مضت الأيام الصعبة المليئة بالتشنج وعدم التفاهم في مرحلة ما بعد الإنتخابات بالنسبة الذين رفضوا الجدال العقيم وإضاعة الوقت في كلام لا طائل من ورائه. وبدأت الأيام الصعبة للذين إنشغلوا بالتراشق الكلامي الذي بلغ ذروة عالية على الفضائيات التي تبحث عن الإثارة، ورددوا عبارات يخجل الإنسان من تكرارها، وإرادوا إشغال الآخرين بمشكلات مفتعلة وإسقاط عملية الإنتخابات، عبر الدعوة لإلغائها، أو إلغاء جزء منها، تارة، والعد والفرز اليدوي الكلي وتوجيه الإتهامات يميناً ويساراً، تارة أخرى، حيث نشاهد بشكل جلي تغير الأوضاع تدريجياً لصالح العملية الديمقراطية التي لم تكن خالية من السلبيات. كما نلاحظ خفض التوتر في العلاقات البينية بين الأحزاب الشيعية، وكذلك الأحزاب السنية التي كانت تختلف فيما بينها على خلفية التباين في العديد من الملفات السياسية، والتي إنعكست سلباً على علاقتها، سواء قبل الحملات الدعائية التي سبقت الانتخابات النيابية أوخلالها أو بعدها.
في كوردستان مازال البعض يتسكع في أروقة السياسة ويواصل سجالاته، والبعض الآخر يحاول التهدئة وخفض منسوب التوتر، ويتجاهل تعرضه للتهجمات والإتهامات وما إلى هنالك من إساءات تطاوله، رغبة في إتاحة الفرصة أمام إستئناف اللقاءات والمداولات وفك العقد وتذليل العقبات، ومناقشة الاستحقاقات الدستورية والسياسية والإنتخابية في المرحلة الحالية، ومراجعة المرحلة الماضية، وعرض الخيارات المتاحة أمام الوصول إلى إنهاء الأوضاع الشاذة، وكذلك لبحث الفرص والتحديات التي تواجه العملية السياسية وما تستوجبها من زيادة تماسك الكوردستانيين، وتوحيد خطابهم بخصوص الملفات المهمة التي تضع الجميع أمام مسؤوليات أخلاقية ووطنية. واتخاذ المزيد من الخطوات لتحديد الحاجيات والإمكانات والأولويات، ولتوحيد الضغط على الحكومة العراقية الجديدة لكي لا تكرر أخطاء الحكومة الحالية والتي سبقتها، ولتنفيذ ما نص عليه الدستور من حماية المدنيين وتأمين سلامتهم في كافة أنحاء العراق بما فيها المناطق الكوردستانية التي تقطع خارج ادارة حكومة الاقليم. وتمتين العلاقة مع الأحزاب والشعوب والدول الصديقة لكسب تأييدها ودفعها نحو الإعتراف بحقوقنا الطبيعية في تقرير المصير.
تاريخ الكورد يتسم بالانفتاح على الآخر والتحاور معه بحثاً عن الأمن والإستقرار والسلم والأحسن والأفضل، وهذا شرف لكل كوردي. والثورات الكوردستانية أبلت البلاء الحسن في سعيها بكل ما كانت تملك من أجل أن ترسم لوحة وطنية تتناغم مع العطاء والقيم المبدئية التي تركزت عليها المقتضيات الموضوعية والذاتية. لذلك فإن الإنفتاح الممنهج والتحاور بين الأحزاب السياسية الكوردستانية أمر طبيعي وواجب وطني وأخلاقي لايمكن إغفاله، بالذات في هذه المرحلة التي يفترض فيها أن تكون مواقف الأحزاب مفهومة وصريحة وشجاعة وبعيدة عن الحساسيات الشخصية لتنجح في التعامل مع المكاسب المشتركة. وعندما توجه أحداها رسالة واضحة المعالم الى الآخرين وتعلن تفهمها للأوضاع الصعبة التي تواجهنا وتطالبهم بالحفاظ على الثوابت، لابد أن لا تلجأ الأحزاب الأخرى الى سحب البساط من تحت أقدامها، لأن ذلك لن يحقق سوى المزيد من الإحباط والاحتقار والاحتقان. وعندما تطرح إحداها مواقف معينة في الغرف المغلقة، حتى إن كان فيه شىء من التنازل أو الإعتراف بالخطأ، ينبغي أن تبقى هذه الطروحات ضمن الأسرار التي يجب ان تحفظ، وأن تحتسب كنقاط قوة للطرف المبادر، خاصة وإن إصلاح الواقع يتحقق بأخذ العبرة من الماضي، وإحترام قواعد اللعب الجديدة الجيدة، وبتشخيص الواقع، وتوفر الإرادة ونقاء العزائم وإستيقاظ الضمير الجمعي والتصالح والتسامح مع الآخر إستكمالاً للصورة التي نحلم بها.
فهل نحن قادرون على إنجاز ما التزمنا به، ونحققه في ظرف قياسي حتى نثبت للعالم أننا قادرون على المضي إلى الأمام رغم الإكراهات؟