بين رجل وبين امرأة، فأنت أيضا تحب الأطفال والبحر والمزرعة وكثير من جزيئات العالم الملتصقة بعالمك، وهذا هو الحب الذي يعنيه همنجواي، فالكاتب الذي لا يشارك العالم القائم حوله معظم تفاصيله، لا يستطيع بالتأكيد أن يجد وسيلة للاتصال به أو التعبير عنه.. أنا أحببت كثيرا من النساء والأطفال والشعوب والمدن والطرق والكلاب والصيادين وباعة النبيذ والحشيش والفلسفة والكتب والأشعار، وأحببت اللاجئين وأحببتكم أيضا ولا اعتقد أني أريد أن أكف عن ذلك أبدا”.

وعن المرأة يضيف: ” المرأة ليست الجنس وحده كما تريد الحضارة الأوروبية أن تفترض، وليست أيضا الخادمة التي تقوم بطبخ وجبة الأرز في البيت الليبي كما تريد حضارتنا أن تفترض، إنها وجه الحياة الآخر الحافل بكل شيء، الذي تبدو الحياة بدونه مجرد عرض واحد مثل عالم كلي الظلمة، بدون النهار، أو عالم كلي السطوع بدون ليل”.

مراحل تجربة النيهوم..

وفي مقالة بعنوان “قراءة في تجربة النيهوم الإبداعية والفكرية” يقول “إبراهيم حميدان”: “على مدى ثلاثين عاماً هي عمر التجربة الأدبية للصادق النيهوم تنوعت أشكال الكتابة وأنماطها عند هذا الأديب، فلقد جرب أجناساً أدبية عدة.. مرت مسيرة النيهوم الكتابية التي امتدت لثلاثة عقود بأربع مراحل: المرحلة الأولى تمتد منذ عام 1966وحتى أواخر عام 1971 وهي المرحلة الأكثر خصوبة وتنوعاً وأهمية في تجربة هذا الكاتب، ففيها ارتبط بصحيفة (الحقيقة) وتدفق على صفحاتها نتاجه الأدبي والفكري بغزارة لافتة، وغير مسبوقة لكاتب ليبي. فنشر مقالاته الاجتماعية التي تمحورت حول الشأن الليبي، ومقالاته الفكرية التي تناول فيها قضايا التقدم والتخلف الحضاري، والغرب والإسلام والمرأة، إضافة إلى ترجماته ودراساته الأدبية عن بعض الشعراء العرب ونصوصه الإبداعية وبحوثه في القضايا الفكرية والاجتماعية، واستمر في النشر في هذه الصحيفة دون غيرها من المطبوعات الأخرى منذ العام 1966 وحتى توقفها عن الصدور في يناير من عام 1972.. المرحلة الثانية وتمتد منذ النصف الثاني من السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات؛ انصرف خلالها النيهوم إلى تجربة أخرى مغايرة تماماً، وهي تجربة الإشراف على نشر موسوعات علمية من جنيف، وتوقف عن النشر في الصحافة، وأصدر خلال هذه المرحلة الموسوعات التالية موسوعة( تاريخنا) المصورة، موسوعة (بهجة المعرفة) المصورة موسوعة (أطلس الرحلات) المصورة موسوعة (السلاح) المصورة موسوعة الشباب (المصورة).”.

ويواصل: “المرحلة الثالثة وتبدأ منذ منتصف الثمانينيات وحتى السنوات الأولى من التسعينيات وفيها يعود النيهوم إلى الصحافة ليطل هذه المرة على القارئ متوجهاً إلى القراء العرب عبر مجلتي “كل العرب” الباريسية، ومجلة “الناقد” اللندنية حيث ينشر فيهما مقالات فكرية تتعلق بتجديد الفكر الديني باحثاً عن رؤية جديدة ومعاصرة للإسلام، وتعتبر هذه المقالات امتداداً لما سبق أن طرحه من قضايا أواخر الستينيات حين نشر في صحيفة الحقيقة دراستيه (الرمز في القرآن) و(حديث عن المرأة والديانات) وأثارت تلك الدراسات يومها جدلاً وسجالاً حولها وكذلك حدث مع مقالاته في مجلة (الناقد) التي قامت دار الريس بجمعها وأصدرتها في ثلاثة كتب .(محنة ثقافة مزورة)، (الإسلام في الأسر)، (إسلام ضد الإسلام) . ومن خلال مراجعة تجربة النيهوم الكتابية نلاحظ أن نتاج النيهوم توزع في مجمله على أربعة أشكال: النقد الاجتماعي، النصوص الإبداعية، الدراسات الأدبية، المقالات الفكرية المتعلقة بتجديد الفكر الديني..إن صادق النيهوم مبدع فنان، وتميز بجديته ومثابرته في العمل وتصميمه أن يكون كاتباً مختلفاً، وقد كان كذلك، وهو ابن مرحلته، ابن مجتمع بنغازي الخمسينيات والستينيات، ساهم في ظهوره وسطوع اسمه الحراك الثقافي والسياسي والاجتماعي خلال الستينيات، كان وما يزال كاتباً مؤثراً خاصة بين فئات الشباب، حيث تستقطب هؤلاء الشباب باستمرار، وجيلاً بعد جيل، نبرة التمرد والرفض التي تشيع في معظم النتاج الثقافي والفكري الغزير والثري الذي تركه النيهوم من بعده”.

وفاته..

توفي “الصادق النيهوم” في جنيف يوم 15 نوفمبر 1994 ودُفن بمسقط رأسه مدينة بنغازي.

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة