الى الله أشكو من معشر يعيشون جهال , ويموتون ضلالا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب أذا تلي حق تلاوته | ألامام علي
مفاهيم قرأنية : هي سياحة فكرية في مضامين قرأنية تختزن مفاهيم للحياة والكون وألاجتماع البشري المكون من أفراد تتعدد فيهم ألامزجة وتتباين فيهم ألاذواق وتختلف عندهم ألاراء , أما تباين ألاذواق فلا نخاف منها عندما ترتبط بالطعام واللباس , وأما تعدد ألامزجة فهو موضع ريبة يجب المبادرة لدراستها ووضع الحلول المناسبة للتنشئة منذ الصغر حتى لاتتحول الى حواجز وموانع أمام حركة العقل .
وأما أختلاف ألاراء فهو ناقوس الخطر في الحياة ألانسانية , وعلينا التفريق بين ألاختلاف في ألاراء تجاه مسائل الحكم وألاجتماع من حيث التنظيم وألاخراج فهو مقبول في هذه الحدود , ولكنه غير مقبول عندما يتحول الى خلاف في العقيدة , وهذا النوع من الخلاف هو المنهي عنه قال تعالى ” ولا تكونوا كالذين تفرقوا وأختلفوا من بعد ماجاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ” وقال تعالى ” كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما أختلفوا فيه وما أختلف فيه ألا الذين أوتوه من بعد ماجاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين أمنوا لما أختلفوا فيه من الحق بأذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ” – 213- البقرة –
ومفاهيم القرأن الكريم كثيرة كما سنرى في هذه الحلقات أن شاء الله تعالى , مثل مفهوم كل من :-
الحياة
العلم
القدرة
السمع
البصر
والكلام
وألارادة
الرضا
الغضب
الخلق وألامر
فعندما نسمع بهذه المفاهيم نعطيها المعنى المادي , وكذلك أذا سمعنا ألفاظ كل من :-
السماء
وألارض
اللوح
القلم
العرش
الكرسي
الملائكة وأجنحتها
الشيطان وقبيله وخيله ورجله , كان المتبادر منها الى أفهامنا مصاديقها الطبيعية .
وأذا سمعنا سمعنا أن الله خلق العالم , وفعل كذا , وعلم كذا وأراد أو يريد أو شاء أو يشاء , قيدنا الفعل بالزمان , لآننا نعيش ظواهر ألامور من خلال الزمان .
وأذا سمعنا قوله تعالى ” ولدينا مزيد ” وقوله ” لآتخذنا من لدنا ” وقوله تعالى ” وماعند الله خير ” وقوله ” اليه ترجعون ” قيدنا المعنى بالمكان .
وأذا سمعنا قوله تعالى ” أذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ” أو قوله ” ونريد أن نمن ” أو قوله ” يريد الله بكم اليسر ” فهمنا من ذلك أن الجميع سنخ واحد من ألارادة , لآننا نفهم ألامور هكذا في جميع ألالفاظ المستعملة , ولآن الحاجة ألاجتماعية في الفهم والتفهيم تستوجب ذلك في ألافعال المتعلقة بالمادة , وهذه ألافعال نريد منها غايات وأغراض عائدة لنا .
ولكن فاتنا ونحن في لحظة ألانشغال : أن المسميات المادية محكومة بالتغير والتبدل , فمثلا : السراج بدأ بفتيلة توضع في أناء وشيئ من الدهن ويومها كان هذا فتحا في تاريخ البشرية , ثم تطور هذا ألاستعمال الى الى السراج الكهربائي , ولم يبق من أجزاء السراج ألا لفظ السراج , ومايقال عن السراج يقال عن الميزان , وكذلك عن السلاح الذي تطور وتغير كثيرا بحيث لم يبق من أجزائه ألا لفظ السلاح , كل ذلك حدث ويحدث لآننا نريد من الشيئ غايته لاشكله وصورته .
ومن هنا كان يجب علينا ألانتباه الى أن المراد من ألاسم أشتمال المصداق على الغاية والغرض لاجمود اللفظ على صورة واحدة , وهذا هو الذي دعا المقلدين من أصحاب الحديث مثل : الحشوية , والمجسمة , أن يجمدوا على ظواهر ألايات في التفسير , وهذا النوع من الجمود ليس جمودا على الظواهر , بل هو جمود على العادة ” هذا ماوجدنا عليه أبائنا ” .
ولقد ظهر أن الجمود على العادة في فهم معاني ألايات يشوش المقاصد , ويختل به أمر فهم قوله تعالى ” ليس كمثله شيئ ” وقوله ” لاتدركه ألابصار وهو يدرك ألابصار وهو اللطيف الخبير ” وقوله ” سبحان الله عما يصفون ” .
ومن هنا تمسك ألانسان بذيل البحث العلمي وأجاز ذلك الفهم أن يتدخل في فهم حقائق القرأن وتشخيص مقاصده العالية , وأتبع في ذلك طريقين هما :-
<!–[if !supportLists]–>1- <!–[endif]–> البحث العلمي والفلسفي في المسائل التي تتعرض لها ألاية وهذا مايطابق البحث النظري , ولكن القرأن لايرتضي هذا الطريق .
<!–[if !supportLists]–>2- <!–[endif]–> أن نفسر القرأن بالقرأن ونستوضح معنى ألاية من نظيراتها بالتدبر ” أفلا يتدبرون القرأن أم على قلوب أقفالها ” وكما قال تعالى ” أنا أنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ ” وقال تعالى ” هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ” وقال تعالى ” أنا أنزلنا اليكم نورا مبينا ” وكيف يكون القرأن هدى وتبيان ونورا وفرقانا مبينا للناس فيما يحتاجونه ولايكفيهم في أحتياجهم اليه والى ذلك قال تعالى ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ” وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتاب الله , وأي سبيل أهدى اليه من القرأن , ولذلك نرى أدعياء الجهاد اليوم تحولوا الى أرهابيين لآنهم لم يبذلوا جهدا في فهم القرأن ومن هذا الصنف حذرنا رسول الله “ص” لاأخاف على أمتي من مؤمنها ولا من كافرها ولكن من الذين هم بين بين ” ومن هذا الصنف أشتكى ألامام علي بن أبي طالب عندما قال : ” الى الله أشكو من معشر يعيشون جهالا ويموتون ضلالا ” .
والنبي “ص” هو الذي علمه الله القرأن وجعله معلما لكتابه في قوله تعالى ” نزل به الروح ألامين على قلبك ” وقوله ” وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس مانزل اليهم ” وقوله ” يتلو عليهم أياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ” ومع كل هذا الوضوح وجدنا اليوم من جهال الناس من يقول : أن رسول الله “ص” لم يفسر القرأن بل فسره عبد الله بن عباس , وسنوضح ذلك في الحلقات القادمة أن شاء الله في مفهوم التفسير , ومن حرص رسول الله “ص” على ضرورة وصول التفسير الصحيح للناس فأنه حرص على أقامة عترته من أهل بيته عليهم السلام وذلك بأمر من الله تعالى وذلك في الحديث المتفق عليه بين الفريقين ” أني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ” كتاب الله وعترتي أهل بيتي ” أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ” وذلك بناء على قوله تعالى ” أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” وقوله تعالى ” أنه لقرأن كريم في كتاب مكنون لايمسه ألا المطهرون ”
وعندما نكتب عن مفاهيم القرأن في هذا العصر الذي نعيشه وهذه ألايام التي نواجه بها عواصف ألارهاب وموجات الضلالة وألانحراف , أنما نريد أن نعيش عصرنا ونتفاعل مع مجتمعنا من خلال ما أراده لنا سيد البشرية خاتم ألانبياء والمرسلين عندما أوصانا وقال :-
” فأذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم , فعليكم بالقرأن , فأنه شافع مشفع وماحل مصدق , من جعله أمامه قاده الى الجنة , ومن جعله خلفه ساقه الى النار , وهو الدليل يدل على خير سبيل , وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل , وهو الفصل ليس بالهزل , وله ظهر وبطن , فظاهره حكمة وباطنه علم , , ظاهره أنيق وباطنه عميق , له نجوم وعلى نجومه نجوم , لاتحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه , فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة , ودليل على المعروف لمن عرف النصفة , فليرع رجل بصره , وليبلغ الصفة نظره ينجو من عطب ويخلص من نشب , فأن التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور , يحسن التخلص ويقل التربص ” – الميزان في تفسير القرأن – ج1 ص 10- السيد العلامة الفيلسوف محمد حسين الطباطبائي
ومن علامات الفتن وأسبابها هو تصدي الحكم من غير المؤهلين من الذين كانوا سببا في ظهور مايعرف اليوم بتنظيم القاعدة الوهابي التكفيري والى ذلك أشار ألامام علي حيث قال :-
” أن أبغض الخلائق الى الله رجلان : –
<!–[if !supportLists]–>1- <!–[endif]–> رجل وكله الله الى نفسه : فهو : جائر عن قصد السبيل , مشغوف بكلام ” بدعة ” ؟ …. ودعاء ضلالة , فهو فتنة لمن أفتتن به ضال عن هدى من كان قبله , مضل لمن أقتدى به في حياته وبعد وفاته , حما خطايا غيره , رهن بخطيئته ” وهذا ماينطبق حصرا اليوم على من يدعو للآرهاب والتكفير ومن يحرض عليه ومن يتبعه ” .
<!–[if !supportLists]–>2- <!–[endif]–> ورجل قمش جهلا موضع في جهال ألامة , عاد في أغباش الفتنة , عم بما في عقد الهدنة , قد سماه أشباه الناس عالما وليس به , بكر فأستكثر من جمع , ماقل منه خير مما كثر , حتى أرتوى من ماء أجن , وأكتنز من غير طائل ” وهذا ماتطالعنا به هذه ألايام من تسمية بعض ألاميين فكريا بالمفكر , ومن يعيش في عصور الماضي المتخلف يسمونه مجددا , ومن لايعرف من الحداثة ألا أسمها يسمونه ” حداثويا ” , جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما ألتبس على غيره , فأن نزلت به أحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه ثم قطع به فهو في لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لايدري أصاب أم أخطأ , فأن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ , وأن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب , جاهل خباط جهالات , عاش ركاب عشوات , لم يعض على العلم بضرس قاطع , يذري الروايات أذراء الريح الهشيم ” ومن أمثال هؤلاء اليوم من يفتي بجواز نكاح الرجل زوجته الميتة ” ومن يجوز مداعبة الدمية ” ومن يحرم أقتناء الموز والخيار في البيت خوفا من الآستعمالات الجنسية ” ؟ ومن لايجوز مشي البنت أما والدها بدون حجاب ” ؟ ومن يقول بجواز حمل النبي للخمر من أجل البيع والربح ” ؟ ثم يضيف ألامام علي عليه السلام في وصف المستوى الثاني من الرجال الذين هم من أبغض الخلائق الى الله وهم صنف الجهال حيث يقول : لاملي والله بأصدار ماورد عليه , ولا هو أهل لما فوض اليه , لايحسب العلم في شيئ مما أنكره , ولا يرى أن من وراء مابلغ مذهبا لغيره , وأن أظلم عليه أمر أكتتم به , لما يعلم من جهل نفسه , تصرخ من جور قضائه الدماء , وتعج منه المواريث , الى الله أشكو من معشر يعيشون جهالا ويموتون ضلالا , ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب أذا تلي حق تلاوته , ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب أذا حرف عن مواضعه , ولا عندهم أنكر من المعروف , ولا أعرف من المنكر – نهج البلاغة ج1 ص 53-
وهذا الصنف من الناس هو مايكثر اليوم نتيجة كثرة وسائل الضلالة وشيوع كلمات ألاباحية وسلوكها المغطى زورا بكلمات الفن وماهو بفن , يؤازرها شيوع الفساد عبر مؤسسات الدول والحكومات الرشوة بأسم ” العمولة ” والنفاق بأسم ” المخبر السري , والتشهير والتسقيط بأسم ” الفذلكة ألاعلامية ” وكشف أسرار الناس بأسم ” التقرير الصحفي ”
والرجوع الى مفاهيم القرأن هو مشروع معرفي يتعرف على المنهج ألاستقرائي عبر مراحل ألانتزاع التي تنصف جهود الفلاسفة والمفكرين وتأخد منهم أحسن ماقدموا لتضيفه الى أنجازات المفكرين والمحققين من الذين قالوا ربنا الله ثم أستقاموا على قاعدة ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ” . والى الجزء الثاني من هذه الدراسة أن شاء الله .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]