من الملاحظ أن ظاهرة مسخ التراث بتحديات العصرنة، ما انفكت تترك آثارها السلبية على هوية التراث، بتسفيه العادات،والتقاليد الحميدة،وذلك من خلال هيمنة تيارها الجارف بأدواته المعاصرة، لاسيما بعد أن فتح الفضاء المعلوماتي بقنواته الفضائية، وشبكة الإنترنت، والهاتف النقال، الباب على مصراعيه، ليؤسس لثقافة جديدة، وعادات جديدة، ومصطلحات جديدة غير مألوفة، باتت محل تداول عام، سيكون لها بالطبع أثر كبير على تغيير سلوك الجيل، الذي بدأنا نلمس جنوحه صوب الانسلاخ التدريجي من سيطرة البيت،والتفلت من ضوابط المجتمع بشكل واضح، والانزياح في نفس الوقت خارج حدود فضاءات سيطرة الأب والأم، بمسارات غريبة عن المألوف من الموروث الاجتماعي، حيث تفاقمت فجوة الجيل مع غزو العصرنة بشكل مقلق، يهدد بتفكك قيمي واجتماعي، يقود إلى الضياع والاستلاب المحقق مستقبلاً ، مما يؤدي بالمحصلة إلى مسخ الهوية، وقطع التواصل الحركي مع التراث.
فعلى سبيل المثال لا الحصر،خفت وهج التعاطي مع القهوة العربية في واقعنا الراهن،واضمحلت مجالس السمر في الدواوين، وشاع هوس البعض بثقافة العصرنة،وساد التبجح بمعطيات الحداثة،واندثرت روحية الفزعة، وأوشكت الربابة الالة الموسيقية التراثية بما هي موروث شعبي عريق على الانقراض تماما، حيث كانت حتى فترة تمتد الى بداية الستينات من القرن الماضي حاضرة بشكل بائن في الغناء الشعبي الريفي،وخاصة عند اداء العتابة،اذ اضفت عليها طابعا مؤثرا بنغمها الحزين، الذي غالبا ما يحرك العواطف الشعبية،ويثير الاشجان،فكانت علامة فارقة في مسيرة التراث الغنائي الشعبي،الى غير ذلك من التداعيات التي يطول سردها في هذا المجال.
لذلك باتت حماية التراث الشعبي الريفي، وتتبع اثاره، والمحافظة على ما تبقى منه،مسؤولية كل من يعنيه امر الحفاظ على التراث،من اعمدة القوم،والكتاب، والمفكرين، والمربين،وغيرهم، وذلك من خلال المسارعة الى تدوينه،وتوثيق ما تبقى من آثاره ،وتشجيع الجيل على استلهام ملامحه المتاحة، قبل ان تأتي عليه عوادي الزمن،وتداهمه ايقاعات التغيير، بفعل عوامل ومتغيرات الحداثة، وتحديات العصرنة، وأعاصير العولمة الجارفة،بما تمتلكه من عناصر تأثير فعالة تهدده بالإقصاء عاجلا ام اجلا.