الصمت ام الكلام… ايهما اكثر ضرورة وجدوى في هذا الزمن العراقي الكالح؟ سؤال مطروح بيننا نحن العراقيين وفي اعماق ذواتنا في لحظات مواجهة الغير ومواجهة النفس…
الكلام: مؤلم قتال ان هو شوه الواقع ولفع الحقائق ببراقع الزيف وقدم لمن يعنيهم الكلام انواعاً من الرياء والمداهنة والغش، تصور الواقع بغير ما هو عليه من صور.
في الكلام النابع عن علم والقاصد وجه الحق خير، وعلى الانسان القادر عليه ان يقوله، وعلى الذين يعنيهم الكلام ويتوجب عليهم ايجاد تفسير له ان يقدموا حسن النية عند الفهم والتفسير على سوء النية، وان يوطنوا النفس ويعودها على قبول كلام مر قبل ان يتجرع الانسان منا كؤوس المر بالجملة.
الصمت: مؤلم قتال في هذا الزمن العراقي الكالح وقد يكون البيئة الملائمة لنمو الفتنة. ربما حمل الصمت جنبا وربما حمل كرامة وربما اراح اصحابه من سوء فهم او سوء تفسير من يعنيهم الكلام او من يجدون انفسهم على كره منهم او على رغبة بمواجهة استخلاص تفسير لكلام يرضي او يحقق لاصحاب التفسير غاية. ولكن الصمت عن قول الحق جريمة والحق قد لا يكون دائماً مع المتكلمين.
قد يقدم الصمت لصاحبه نجاة مؤقتة وربما قدم سلامة ذاتية ولكن الانسان ابن مجتمعه وينبغي ان ينظر الى مجمل حياته كفرد في الجماعة عبر مراحل العيش الطويلة في بيئته وينبغي ان تفرض عليك تلك الحقيقة قولاً ما يحرص على ان ينشد فيه وجه الحق.
الصمت موقف مدان على اي مستوى وسط فيه ينمو الشك وتكبر الفتنة. تخفي في ظله الحقائق او تتخفى، ويدفع زوابع الظنون الى مداها يصبح ساعة الزمن الموبوء وميقاته وقدماً تتخطى العتبة الى الفتنة ولا يتم ايضاح ولا وضوح تظطرب الخطا وتلتف الساق بالساق في طريق يفضي الى الهلاك عبر العتمة.
والصمت بعد كل شيء وقبل كل شيء موقف يحمل معنى التواطؤ او يشجع عليه وهو بنظري موقف مرفوض في هذا الوقت اكثر من اي وقت آخر لانه لا يغدو السكين التي تقطع لسان الحقيقة فقط وانما السكين التي تحز عنق الوطن.
الصمت موقف، وموقف مدان ومرفوض، من هذا المنطق اتابع اليوم حديث الامس مؤكداً ان حمل الكلام على غير محامله فتنة وتجرع مرارة الكلام اهون على المسؤول من تجرع مرارة الفتنة.
ولا ادعي لنفسي امتلاك ناصية الحقيقة ولكنني ازعم بانني مجتهد مخلص على طريقها يدفعني الى بلوغ غايتي حرص على انتمائي لانسانيتي وشعبي وحرص يضاهيه على ما يمثله هذا العراق بالنسبة للعروبة والاسلام عبر التاريخ.
نحن في الزمن العراقي الكالح وعلى عتبة الفتنة ولا يقيناً شر الدخول فيها الا الخروج بممارستنا وتوجيهاتنا الفكرية عما يصنعها واذا كان المتطرفين والمتعصبين يشعلون النيران فان هناك من يزودها بالوقود او يجعلنا وقوداً لها عن قصد او عن غير قصد.
نحن على عتبة زمن عراقي موبوء كالح … جهدت قوى متنوعة المشارب خارجية وداخلية لايصالنا اليه وتجهد الآن لتدفعنا الى الدخول فيه. ولا يكفي ابداً ان نتكلم جميعا عن دور تلك القوى في دفعنا الى الفتنة فقد ينفعنا ذلك ولكنه لن يجنبنا نارها.
ان الذي يوقينا شر الفتنة هو ادراكنا العميق لاننا نحن الذين نضعها او نوقفها بممارساتنا اليومية بتعاملنا باخلاقنا باساليب تواصلنا وتفاهمنا وادراكنا المترجم عملاً لدور الاعداء الداخليين والخارجيين في صنع الفتنة ولاهدافهم ينبغي ان يعكس على الواقع بشكل ايجابي ويغيره وينبغي ان ندرك بان الواقع لن يتغير مالم نتغير نحن باتجاه الافضل.
لست هنا بحاجة الى التأكيد على ضرورة اتخاذ الاجراءات الصارمة بحق مثيري الشغب ومرتكبي الجرائم والمجازر الدموية.. فهذا امر تمليه ابسط الواجبات على المسؤولين في كل مستويات المسؤولية ويؤيده المواطنون بوعي وحزم ويكونون دوماً وراء اتخاذ خطوات سليمة وحاسمة ترمي الى ضغط الامن وحياة الناس. ولكنني بصدد تلمس جذور ظواهر مرضية استشرت حتى صارت داء يسهل عمل وانتشار افدح داء يقضي على الاوطان والشعوب وتلمس جذور مشاكل ومواقف تبحث عن غموض او سببت غموضا وممارسات مدانة يمكن ان تكون وقود الفتنة ومساعداً قوياً لمثيري الفتن في الوصول الى غاياتهم.
نحن على عتبة زمن موبوء، كالح، وربما كانت ممارساتنا المغلوطة وسكوتنا عن الاخطاء واعتياد الجو غير الطبيعي كل ذلك يجعل منا مكونات ملائمة لوسط صالح لنمو الفتنة.
واجدني وانا في ختام كلامي، التذكير ببديهيات نسبية لا بد من ذكرها: نحن في دولة نص دستورها على دينها الاسلامي ولم تتنكر له ولا يجوز لكائن من كان ان يجرد فرداً من مذهبه او معتقده ويلبسه لبوساً لا يرضاه فيخرجه عن حظيرة الدين ليتهمه باسم الدين مدعيا بانه احرص منه عليه ولو الوصاية على الاخرين انطلاقا منه وبسببه، فالله لم يعط هذه الوكالة لاحد وانما ربط ذلك به وحده.
الدين لله، والدين واضح صريح الاهداف والوسائل، شريف الغايات، نبيل المرامي يحفظ حياة الانسان وكرامته وامنه وحقوقه ويرتب عليه واجبات. وقد بلغ الاسلام ذروة في الحفاظ على الحياة الاجتماعية وحياة الفرد في الجماعة حين وضع قاعدة نصت على انه (من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعاً).
ليس الاسلام دين تعصب ولا هو التعصب وانما هو السماحة والخلق القويم ومكارم الاخلاق. والدعوة اليه دعوة علانية واضحة تبدأ بالكلمة ولا يجري الاحتكام الى السيف بله الى خنجر الغدر والاغتيال في شرعة الا بعد فشل الاقناع والمنطق وبعد الشروع في الاعتداء على مقدساته وحرماته واصوله بما يهدد وجوده. ومن لا يدعو الى ما يريد ولا يملك الاقناع والحجة الدافعة هو: اما خجل من دعوته او غير مقتنع بها او ضعيف عاجز ومن لا يعلن عما يريد من دعوة يرى فيها الحق ليس من الاسلام في شيء والاغتيال بعيد عن روح الاسلام بعد الاسلام عن الاجرام.
[email protected]