(مرثية لصداقة الانسان مع جسده واعضائه كلما طال به العمر)
يبدأ الانسان منذ وعيه الاول (والانسان هنا هو النفس والجسد والعقل والروح ),يبدأ في فهم علاقته بجسده واعضائه كلها ,اي اختلاف في وظيفة اي عضو يشعر بها ويحاول تفسيرها ويعتبرها خللا قد يحتاج الى مراجعة الطبيب ,اذا شعر بانه اختلال يصل الى حالة المرض .تبدأ هذه العلاقة قوية لأنه يشعر بسيطرة قوية على اعضاء جسده واجزائه فيداه ورجلاه قوية تشعر بكل شيء ,لا خدر ولا ضعف في القوة ,وقلبه يقوم بعمله بكل نشاط ومهما بذل من جهد لا يخذله ,واعضاء الاخراج اي الجهاز البولي والجهاز الهضمي تعمل ولا تتلكأ في اخراج الفضلات وهي منتظمة وقلما تحتاج الى ادوية لتنظيم عملها كالملينات بالنسبة للامعاء, القولون لا يغرد وحده ويحرجه يقوم بعمله بصمت.لا توجد آلام في العضلات ولا تشنجات ,قلما يُحدث البرد او الحر او المشي او العمل او التعب خللا في عمل الجهاز الحركي من عظام وعضلات في الشباب , لا زلنا نتحدث في فترة عمر الطفولة والشباب حيث فترة الوعي الاولى بالجسد .
لو سار الشاب كيلومترات قد يشعر بألم في الساقين او القدمين ولكن ساعات قليلة من الراحة كفيلة بأعادة الوضع الى الطبيعي .يأكل مايريد لايخاف من انتفاخ او مغص او حموضة او سوء هضم وحتى لو حدث ذلك فأن قدح من لبن او حبة مضادة للحموضة كفيلة باراحة الجهاز الهضمي. يتحمل الضغوط النفسية ومهما وبخه أب او أم او معلم قد يتضايق لساعة ثم يعود لحالة الراحة والمرح .ينام مبكرا او متأخرا ولا تتعرض ساعته البايولوجية الى انقلاب يفقده انتظام وظائفه الجسدية.لا يدرك اهمية الادوية ولا يحبها كما يحبها ابوه او امه لأنه لا يحتاجها لأدامة وانتظام عمل جسده ,فلا تزال الامراض المزمنة من فرط ضغط الدم والسكري وآلام المفاصل بعيدة عنه.
مع مرور العمر يبدأ يشعر بالاختلاف بين الاعضاء المختلفة والسيطرة المركزية ,تبدأ الاعضاء تطالب بالاستقلال او بالحكم الذاتي تريد ان تعمل حسب قابليتها او راحتها ,القلب ينبض ولكن اي عامل خارجي او داخلي يجعله يضطرب ويؤثر على بقية الاعضاء لأنه المضخة المركزية. اي وليمة دسمة او طعام لم يتعود القولون او المعدة عليه قد يحدث ارباكا في عملهما قد يطول لأيام ,اينما يذهب الكبير فيصطحب معه كيس ادويته من ادوية الضغط الى القلب الى السكري الى المعدة. تبدأ السمنة تزحف على الجسد وتدب فيه دبيبا ,لم يعد الطعام يذهب الى المحرقة فورا بل يذهب الى المخازن ليخزن في الكرش او في الارداف او بقية المواضع ,فالحركة قليلة والمرح قليل والتفكير كثير.
اللياقة البدنية هابطة واي جهد غير طبيعي يجعل القلب يبكي ويجعل التنفس يتنهد فقد ذهبت ايام الرياضة والهرولة وكرة القدم ولن تعود. العينان تفقد بريقها ويفقد بياضها نصاعته وتحل عليه الكدرة ويبدأ النظر بالاضمحلال ,ولكي تقرأ تصبح بحاجة الى نظارة وبعد ذلك لكي تشاهد السبتايتل في التلفزيون او لكي تسوق سيارتك تحتاج الى نظارة ذات عدسات من نوع اخر , فقد اكتملت حلقات ضعف البصر بطوله وقصره, كل سنة وربما كل ستة اشهر ستحتاج الى اعادة فحص بصرك لكي تستبدل نظارتك بأخرى مريحة اكثر. تصبح النظارة متعددة الفعاليات لصيقة وجهك او جيبك او مكتبك ولا تستطيع العمل بدونها تصبح صديقك الصدوق فلن تستطيع رؤية الاشياء او تقييمها الا من خلالها .يبدأ شعرك بالتساقط ويغزوه الشيب و يبدأ جلدك بالتغضن والتهرؤ, تصبح الحلاقة اليومية هما مزعجا لأنها دائما ما تنتهي بخدوش وجروح وكلينكس يلصق على الجروح حتى يتوقف نضح الدماء من تغضنات ذقنك اوخديك. سمعك يبتعد عن أن يصبح صديقك وكلما ناداك احد تطلب منه أن يعيد طلبه لتسمع بعد التركيز ما فاتك فهمه. شمك لم يعد يتذوق العطور او رائحة الاطعمة كما كان يستمتع بها في السابق من أيامه ولسانك فقد استطعامه لما لذ وطاب في سابق الايام فقد فقد الكثير من احساسه ,وبدأت ترهقه كدمات العضات الخاطئة من الاسنان.كان يغريك أكل القيمر مع الكاهي والآن لا السكري يسمح لك بأكل الكاهي ولا الكولسترول المرتفع يعطيك اجازة لتستمتع بأكل القيمر وأن فعلت تنغص عليك يومك ربما باسهال متدفق .
تبدأ غزوات البرد وغزوات الحر مع المكيف او المبردة تحيل جسمك الى حطام فتشنج العضلات وتجمد المفاصل وتؤلم العظام وتفقدها نشاطها وحيويتها السابقة ,يوم كانت تحت سيطرتك تؤمرها فتستجيب وتطلب منها فتنقلك حيث تريد بدون أن تزعجك بطلب او تدلل. تصبح آلام الظهر صديقا أليفا لك في الشتاء وفي الصيف وأن غابت عنك ساعة من ليل او نهار تسأل عنها وتفتقدها وتستغرق في التفكير لتحلل اسباب غيابها عنك. نفسك لم تعد تستوعب الآخرين ,وتضيق وتتكدر لأبسط الاشياء .تفقد الدنيا ألقها الاول تختفي رغبة تحقيق الاهداف كما كنت تخطط لها في بداية الوعي الاول .
في مرحلة من العمر يفقد الجسد القدرة على التواصل بين اعضائه ويصبح كل عضو يغرد لوحده فهذا يغني موالا وذلك يغني العتابا وآخر يغني الشوملي .يفقد سيطرته المركزية وتتحرر الاعضاء من سيطرة الجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي الذاتي وتمارس اقصى درجات الحكم الذاتي ,فالقولون يرفض الانصياع الى الاوامر المركزية ويصبح من عادته الغناء المنفرد والعمل وفق رأيه المستقل ويرفض الاخراج اليومي وقد يحتاج الجسد الى ارغامه على الاخراج بحبة ملين او تحميلة . القلب يبدأ يجرجر بنفسه وفي أية لحظة قد يقول لبقية الاعضاء اعذروني لقد عملت عشرات السنين على أروائكم ولم يعد لدي القدرة على مواصلة نفس العمل وربما يودعهم نهائيا وحتى بدون اعتذار. الكلى قد تتخذ موقفا مشابها للقلب وربما تعتذر او تطلب الاستعانة بمن يقوم بالغسيل نيابة عنها ,فقد غسلت كل اوساخ وسموم الجسد لسنين ولم يرحمها من اكل وشرب ومن حقها ان تتقاعد او تطلب مساعدة. اما الدماغ اذا اراد التقاعد او التمرد فهو في جهة وكل الاعضاء الكبرى في جهة مقابلة فهو سيد الاعضاء وليس له بديل او مساعد وبفقدان عمله سيتحول الجسد واعضاؤه الى شيء من الاشياء التي لاحول لها ولا قدرة وقد تتلف وتتعفن كلما مر الزمن عليها بدون وظيفة سيدها .
تزداد ضراوة الحساسية مع العمر وتزداد ضراوة الحر على الجسد وتزداد ضراوة البرد والظروف الجوية المتطرفة على الجسد واعضائه وربما تفقد بعضها فعاليتها بسبب الظروف الجوية ,ويغادرنا كلما جاءت موجة من الحر الشديد بعض كبار السن لعدم قدرة اجسامهم على التكيف مع الظروف الجوية وفي العالم المتقدم تتوفر الاحصائيات الدقيقة عن اسباب الوفيات اما عندنا فمن الصعب أن نعرف الكثير من اسباب الوفيات. في العمر المبكر كانت الصدمات والارهاقات والتعب ومهما تكررت يستطيع الجسد عبورها بسهولة اما في شيخوخته فربما صدمة واحدة كسقوط في الحمام تحوله الى ركام من اللحم الفاقد للوظيفة.
…. أنها الشيخوخة.
طب الشيخوخة : فرع من فروع الطب ,في العالم المتقدم فتحوا له العيادات الاستشارية الكثيرة ليستطيعوا مساعدة كبار السن على استيعاب وتجاوز آثار السن على فعاليات اعضاء الجسم والنفس وليساعدوهم على أن يتمتعوا فيما بقي لهم من أيام ,اما نحن فلانزال نحبوا في التعامل مع كبار السن مع تطرف ظروفنا الجوية وصعوبة حياتنا حيث تتحول اواخر سنين الحياة الى مسلسلة من العذاب الجسدي والنفسي.