أكون أو لاأكون.. واحدة من أشهر الجمل في مسرحية شكسبير المعروفة (هاملت)، شاع استخدامها بين العديد من الناس ليستشهد بها البعض في مواقف معينة حتى وان لم يقرأ المسرحية. وربما تعود شهرتها حسب تفسيرات وآراء النقاد الى علاقتها باشكالية الوجود والاختيار والقدرة على اتخاذ القرار وغيرها، الا ان معناها الدقيق أو مايطلق عليه ب (الثيمة) الاساسية للمسرحية، هو (التردد) التي كانت نقطة ضعف هاملت -البطل التراجيدي- والذي منعه من اتخاذ قرار في لحظة الاختيار، مما أدى الى انهياره ومقتله في النهاية.
ولا أعلم ان كان المسؤولين في حكومتنا قد قرأوا هاملت أم لا، لكن القرارات الحكومية المتلونة والمتغيرة تجاوزت حيرة شكسبير وتردد هاملت. وبعيدا عن المبالغة، فقد يكون البلد شهد من التأرجح في القرارات منذ 2003 وحتى الآن مالم يشهده أي نظام سياسي في بلدان العالم وعلى كل الاصعدة. وجميعنا يتذكر قرار الغاء الحصة التموينية الذي هز مشاعر الجماهير وتصريحات المسؤولين حول علاقته بالبنك الدولي والاقتصاد العراقي و و .. وبعد اسبوع او أقل أو اكثر تم التراجع عن القرار. البعض عزا التراجع الى ضغط الشارع والتظاهرات، والبعض الى التقاطع بين السياسيين الذين لايحتاجون الى اسباب للتقاطع، بينما تجرأ بعض المثقفين على الادعاء بأن الضجة الاعلامية كانت وراء الغاء القرار. والطريف في الامر ان قرار اعادة الحصة التموينية الجديد يخير المواطن بين تسلم 15 الف دينار شهريا او تسلم المواد الغذائية، وحتى الآن لم التقي بشخص رضي باستبدال المواد الغذائية بالمال لأنها (صفقة خسرانة) مما يدفعنا الى التساؤل، فيم اذن كانت تلك الزوبعة؟ بعض المحللين السياسيين ذهب الى ان السبب وراءها هو صفقة الاسلحة الروسية التي حاولت الحكومة تمريرها وملف الفساد الخاص بها و و و.. وقد يكون هذا صحيحا في حالة كون الشعب عامته او خاصته كان مهتما بصفقة الاسلحة والفساد او يمكن له ان يحرك ساكنا، فمنذ مدة ليست بالقصيرة قدم الشعب معاملة تقاعده وهو بانتظار تعديل الرواتب التقاعدية، مما جعل الصفقات والتصريحات والفساد تمر في شريط الاخبار مرور الكرام فلا تشعل فتيل ولا تثير زوبعة. وحتى لو اراد الشعب ان يدلو بدلوه، فهل سيعرف على ماذا يعترض، فقرار الليل يصبح رمادا على اثر تصريح مضاد.
ومازال الحبل على الجرار، فالقرارات تتراكض كالمجانين في ساحة خالية، والازمة تتفاقم في النهار لتذوب ليلا او العكس. فمطالب المتظاهرين المتأرجحة ايضا تقابلها قرارات تتبدل يوميا لتلائم الموقف الذي لايمكن تفسيره الا بعبارة (اتفقوا على ان لايتفقوا)، وبين المطالبة بالغاء المساءلة والعدالة والافراج عن المعتقلات و غيرها من المطالب التي تشبه جائع يبحث عن اصناف المقبلات في مطعم (نص ردن)، يصدر قرار من رئيس الوزراء ليناقضه قرار من البرلمان، ليتعادل معه قرار من مرجع ديني ثم يكبسه قرار من زعيم كتلة، وبين الرفع والكبس ضاعت الكرة وفقدت حتى التظاهرات بريقها.
ويبدو ان سياسة حكومتنا لاتستند الى اي منهج في علم السياسة والاقتصاد بل ولا حتى في دليل الطبخ، بل تميزها الحيرة، فهاهي تعبر عامها الثالث وهي حائرة في اختيار حقائب الداخلية والدفاع، تطبيق الاجتثاث ثم التراجع، اقالة فلان واعادته الى منصبه.. الغاء امتحانات الدور الثالث ثم اعادتها.. حتى اصبح التردد منهجها. وليت احد افرادها يتوقف لبرهة ليسأل نفسه كما فعل هاملت: أكون او لاأكون؟ لشعر ب(صخام) البصمة التي ستتركها هذه الحكومة على صفحات تأريخها السياسي.