26 نوفمبر، 2024 12:55 م
Search
Close this search box.

لقطات من تراث وتأريخ العراق القريب (الجزء /1)

لقطات من تراث وتأريخ العراق القريب (الجزء /1)

دخلنا في سبعينيات القرن العشرين وكان الدينار العراقي يساوي ثلاث دولارات وثلث الدولار , كان الدينار يساوي الف فلس وكانت اصغر عملة متداولة هي الخمسة فلوس ويقول اباؤنا انه كانت وحتى الستينيات هناك عملة متداولة تسمى العانة وتساوي فلسين وجيلنا لم يتعامل بها , كان أي طفل يستطيع شراء خمسة جكليتات عادية بخمسة فلوس او جكليتتين من نوع توفي الفاخر بخمسة فلوس .
كانت العملات المعدنية المتداولة هي الخمسة فلوس والعشرة والخمسة والعشرون والخمسون والذي يسمى بالدرهم والمئة والمئتان وخمسون فلسا وفي السبعينات ظهرت خمسمئة فلس معدنية واما الورقية فتبدأ بالربع دينار او مئتان وخمسون فلسا والنصف دينار والدينار والخمسة والعشرة دنانير وهي اكبر عملة ورقية وبعدها ظهرت ورقة الخمسة والعشرون دينار قد يكون في نهاية السبعينات .
لم يكن العراقي حتى اوائل السبعينيات قد تعلم على أكل بيض ودجاج المصلحة اي البيض والدجاج الذي نأكله اليوم والمنتج في مداجن والمصلحة هي مصلحة المبايعات الحكومية وهي الدائرة المختصة باستيراد وتسويق المنتجات الغذائية وغيرها من المنتجات باسعار مدعومة . كان العراقي لا يأكل الا بيض العرب ودجاج العرب اي المنتج المحلي من قبل الفلاحين والذي يقومون بتسويقه يوميا من مزارعهم ويربى في مزارعهم ,وليس في مداجن ولا يعلف بالعلف الصناعي المتداول اليوم .كان له طعم خاص ولذة لا يمكن لظروف اليوم بهذه البيئة الملوثة أن تنتج انتاجا مثل ذلك الانتاج حتى لو كان انتاج عرب .كان بائع الصمون يوزع الصمون ديلفري على بايسكل ويضعه على حائط البيت قرب الباب الخارجي ,كما أن بائع الحليب يضع بطل الحليب على حائط الشارع وتتم المحاسبة شهريا او اسبوعيا .ادخلت الحكومة في السبعينيات صمون المصلحة وهو يشبه الصمون الكهربائي الحالي ومن نوعية اجود منه بكثير ولم يكن العراقيون يستسيغونه ويسمونه صمون مصلحة وكان يباع بأكياس بلاستيكية من قبل اكشاك اقامتها الحكومة في مختلف المناطق السكنية ولكن لان الحكومة توزعه فيسمى صمون المصلحة اي يقللون من شأنه او يسمى الصمون الفرنسي لأنه يبدو أن المعمل الذي ينتجه من صناعة فرنسية . لم يكن الناس يستسيغون الا خبز التنور والصمون الحجري الذي كان حجم الصمونة منه يعادل اربع صمونات حالية .
حاولت الحكومة السيطرة على الاسواق وادخال انفها في كل شيء فبدأت تستورد وتنشر دجاج المصلحة وبيض المصلحة ,وبعد أن تعود الناس على اكل بيض ودجاج المصلحة بدأت تظهر ازمات في كميات البيض والدجاج المسوّق لان الدولة وحدها هي التي تسوقه .كان سعر قرص الخبز 10 فلوس وسعر قنينة او بطل الببسي او المشن او الكراش وهي المشروبات الغازية الشائعة 15 فلسا .
كانت مصلحة نقل الركاب تسير باصات من نوع ليلاند ذات الطابقين حمراء اللون شبيهة للحالية ولكن تديرها المصلحة بنظام صارم ,حيث يقودها سائق يرتدي بدلة رصاصية ويضع على رأسه كاسكيته او شفقة كما تسمى وجابي او محصل يرتدي بدلة رصاصية ويضع كاسكيته او شفقة على رأسه ويضع في حزامه من الامام حقيبة جلدية يضع فيها الدخل او الاجور المستحصلة لان العملة المستعملة كانت معدنية ,وكانت هناك نوعين من المقاعد او المساطب لجلوس الركاب في الباص ,درجة اولى جلدية سعر الركوب عشرين فلسا ودرجة ثانية مساطب خشبية بخمسة عشر فلسا ,كما كان هناك نوع اخر من الباصات طابق واحد وايضا ليلاند حمراء اللون .كان اول باص ينطلق الساعة السادسة صباحا وآخر باص ينطلق الساعة الثانية عشرة ليلا وبين باص وباص وقت محدد ولم يكن الازدحام مثل اليوم واوقات الباصات الى حد كبير يمكن الاعتماد عليها وضبط وقت خروجك ووصولك عليها ,كما كان هناك نوع آخر من الباصات تسمى الهنغارية وهي باصات طويلة وتتكون من خانتين طويلتين يربط بينهما رابط من مادة شبيهة بالجلد تسمح له بالحركة والانثناء ولونه على ما اتذكر ازرق اللون .
لم تكن الثلاجات والمجمدات شائعة وكان الناس يتسوقون بشكل يومي حيث تخرج ربة البيت الساعة التاسعة صباحا بعد أن يذهب ابو البيت الى عمله والاولاد الى مدارسهم ومعها علاقة محيوكة او محاكة من خوص النخيل فيها يدة محيوكة من لحاء النخيل تعلقها في ساعد يدها وتذهب للتسوق ,وتشتري الخضراوات واللحم والفاكهة وهو المسواق المعد لطبخ وجبات ذلك اليوم ,والعائلة العراقية معتادة على تناول المرق مع قطع لحم الغنم والتمن (الرز) مع الخبز والسلطة واللبن الشنينة وايضا الطرشي في وجبة الغداء ,ومايسمونه بالنواشف في وجبة العشاء , والنواشف اي لا توجد فيها سوائل (اي بدون مرق )ويقصد بها الكبة او كباب البيت او العروك او البيتنجان المقلي او الطماطة المقلية اوالبتيتة او البطاطس المقلية او المسلوقة مع البهارات والسلطة والطرشي والخبز والكبة انواع فهناك كبة البرغل وكبة التمن وكبة البتيتة والكبة المسطحة الكبيرة او كبة الموصل .
في الفطور او الريوك كما نسميه يمكن تناول البيض المقلي او الالبان وخصوصا جبن العرب وقيمر العرب مع الدبس او المربى او العسل وحسب امكانيات الاسرة المادية ويمكن ان يكون الريوك مكون من الكاهي اوالباقلاء في الدهن مع البيض المقلي او التشريب او الخميعة وهو ثريد الخبز في الحليب مع الشكر والدهن الحر وهذا ينتشر في القرى ,كما يمكن ان يكون الخبز مع الحليب والشاي فقط , والشاي هو المشروب الوطني العراقي الذي لا يضاهيه مشروب اخر في حياة العراقيين فهو مشروبهم في الشتاء والصيف في الشتاء يقولون أنه يدفيء وفي الصيف يقولون أنه ينعش والله اعلم . المرأة العراقية كانت في السبعينيات (وخصوصا ربات البيوت وليس الموظفات) تلبس عباءة سوداء تخرج يديها من فتحتين في جانبي العباءة وترتدي نفس ملابس البيت اي الدشداشة والنعال البلاستيك وتخرج للسوق واغلب النساء ترتدي الفوطة وهي قطعة من قماش اسود تلفها على راسها وقد تكون بيضاء اذا كانت كبيرة السن او حجية اي ذهبت للحج وكان لا يطلق لقب حجي ألا على من ذهب للحج وليس كما هو اليوم حيث يطلق على كل من وخط الشيب رأسه .( يتبع)

أحدث المقالات