القسم الثاني
إن من أوجه الكسب غير المشروع ، تخصيص ومنح المكافآت والرواتب والمخصصات من غير معايير الإستحقاقات الحقيقية والسليمة ومن دون سند قانوني معتبر ، وذلك ما تم الكشف عنه وإن كنا نعرفه ونعلمه ، وكتبنا فيه مطولا ولم يرد إلينا صدى صوت صريخنا في واد مأساتنا بعد الإحتلال ، إلا إن رد مجلس النواب على تصريح النائب مشعان الجبوري بشأن راتب عضو البرلمان البالغ (45) مليون دينار شهريا في سنة 2015 ، أزال بعض غمة التعتيم المتعمد عما كنا نبحث عنه لسنين ، وإن لم يكن بمستوى ما نطمح به قانونا ذو سند متين ، ومع ذلك فإن البيان بأن راتب النائب كان (12) مليون و (900) ألف دينار قبل إطلاق حزمة الإصلاح ، وبلوغ الراتب الكلي للنائب بعد تطبيق التخفيض وفقا للقرار (333) في أعلى معدلاته هو (10) ملايين دينار ، بواقع الراتب الإسمي (4) ملايين دينار ، ومخصصات منصب (2) مليون دينار ، ومخصصات شهادة الدكتوراه (100%) من الراتب الإسمي ، والماجستير (75%) من الراتب الإسمي ، والبكالوريوس (45%) من الراتب الإسمي ، والمعهد ( 35%) من الراتب الإسمي ، والإعدادية (25%) من الراتب الإسمي ، كشف الذي حرص النواب على إخفاء تفاصيله ، ولربما أثار دهشة وإستغراب المختصين والمهتمين في مجال القانون الإداري ، لقيامه على أسس الخلط غير المتوازن في إجراءات السلطة التشريعية ، الذي بدا تخبطها واضحا في تحديد إستحقاقات ذوي المناصب من غير الموظفين مع ما يستحقه الموظفون ؟!، مع عدم بيان السند القانوني المعتبر لكل ما تصرح وتتشدق به من غير معرفة ولا علم وللأسف الشديد ؟!، فتراها تغرف من بحر الموازنة المالية من دون شعور بالخجل أو وخز قليل من ضمير شبه حي ، فهي تلوك على فكي مطاحن إجترار الإستحقاقات بمغالاة وتطرف غير مسبوق ، وكأن أعضاءها ممن يستحقون الخاص من المكافآت والمخصصات تارة ، ومما هو مخصص من الرواتب والمخصصات للموظفين تارة أخرى ، بل والجمع بينهما خلافا لكل التشريعات ، وفي الحالتين لا نجد في قواعد الخدمة والوظيفة العامة منذ نشأتها ، ما يجيز منح المخصصات على مستوى الشهادة ، بعد تحديد الراتب الشهري للمعين على الملاك الدائم بموجب الشهادة الدراسية التي يحملها عند ذاك ، كما يتم تعديل راتبه إذا حصل على شهادة أعلى أثناء مدة خدمته المستمرة ، وكان راتبه أقل من راتب الشهادة التي حصل عليها ، ويمنح القدم لمدة محددة تتناسب ومستوى الشهادة ونوعها في حالة عدم الإستفادة منها في تعديل راتبه ، عملا بأحكام المادة (19) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960- المعدل ، ولست على علم في معنى وأساسيات المسوغ القانوني ، في أن تمنح المخصصات وبنسب متفاوتة تبعا لمستوى الشهادة التي خصص لها الراتب الشهري المتفاوت أيضا عند التعيين إبتداء ، ومن غير سند أو عرف إداري معتبر ، مثلما يتم تداول مصطلح الراتب الإسمي الملغى منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي ؟!، سوى أنهما من محدثات البدع والضلالات الإدارية والمالية التي جاء بها المشرعون الطارئون ، ممن لا يفقهون في غير إستحداث وسائل سرقة المال العام ، في أقل زمن ومدة إنتخابهم المؤقت والمحدد ، كما هو كذلك شأن قرارات السلطة التنفيذية ، التي وجهت الأمانة العامة لمجلس الوزراء فيها بتأريخ 9/9/2015 ، (( الوزارات والمحافظات والجهات الحكومية كافة ، بالعمل وفق قرار مجلس الوزراء الأخير بشأن الرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاث والوزراء والوكلاء ومن بدرجتهم ، والمستشارين والمديرين العامين ومن بدرجتهم . حيث نص القرار على تحديد سلم الرواتب للمستمرين بالخدمة للدرجات العليا ، بواقع (8) ملايين للرؤساء الثلاثة ، و (6) ملايين لنواب رئيسي الجمهورية والوزراء ( لأجل إحتساب التقاعد ) ولنواب رئيس مجلس النواب ، و(4) ملايين للوزير ومن بدرجته ، و (2,4) مليون لوكيل الوزير ومن بدرجته ومن يتقاضى راتبه والمستشار الذي يتقاضى راتب وكيل وزارة ، ومليونين للدرجات الخاصة ، و(1,5) مليون للمدير العام ومن بدرجته ومن يتقاضى راتبه )) . وتلك من مهازل التوجيهات والأكاذيب التي لا تنطلي على أبسط موظفي الموارد البشرية ، حيث لا يشمل سلم الرواتب للمستمرين بالخدمة من شاغلي الدرجة العليا ( أ ) غير الموظفين من الدرجات الخاصة مثل وكيل الوزارة والمحافظ والسفير والمستشار ، كما يشغل الدرجة العليا ( ب ) المدراء العامون ومن بدرجتهم مثل مساعد رئيس الجامعة وعميد الكلية والوزير المفوض والقنصل العام ورؤساء بعض الدوائر ، ولا أدري كيف تم تخصيص الملايين للرؤساء الثلاثة ونوابهم والوزراء وأعضاء مجلس النواب ، وهم من غير الموظفين ؟!، ولا نعلم بموجب أي قانون خاص تم تحديد ذلك ؟!. وقد يكون من المناسب التذكير ، بأن القوانين المرقمة ( 26 و 27 و 28 ) لسنة 2011 (1) ، قد أقرت منح المذكورين مقادير رواتب ومخصصات مقاربة لما حدد في أعلاه ، إلا إن قرار مجلس الوزراء المرقم (54) في 29/11/2011 ، قضى بالتريث في تطبيق القوانين المذكورة والخاصة بتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث ، إلى حين قيامه بتقديم مشروع قانون تعديل القوانين آنفة البيان ، ولكن التريث في تطبيق تلك القوانين بقي ساريا حتى إصدار المحكمة الإتحادية قرارها المرقم (48/إتحادية/2012) في 25/2/2013 القاضي بإلغاء القانون رقم (27) لسنة 2011 ، الخاص بتحديد رواتب ومخصصات مجلس الوزراء لعدم دستوريته ، مع إمتداد تأثر المنافع سلبا على الآخرين ، مما نال من شرعية القانونين المرقمين ( 26 و 28 ) لسنة 2011 ، حيث أصدرت المحكمة ذاتها قراريها المرقمين (19و31 / إتحادية /2013) والمؤرخين في 6/5/2013 ، القاضيين بإلغاء القانونين الآخرين أيضا ، والخاصين بتحديد رواتب ومخصصات كل من رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ، لعدهما غير دستوريين بسبب تشريعهما دون إتباع السياقات الدستورية في التشريع ، مما أدى إلى إستمرار رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وأعضاء مجلس النواب ورئيسه ونوابه ، ومن شملهم التحديد من ذوي الدرجات الخاصة والمدراء العامين وغيرهم من الموظفين وأعضاء المجالس ، تسلمهم لرواتبهم ومخصصاتهم السابقة لإصدار القوانين المذكورة ، وحيث أن تلك القوانين تضمنت تخفيضا في مقادير الرواتب والمخصصات للمشمولين بأحكامها ، وأصبحت لا ترتب إلتزاما ماليا إضافيا على السلطة التنفيذية ، ولم تكن مدرجة ضمن خططها أو موازنتها المالية حينها ، ولا تحتاج إلى التشاور مع السلطة التنفيذية أو أخذ موافقتها على ذلك ، وبدلا من مساهمة السلطتين التنفيذية والتشريعية في تقليص النفقات الحكومية حينها ، نجد إخلال مجلس الوزراء بتعهده في تقديم البديل التشريعي المناسب ، على الرغم من عدم إمكانية إلغاء المحكمة لقراراتها المرقمة (48/إتحادية/2012) في 25/2/2013 و (19و31/ إتحادية/2013) في 6/5/2013 ، بغية إعادة إصدار القوانين المرقمة (26و27و28) لسنة2011 بصيغة ثانية ، يراعى فيها إجراء بعض التعديلات اللازمة والضرورية على مضامينها ، مع النص على إسترداد الفروقات المالية المترتبة على ذلك إعتبار من تأريخ نفاذها الجديد أو بأثر رجعي ، إلا إن إصطدام ذلك بجدار المصالح والمنافع الشخصية حال دون تحقيق المطلوب بالشكل الطبيعي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشرت القوانين في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4214) في 24/10/2011 .