18 ديسمبر، 2024 9:31 م

وأنا أتصفح في طيّات ذاكرتي، مررتُ على أيام الدراسة الإعدادية، ولم يكُن مرور كرام. إذ أطلت المقام على كثير من المحطات، واسترجعت الكثير من الذكريات التي لم يفرحني شيء منها غير تذكر رفقة بحنين واشتياق، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من هاجر، ومنهم من يعيش على هامش الحياة كحالتي، ومنهم من صار مسؤولاً وترك عشرتي مستغنياً.

تذكرت بعض الأساتذة الذين كانت لهم مواقف “سودة مصخمة” لا تُنسى، ولا تُمحى. لكنهم استطاعوا بطريقة وأخرى أن ينجوا من تبعاتها، ويعودوا للحياة أقوى.

(علاء) مدرس اللغة العربية، كان ضابط أمن، ونطاق عمله الأمني يقع ضمن قاطع “أمن صدام”، أي المسؤول عن مدينة صدام – الصدر حالياً – بشاربه الطويل، وسترته الجلدية المميزة، ومسدسه ذو” الزركوشة”، كان يدرسنا.. أو بالأحرى يحقق معنا. [اليوم هو ضابط برتبة رفيعة في وزارة الدفاع!!]

(نادية) مدرسة اللغة الإنجليزية، تلك الشابة الجميلة، التي لم أذكر بيوم من الأيام انها درستنا شيء، فقد كانت جشعة إلى حد كبير، وكانت تستغل إعجاب الطلاب المراهقين بها، للحصول على الأموال “في زمن المرتب الشهري لوالد أي أحد منهم لا يتعدى الثلاثة آلاف دينار”، وطبعاً المقابل أنها تقيّد اسم الطالب “اللّي يورّق” في سجل الدرجات بأنه ناجح. [نادية اليوم مديرة عامة في وزارة التربية!!].

(وليد) مدرس مادة الإسلامية، رغم أني لا أنكر انه كان طيب القلب، فيما يخص سلوكه العام وتعامله مع الطلبة، لكنه لطالما بث سمومه الإخوانية لضرب وحرف عقيدتنا، رغم اننا لم نكن نعرف عن فكر الإخوان المسلمين شيئاً، لكني اتذكر ترديده لأفكار وطروحات رجالات هذا التنظيم، أمثال “حسن البنا، وسيد قطب، وفتحي يكن”، الذين لم نكن نعرف عنهم شيء، لكن مع مرور الزمن عرفت من هؤلاء، وعرفت انه كان لديه هذا التوجه، المهم لأقول لكم أين هو الآن [قبل بضعة سنوات تسنم منصب كبير في ديوان الوقف السني، وحالياً قيادي في الحزب الإسلامي، النسخة العراقية للتنظيم الاخونجي!!].

(كاظم) مدرس الاجتماعيات، وسأختم معه، لأن مصيبتنا معه كبيرة، وعند هذه المصيبة تسكب العبرات حقاً. كان هذا المدرس البعثي قذر في كل شيء، في كلامه، واسلوبه ومظهره الأشعث الأغبر، اتذكر مما قاله في أكثر من مناسبة: من هو الحسين حتى تتعبون انفسكم لزيارته؟ صدام حي وهو اولى بإدامة ذكره وهو حفيده!! ، وقال فيما قال: احمدوا الله على نعمة صدام حسين، لأنه علمكم شلون تتكلمون، وعلمكم شلون تعيشون بكرامة!! ، ومقولة اخيرة اكتفي بها: احنا اتباع الطريقة القادرية “الدراويش” بس احنة صح وكل الاخرين غلط وبالخصوص الشيعة الخمينية!!.

قبل بضعة سنوات، اتصل بي صديقي وقال: مرتضى شغل التلفاز وشاهد قناة المسار وستتفاجأ، أدرت التلفاز، وإذا بي أشاهد برنامج حواري، وفيه ضيف يتحدث، اسمه الدكتور كاظم القريشي، وبين قوسين (القيادي في حزب الدعوة الإسلامية والمختص بفكر وفلسفة الشهيد محمد باقر الصدر!!!).

آخر الأخبار تتحدث، على أنه اليوم استاذ في إحدى الجامعات الحكومية.

نعم.. تمكن هذا وامثاله من العودة وبقوة للحياة السياسية والمدنية، وملفات فسادهم وبعثيتهم اغلقت وإلى الأبد كما يبدو.

فلا تسألوا لماذا لا يستقر العراق بعد هذه الحقائق، إلاّ إن جئنا بمشروع وطني جاد، يضخ دماء شابة، تقود دفّة الحكم، وتفعّل قوانين المسائلة والعدالة، وتحرك الدعاوى ضدهم، وتنظف دوائر الدولة من هؤلاء الصداميين والفاسدين والطائفيين، وتعيد (الأمل) لهذا العراق.