كثيرة هي أمنيات العراقيين …. الا انه لن يكون المطر إحداها…لاسيما بعد تكرار هجومه على العراقيين, فبعد إنفاق مليارات الدولارات على شبكة تصريف مياه الأمطار ….و بعد أول دفعة من النعمة الإلهية المنتظرة و انهمار الأمطار, اكتشف العراقيون إنها و كما يقال “المطر خير” ….ليس بمياهها انما باكتشافاتها, فقد علم العراقيون أن جميع هذه الأموال التي خصصت من اجل هذا اليوم انجرفت مع مياه الأمطار ….فذهب المال و بقيت مياه الأمطار لتعلن انتصارها.
وأسفاه…لقد سقطت المقولة القديمة “المطر خير” كسقوط النظام الملكي رميا بالرصاص عام 1958, و أصبحت مشمولة بقانون الاجتثاث, وحل بدلها الشعار الجديد “المطر شر”. فالمواطن العراقي لن يراه بغير هذه الصورة, فلو لم يكن شريرا لما اغرق الشوارع و يتجاوز حرمة البيوت , و السياسي العراقي يتفق مع ما ذهبت إليه اتجاهات الرأي العام في تقييم المطر بعدما تسببت بإزالة ألوانه الشفافة و شهرت به أمام الجمهور.
لطالما كان المسؤول العراقي متوقعا و متهيئا لهذه الأمطار اللعينة, برصد سيارات سحب المياه لتجفيفها … و عبر التصريحات المخدِرة المزوَّدة بمادة الباراسيتول المخفف للأوجاع. لكن هذه المرة كانت الأمطار مباغة, إذ خرجت على اتفاق اربيل المبرم مع قادة الكتل, فتجاوزت مستوى أمواج تسونامي المحطم لمفاعل اليابان النووي , مسببا إصابة بالغة في موضوع تحت الحزام, أولا لتخطيها كاسر الأمواج المتكون من كلمات المسؤولين التي هي ليست كالكلمات …وعودا,بشائر, تحقيق الأحلام …ثانيا عدم إمكانية سير مركبات الدفع الرباعي مما دفع به إلى إعلان اليوم التالي لهطول الأمطار الأربعاء 26/12/2012 عطلة رسمية .
انه اليوم المعلن فيه رسميا هزيمة الحكومة من اضعف أعداء العراق الجدد ….المطر, يضاف اليه يوما جديدا 28 / 1 / 2013 الذي اكد المطر سخريته من العراق, يومان تاريخيان قابلان لتسميتهما أكثر من عنوان ….يوما المطر العراقي…..يوما ضياع الأموال العراقية….. يوما غسل الأصباغ السياسية.
إلا أن المطر اصدر تصريحا مع نزول الدفعة الثانية من الامطار, و قد ظن العراقيون انه خطابا سياسيا, إلا انه عبر عن استغرابه ردة فعل العراقيين مبينا بان المياه التي حملتها الأمطار كانت محبوسة منذ 30 عاما, و أنه اخذ يؤجل سقوطها منذ خمس سنوات منتظرا إكمال مجاري الأمطار, حتى بلغت نقطة عدم التحمل, عندها كان ما كان, و أن معدلها لم يكن مرتفعا درجة الانهيار, ثم أنكم أيها العراقيون لم تتفقوا يوما فيما بينكم على مشترك ما …الم يكن لي الفضل في إيجاد هذا المشترك و هو كراهية المطر؟ و لو أني كنت منتميا إلى احدي الكتل السياسية لما دار الحديث حولي هكذا. و انه إذا ما كان من احد يُلام فان لن يكون غير المسؤول العراقي صاحب القرار, و أخيرا و عطفا بالعراقيين,فقد أوصى المطر السلطات المسؤولة الاستمرار في عدم توفير الطاقة الكهربائية كون الماء موصولا عالي القدرة له, و أن توفير الكهربائية بطاقة كاملة مع سقوط أمطار مغرقة للمدن يؤدي إلى صعق المواطن كهربائيا….و ختاما ايها العراقيون …اقول لكم, و من خلال خبرتي انكم ستعتادون فيضان الشوارع و هدم البيوت كما اعتدت الارهاب و الفساد.
هل أن المطر شكل تحالفا مع القوى الإرهابية ضد العراقيين؟ …تساؤلا يطرحه العراقي و هل أن الحكومة ستصنفه ضمن المجاميع الإرهابية ؟….و يتساءل العراقي و يالكثرتها…هل أن مشكلتنا في المطر؟….إلا انه يتذكر أن الأمطار متواجدة في كل مكان من العالم دون أن يسبب مشكلة…ثم تذكر صلاة تؤدى عندما ينحسر المطر للتعجيل في هطوله, تدعى صلاة الاستسقاء و أن عزت الدوري نائب الرئيس للنظام السابق أوكلت إليه هذه الصلاة, فهل هناك صلاة الجفاف توقف المطر توكل إلى احد نائبي رئيس الجمهورية الحالي لتكون الحل لمشكلة المطر؟ و يبقى يتساءل ثم يتساءل ثم يتساءل …..و أخيرا يصرخ …إني تائِه …و يسأل كم عاما استمر تِيه بني إسرائيل؟
وقد تذكر العراقي أثناء هذه الأمطار …أن مجلس النواب أعلن أن الموازنة الاتحادية لهذا العام تتجاوز الـ 100 مليار دولارا , عندها اشتد خوفه من الحكومة و ما ينتج عنها من أمطار جديدة , فقد قرأ العراقي قصة….. ان احد المؤمنين استأجر محلا من احد الملاك للعمل به, ففرح الأخير كونه سيؤجر إلى شخص أمينا مريحا مسالما و موضع ثقة. سلم المحل للمؤمن مطمئنا له و ما شجعه على ذلك تزكية المقربين إليه من انه إضافة إلى التزامه الإيماني فان مؤذنا في مسجدين, مشترطا عليه على أن يعيد تسليم المحل إليه حين الحاجة , فوافق المؤمن على ذلك . و بعد مدة احتاج المالك لمحله, وطلب من المؤمن إخلاء المحل و تسليمه حسب الاتفاق, فرفض المؤمن ذلك معلنا انه لن يسلمه المحل و ليكن ما يكن, و بعد مدة توقف المالك من المطالبة بتسليم محله, عندما سأل عن سبب التوقف…أجاب إن المؤمن رفض الالتزام بالاتفاق رغم انه مؤذنا في مسجدين فكيف سيلتزم بالاتفاق و قد بدأ اليوم يؤذن في مسجد ثلاث.فإذا كانت السلطات العراقية لم تلتزم بعهودها بموازنة تقل عن 100 مليار فكيف سيكون هذا التزام بعد تجاوز الموازنة 100 مليار دولارا.
سقط المطر فسقطت معه البلديات العامة الخدمية ….ثم ستنتشر الأمراض فتتهاوى الجثث و تسقط معها وزارة الصحة ….ثم تتداول الأطعمة الملوثة فتسقط وزارة التجارة …سقوط …سقوط….سقوط وزارة تلو أخرى, لكن لن يسقط الوزير و لا رئيسه لان في العراق تسقط المؤسسات و يبقى الأشخاص.
ليتك أفلاطون كنت موجودا وشهدت بغداد في يومها التاريخي 26/12/2012 لمزقت مؤلفك “الجمهورية”, ليتك شكسبير ولدت في العراق وعشت هذا اليوم التاريخي, لهزأت بكتاباتك و لرميت قصة “هاملت و روميو و جوليت و عطيل “, لرميتها جميعها و أنتجت ماهو ابعد منها ,و ليتكِ أم كلثوم متواجدة لمشاهدة بغداد في يومها التاريخي لندمتي على أغنيتك “بغداد ياقلعة الاسودي”. ثم لاتفقتم جميعكم على إنتاج مؤلفا مشتركا اسمه مطر…مطر …مطر…وداعا بغداد …وداعا عراق.