عندما تمتلك بلاد ما، خيرات وثروات، هذا لا يضمن لها الحياة المنعمة، لأن الهبات الربانية لابد ان يتبعها عقل قادر على استثمار تلك النعم، بشكل اقتصادي عالي، ان الله سخر للأنسان الكون كله، ليعمل ويزرع ويبني ويطور بيئته بشكل تصاعدي، هكذا تتقدم الامم!
بعبارة اخرى فان بلاد مثل بلادنا سلة مليئة بالخيرات، لكن تحيط بها القرود، فلا حكومة رشيدة ولا شعب واعي، وجيران بين مبغض وحاقد، يتحينون الفرص لنهب الخيرات، وتجفيف الانهار و ارسال الامراض والاوبئة، ففي هذه الحالة لن تبقى الثروات الطبيعية ولن تدوم الى الابد، في ظل هذا الهدر المستمر، وعدم الاستثمار وسوء التخطيط والادارة، فهي ليست (اموال قارون) لننوء بها، بل قد تنتهي وتنفذ، ولا يبقى منها شيء يذكر للاجيال القادمة.
بينما هناك بلدان فقيرة تكاد لا تقوى على سد حاجتها الاساسية، لكنها نهضت من جديد بفعل تعاون ابناءها وتعاضدهم، ونبذ التناحر والتجاذب جانباً، واستثمار ما متوفر من موارد طبيعية وادارتها بشكل علمي مدروس، من قبل تلك الحكومات، ما هي الا سنوات معدودة وشرعت تلك البلدان الهرولة في مضمار التقدم والحضارة.
ان التمدن والتحضر ليس من صنع الصدف، بل هو ناتج معادلة بسيطة؛ موارد زائد استثمار حقيقي، يكون الناتج تغيير نحو الافضل.
بغض النظر عن الوقت الكافي للحصول على هذه المعادلة، لان بعض الشعوب قد ينفقون عشرات السنين للوصول لنتيجة هذه المعادلة، اما شعوب اخرى فلا تكلفهم نهضة بلادهم الا سنوات قليلة، فألامر مرهون بدرجة وعي ووطنية وارادة تلك الشعوب.
ان الأمم التي تؤمن بان اكسير الحضارة هو الفرد نفسه وسلوكه واسلوب حياته، هم أمم نابضة بالحياة لا تموت بل في تتجدد دائم، لانها اكتشفت مبكراً ان الموارد الطبيعية قابلة للنفاذ، اما الابداع البشري فهو طاقة لا نهاية لها، فألاستثمار في الانسان هو الاستثمار الحقيقي للبلدان الرائدة.
كيف نستثمر في الانسان ونحن نخاطبه بوحوب أطفاء جهاز التبريد في الحمام لتوفير الطاقة!
وبعض سكان العراق يسكنون العراء وبلا حمام اصلاً، او يتشاركون حمام جماعي كما هو الحال في مخيمات النازحين.
او نوجه المواطنين بضرورة أطفاء سخان الماء في فصل الصيف، انه استهزاء بالانسان بدل الاستثمار فيه!
انها طرق طوارئ يسلكها المسؤولين لفشلهم في ايجاد حلاً لأزمة الكهرباء المتفاقمة، موسم بعد اخر.
ان التعلل بحجج غير منطقية ليست حلاً، بل هي مشكلة أخرى، واشبه بدس الرأس بالرمل كالنعامة، والدليل عدم الوقوف بشكل حازم على اسباب المشكلة، والعمل على حلها.
ان مشكلة كمشكلة الكهرباء، في بلد كالعراق، حلها ليس صعباً او مستحيلاً، انما الصعب هو أيجاد رجال دولة، قادة مؤسسات لا سياسي ازمات، للخروج من هذه الازمة وتفكيك خيوطها المعقدة، وانقاذ العراق والعراقيين من مرض حصبة الكهرباء الصيفي بمصل فعال.