من مآزق السياسة العراقية بعد عام 2003 أنها تُدار من قِبل شخصيات غريبة التكوين , فمنها من هو بلا جذور وطنية وقد هبط على البلد من حيث لا يعرف أحد , ومنها من نشأ في بيئة ملوثة سياسياً لا تولي اهتماما إلا للغنيمة وتستهين بقيم الإخلاص والطهارة السياسية , و في ظني أن السيدين ابراهيم الجعفري وماجد علي سليمان نموذجان مثاليان لهذا الواقع ؛ فالأول جيء به حاملا جنسيته البريطانية وتاريخه المشبوه ليتسلم الموقع الأول في السلطة ويقود البلد بنفَس طائفي موتور وعقل مستقيل فوضعها على مشارف حرب أهلية لولا أن التوافق الايراني – الأميركي تدارك الوضع وأطاح به , ناهيك عن كونه بطل أول جريمة رشوة حدثت في النظام الجديد تقاسمها مع وزيره للاتصالات آنذاك حيدر العبادي وحملت وزرها شركة ” عراقنا ” التابعة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس , وبدلاً من وضع الجعفري خلف القضبان بتهم الخيانة العظمى والتفريط بسلامة وأمن الوطن , ركلوه إلى الأعلى رئيساً للائتلاف الوطني وشريكاً في صنع القرار السياسي متمتعاً بقصر منيف و نصف مليون دولار راتباً شهريا فضلا عن احتفاظه بكل امتيازات رئيس الوزراء , ولم يتوقف أحد ليسأل عن الأهلية السياسية والأخلاقية والوزن الشعبي لرجل نبذه الشيعة قبل الشعب العراقي بدليل فشله الفاضح في انتخابات 2010 النيابية .
ورد في الأرشيف السري للمخابرات البريطانية عن شهر أيار عام 1922 تقرير رقم 9 في المقطع 263 ( أن الشيخ علي سليمان الدليمي ومعه أربعون رئيس عشيرة آخرون , ذكّروا الملك فيصل ومن دون خجل , بأنهم أقسموا على الولاء له بشرط أن يقبل بالتوجيهات البريطانية ! ) في رحم الولاء للأجنبي تفتح الوعي السياسي للشيخ ماجد عبد الرزاق سليمان حفيد الشيخ علي , ولئن دأب هو وابن شقيقه الذي ينافسه على لقب ” أمير الدليم ” على تجاهل كل منهما لاسم والده وإلحاق اسمه بالجد , فتذكير متواصل لحكام السعودية بعلاقة قديمة بين طرفين أولهما يجود بالعطايا وثانيهما يسمع ويطيع !
كان الشيخ ماجد في مطلع ثمانينات القرن الماضي موظفاً حكومياً يعمل بمكتب الخطوط الجوية العراقية في العاصمة اليونانية ” أثينا ” , ثم أكمل حقبة الحرب العراقية – الايرانية في ديوان وزارة النقل , وبعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق في التسعينات تلاشت قيمة الراتب الحكومي فاستقال من عمله وعاد إلى مسقط رأسه لينشغل بمقايضة تجارية مع السعودية استندت إلى تهريب الويسكي مقابل شاحنات نقل صغيرة , ولم تكن عملية كهذه لتفلت من رصد المخابرات العامة العراقية التي اكتشفت أن ما يحدث قد تجاوز تجارة التهريب ليتمادى إلى تسريب معلومات ومحاولة تجنيد رؤساء عشائر ضد الدولة , وفيما يبدو أن الشيخ ماجد قد أحس بعيون المخابرات العراقية تلاحقه وتسجل عليه أنفاسه , ففرّ إلى العاصمة الأردنية عمّان ليعزز معلومات المخابرات بانضمامه إلى المشروع السعودي المسمى بحركة الوفاق التي يديرها السيد إياد علاوي , و مكث هناك متنقلا بين مقاهي حي ” الجاردنز” حتى دخل الأنبار دخول الفاتحين رفقة قوات الغزو الأميركي عام 2003 مستعيداً سيرة جدّه مع قوات الاحتلال البريطاني , فكان طبيعياً أن يصبح على الفور هدفاً مشروعاً للمقاومة الوطنية العراقية التي فجّرت ديوانه أكثر من مرة , ففر ثانية إلى عمان وافتتح مقراً أسماه ” البيت العراقي ” الذي كان أيضاً برعاية وتمويل إياد علاوي , ولكن العلاقة بين الرجلين سرعان ما تصدّعت بسبب تبرّم هذا الأخير من ضخامة مصاريف ” البيت العراقي ” , وكذلك أقنع الشيخ ماجد رجال أعمال عراقيين وشيوخ عشائر مقيمين في الأردن بتمويل مقرّ آخر أسماه ” مجلس شيوخ وأعيان العراق ” وعيّن نفسه رئيساً له , وتحت هذا العنوان الجاذب راح يتصل بفعاليات اقتصادية وبمسؤولين سياسيين في دول الخليج العربي , وقد حصد باسم هذا المجلس منافع غير قليلة , فعلى سبيل المثال منحه رجل الأعمال الكويتي عبد العزيز البابطين مبلغ خمسين ألف دينار , وكذلك فعل الوزير الكويتي أحمد الفهد ثم شيوخ دولة الإمارات ومدير المخابرات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز , بيد أن فرصة الشيخ ماجد لاحت عندما بدأ نوري المالكي برؤيته الطائفية للسياسة العراقية يبحث عن حلفاء في المحافظات الغربية والشمالية , فاستمات من أجل الوصول إليه وجنّد في سبيل ذلك كل علاقاته , وببريق أوهام لقب ” أمير الدليم ” و تحت ضغط العزلة السياسية استدعاه المالكي الذي لم يتعظ من تجربة تحالفه السيئة مع ابن شقيقه الشيخ علي , فأخذ منه مواثيق الولاء و منحه مقابلها على الفور مبلغ نصف مليون دولار , وعدة سيارات مصفحة , ومنزلا فخماً في حيّ الحارثية ببغداد ! ولقد كان غريباً بعد تجربة المالكي السيئة مع الشيخ علي أن يعاود الكرّة مع ” أمير ” آخر للدليم , والأكثر غرابة ألا يتحقق عن ماهية هذه الإمارة وقوتها وحدود نفوذها برغم أن أميريها فشلا معاً في كسب ثقة أهل الأنبار خلال الانتخابات النيابية الأخيرة ؛ ومن المشاهد الساخرة في هذه القصة أن ” أمير الدليم ” الشيخ علي حاتم كان قد أهدى المالكي في لحظة إبرام تحالفهما سيفاً من الذهب الخالص عربوناً للولاء , وإذا به عند أول منعطف يهدد حليفه القديم بالكفاح المسلح وذلك تملقاً منه لانتفاضة أهل الأنبار ومحاولة من مفلس لتعزيز رصيده الشعبي ! ومع ذلك فلا زال المالكي يشتري بضاعة زائفة اسمها نفوذ الشيخ ماجد الذي راح يجول على السادة عمار الحكيم وعادل عبد المهدي وبقية الرموز الطائفية الشيعية التي لا تعرف شيئاً عن العراق , ليسوّق عليهم مزاعم نفوذه في الأنبار وليبيعهم الوهم الذي سبق للمالكي أن اشتراه !
…………………………..
يقبع نوري المالكي اليوم في عزلة يحوك بصمت كالعنكبوت خطط مواجهة الاحتمالات القادمة وتداعيات الأزمة الخانقة المطبقة على النظام السياسي برمته , ولما كانت سياسة المالكي تستند على رجال من شاكلة ابراهيم الجعفري وماجد عبد الرزاق سليمان , فإن مصيرها يتراءى في آية يقول فيها تعالى : ” مَثلُ الذين اتخذوا من دونِ الله أولياءَ كمَثلِ العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهنَ البيوتِ لبيتُ العنكبوتِ لو كانوا يعلمون ” .