17 نوفمبر، 2024 8:50 م
Search
Close this search box.

إفساد الماء والخضراء والوجه الحسن

إفساد الماء والخضراء والوجه الحسن

مامن مخلوق على وجه المعمورة إلا وخصه خالقه بطريقة معينة للدفاع عن نفسه، بشكل يتناسب مع هيئته وحجمه وبيئته، وفق مقياس طبيعة عدوه وهيئته وحجمه أيضا، مع الأخذ بعين الاعتبار ماهية مايهدده من مخاطر، وكان ذلك على الله يسيرا، فأصبح لكل نوع من المخلوقات بدءًا من الكائنات أحادية الخلية الى الداينوصورات وسيلة دفاعية غريزية.
أما الانسان فقد خصه بارئه بابتكار تلك الوسائل وتحديثها وفق متطلبات عصره، تماشيا مع ما تستجد فيه من أدوات قتالية وأساليب عدائية يمتلكها العدو. والأخير بدوره يستنفر كل طاقاته وإمكانياته وتسخيرها لتحقيق أقصى مايمكن تحقيقه من غاياته المرسومة وأهدافه المخطط لها.
العراق، رقعة جغرافية تتكالب عليه الأعداء من كل حدب وصوب، وله في داخله أعداء أكثر بكثير من القادمين من خارجه، وكل واحد منهم كما نقول (تعبان على روحه) فقد وضع جل ثقله العقلي والمادي والتعبوي في عدائه للعراق وأهل العراق، وبذا يمارس حيثيات عدائه ضدهم جميعا، ولم ينسَ حكومته، إذ نصب لها العداء بكل صوره، مستغلا من عناصر القوة ومكامنها عناصر المراوغة والتكتيك والاستخبار والاستباق واليقظة، فيما تعاملت الحكومة بمؤسساتها الأمنية معه، بعناصر السذاجة والتساهل والتراخي والغفلة، فضلا عن التواطؤ والإهمال من بعض منتسبي الأجهزة الأمنية. الأمر الذي أدى الى الوصول الى خروقات أمنية خطيرة، لعل أخطرها ماحدث قبل سنوات أربع، في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى.
الفساد هو الآخر، لا يردعه التسامح والعفو والصفح، بل القوة ثم القوة ثم القوة، ولاشيء غير القوة رادع حازم له، فهي الحل الناجع والسلاح الناجح في التصدي لبؤره وشخوصه وأساليبه، وقد ورد ذكر القوة في القرآن الكريم لأهميتها في مواضع عدة منها: “يايحيى خذ الكتاب بقوة”. “وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة”. “ولاتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة”. وغيرها من الآيات في مواقع أخرى، خص الله في كل حالة معنى يختلف عن الأخرى. إلا انها تصب مجتمعة في توفير حالة التمكن والقدرة والسيطرة والهيمنة لدى الفرد، لاسيما عندما تقع على عاتقه مسؤولية الريادة والقيادة. وتزداد الحاجة الى القوة أكثر من هذا، عندما يطفو على السطح نفر ضال ليس لاعوجاجه تقويم بالنصح والإرشاد، فتغدو القوة بكل اتجاهاتها ودرجاتها، الوسيلة الوحيدة في التعامل مع انتهازيين ونفعيين ومفسدين، لايملكون من الشرف والقيم والأخلاق حدا أكثر مما موجود في الضباع والثعالب، لما تحمله من صفات المكر والغدر والخديعة.
أخص في حديثي هذا المسؤولين الكبار والكبار جدا في العراق الجديد؛ عراق سيادة القانون، عراق القانون فوق الجميع، عراق النزاهة، عراق القضاء المستقل، عراق الانتخابات وانتقاء الرأس والقائد وفق آلية من المفترض أنها شفافة، لتأتي بنتائج حقيقية تنسجم مع إرادة الناخب.
فمن قال من قادة البلاد عبارة: “سنضرب بيد من حديد”. عليه الوفاء بشكل مضاعف في ترجمة قوله هذا الى فعل ذي بأس شديد، وما الوفاء المضاعف إلا لوجود من يستحق الضرب والسحق بقوة وقسوة مضاعفتين، ليتطهر العراق ممن يدنسونه فسادا إداريا وماليا، أيا كانت هويتهم. وإلا فالحال سيبقى يلوك بعضه بعضا، ويبقى المفسدون يجترون امكانياتهم من جديد، ويفرزونها بين الحين والآخر في مفاصل البلد، ومؤسساته وهيئاته، وإن لم تكفهم هذه المرافق، سيفسدون الماء والخضراء والوجه الحسن.

أحدث المقالات