24 نوفمبر، 2024 8:30 ص
Search
Close this search box.

رواية “الصرخة الصامتة”.. التصالح مع الذات بالرجوع إلى الجذور

رواية “الصرخة الصامتة”.. التصالح مع الذات بالرجوع إلى الجذور

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الصرخة الصامتة” للكاتب اليابانى “كينزابورو أوى” ترجمة “سعدى يوسف”، تتناول رحلة الإنسان في التصالح مع ذاته بعد اكتشافها وفهمها جيدا، وقد اعتمدت فكرة التصالح مع الذات على الأسلاف وكيف يكونون جزءا راسخا من فهمنا لذاتنا ولهويتنا.

الشخصيات..

ميتسو: البطل، رجل سلبي تفيض روحه بالكآبة، يسعى إلى إنهاء حياته ليتخلص من مأزقه الشخصي وتخبطه النفسي.

ناتسومي: زوجة البطل، تشرب الخمر بشكل يومي،  وهذه العادة اكتسبتها من أمها لكنها في بعض الفترات في الرواية تتخلى عن الخمر، تواجه أزماتها الحياتية باللجوء إلى السكر الذي تظبط درجته، فتتوقف عن الشرب عند الوصول إلى حد معين من السكر.

س: أخو البطل الذي يكبره، مات نتيجة الضرب المبرح في معركة بين الكوريين واليابانيين في قريته، كان متطوعا في الجيش ومات تلك الميتة البشعة، وظل موته مؤثرا في أخويه الذي بقيا أحياء.

تاكاشي: أخو البطل الأصغر، وهو على النقيض تماما منه، رجل يميل إلى العنف، ويسعى إلى التمرد، اشترك في حركة تمرد ضد الدولة، ثم سافر إلى أمريكا معلنا توبته، كحيلة ليهرب إلى أمريكا ويعيش فيها، ثم يقرر العودة بعد ذلك إلى اليابان والعودة إلى قريته التي ولد بها، بحثا عن ذاته ويقتل نفسه في النهاية.

هوشيو: مراهق متمرد، ينبهر ب”تاكاشي” ويصاحبه بعد عودته من أمريكا، ويذهب معه إلى قريته ويظل مخلصا له، هو قروي غير متعلم لديه مهارة تصليح السيارت.

مومكو: مراهقة شابة هي صاحبة “هوشيو”، تعيش معه بصحبه “تاكاشي”، وبعد موته تتزوج من “هوشيو” ويعيشان في مكان آخر.

الراوي..

الراوي هو البطل، يحكي عن نفسه عن مشاعره واحباطاته وتمزقه النفسي، ويحكي عن باقي الأبطال من وجهة نظره، ويحكي الأحداث أيضا، والحكي بضمير المتكلم.

السرد..

الرواية على قدر كبير من الدراما، محملة بكمية مآسي وعنف، لكنها أيضا تسرد أحداثا هامة من وجهة نظر شخصية سلبية كئيبة، تميل إلى الانعزال والانطواء، وأهم ما يميزها هو التغيير والتحول الذي يحدث للبطل، فيتحول إلى بطل إيجابي ويتخلص من كآبته وسعيه لإنهاء حياته، ويبدأ حياة جديدة، ويجد خلاصة الفردي أخيرا بالتواصل مع ماضي أسلافه المرضي بالنسبة له، الرواية تقع في حوالي 411 صفحة من القطع المتوسط، الرواية تعتمد على تطور الأحداث والكشف التدريجي عن أشياء خفية، وتناول الشخصيات بعمق.

انتفاضة قرية..

تتناول الرواية انتفاضة قام بها الفلاحون في قرية “أوكوبو” في 1860، من خلال البطل الذي ينتمي إلى عائلة عريقة وغنية هي عائلة “نيدوكورو”، البطل منذ بداية الرواية بطل ضد سلبي، يحاول الانتحار ولا يسعى إلى فعل شيء سوى إنهاء حياته، بسبب انتحار صديقه القريب له بطريقة غريبة، نتيجة لمرض نفسي كان يعاني منه بسبب خبطة في رأسه، تعرض لها أثناء تواجده في تمرد طلابي ضد الحكومة في فترة الستينات من القرن الماضي، وهي الفترة التي تدور فيها أحداث الرواية، وبعد انتحار صديقه المقرب واكتشافه أنه أنجب طفلا مريضا أصبح البطل كئيبا ورافضا للحياة، وترك عمله كمحاضر في إحدى الجامعات في طوكيو، وأصبح يسكر كثيرا مع زوجته التي لجأت إلى السكر كطريقة للخلاص بعد اكتشافها مرض طفلها، وحين يقرر أخو البطل الأصغر منه “تاكاشي” العودة من أمريكا يذهب لملاقاته في المطار، ويستجيب لرغبته في العودة إلى قريتهما بحثا عن ذاته وهويته، ويتوقع “ميتسو” أن يبدأ حياة جديدة هو وزوجته، وأن يتخلص من الثقل النفسي الذي يشعر به، لكن عند عودته للقرية يكتشف أن أخوه “تاكاشي” يسعى لأن يكون بطلا وأنه يحاكي تجربة أخو جده الأكبر، الذي قاد انتفاضة في القرية منذ مائة عام في 1860، والذي أثيرت حوله حكايات كثيرة، الحكاية الأولى تقول أن أخيه الأكبر قتله بسبب قيادته لانتفاضة الفلاحين، وحكاية أخرى تقول أنه هرب بعد أن هزم زملائه وتعرضوا للإعدام وبدأ حياة هادئة في مكان آخر، متخيلا عن ماضيه المتمرد، لكن البطل سيكتشف الحكاية الحقيقية لأخو جده الأكبر المتمرد في نهاية الرواية، والتي ستساهم في تحوله وتغير شخصيته.

يحكي البطل عن الانتفاضة الفلاحية بوجهة نظر سلبية من البداية، وكأنه رافض لتمرد الشباب الذين قادوا انتفاضة القرية، وكأنه يعتبر الرجل المتمرد رجل يميل إلى العنف وإثارة الشغب، وتظهر بوضوح أنها وجهة نظر برجوازي صغير يؤثر السلامة والعيش بهدوء، تعلم في جامعة طوكيو واختار عملا هادئا، والتمتع بامتيازات برجوازي صغير من أصول ريفية، كان ينتمي لعائلة غنية تستغل الفلاحين وتقرضهم بالربا الفاحش، وحين تمرد الفلاحين على تلك العائلة وباقي العائلات الغنية في القرية حمى جد البطل الأكبر بيته الكبير بمدفع حتى لا يحطمه المنتفضون.

ويتضح أن هناك ثنائية بين البطل السلبي الضد البرجوازي الصغير المتعلم تعليما جامعيا، وبين أخوه المتمرد “تاكاشي” الذي اشترك في تمرد الطلاب ضد الدولة، والذي ظل متمردا رغم إدعائه التوبة ليتحايل ويسافر إلى أمريكا، والذي قرر العودة مع قريته ليتواصل مع جذوره وأسلافه، خاصة جده الذي قاد انتفاضة الفلاحين 1860، وأخيه “س” الذي ارتضى الموت ضربا ليحمي أصدقاءه الشباب الذين أغاروا على مستوطنة قريبة للكوريين.

ورغم أن البطل يتهكم منه مرارا ويخبره دوما أن تصوراته عن جده وأخيه غير حقيقية، وأنهما لم يكونا ثوريين وإنما الأول كان انتهازي قاد تمرد الشباب بإيعاز من الأغنياء أنفسهم، ثم هرب بعد ذلك وتخلى عن أصدقاءه الذي أعدموا، والأخ “س” كان يذهب في غارات مع الشباب ليسرق الكوريين ومات بسبب ذلك، ويظل البطل يصور “تاكاشي” على أنه يميل إلى العنف وانتهازي، وقام بمخادعة أخيه وباع بيت العائلة العريقة دون علمه، واستولى على الأموال وعلى نصيب أخيه “ميتسو”.

ويستمر البطل في تصوير فظائع “تاكاشي” الذي يضاجع زوجة أخيه، والذي يقود الشباب نحو انتفاضة جديدة يجر إليها باقي الفلاحين، على ما يعرف بالإمبراطور، وهو رجل كوري كان يعمل في السخرة في مستوطنة الكوريين، الذين جلبهم اليابانيين قبل الحرب، ثم تحولوا إلى أصحاب الأرض التي يعيشون عليها، ثم احتكر واحد منهم كل الأراضي واستطاع أن يكسب أموال كثيرة، وأصبح يعرف بالإمبراطور، وأصبح يمتلك سلسلة من السوبر ماركت التي أغرق بها قرية البطل، وأماكن أخرى، وساهم السوبر ماركت في تغيير نمط معيشة أهل القرية، وأصبحوا يشترون البضائع الجاهزة عوضا على صناعة طعامهم بأنفسهم كما كان في السابق.

“تاكاشي” يقرر أن يقود شباب القرية نحو نهب السوبر ماركت، ويورط باقي الفلاحين، ويتم نهب السوبر ماركت ويسعى “تاكاشي” إلى أن يمتلك أهالي القرية هذا السوبر ماركت، لكنه وفي تحول مفاجئ يتهم نفسه باغتصاب صبية صغيرة وقتلها، سعيا وراء أن يقتل على أيدي الفلاحين أو يحكم عليه بالإعدام.

الكشف الذي يحول البطل..

وهنا يبدأ الكشف ويبدأ القراء في النظر إلى “تاكاشي” بشكل مغاير، فنكتشف أن “ميتسو” هو الذي أخذ الأموال المتبقية للعائلة بعد موت الأخ “س” والأم والأخ الأكبر في الحرب العالمية، وكان مجندا في الجيش، ويصبح على “تاكاشي” وأخته الأصغر منه أن يعولهما عم لهما بسبب استيلاء أخيهما على الأموال لكي يتعلم في الثانوية وفي جامعة طوكيو، ويحكي “تاكاشي” عن أزمة حياته وحقيقته التي سببت له انشطارا في ذاته، وهي أنه مارس الجنس مع أخته وتسبب في حملها، وأنه تخلى عنها أمام العم وأجبرها أن تقول له أنها اغتصبت من فتى غريب، وقام العم بإجهاضها وحرمانها من الإنجاب، وانتحرت الأخت لأنها شعرت أن أخيها تخلى عنها، وظل ذلك السر وتلك الغلطة تؤرق “تاكاشي” طوال حياته، وأخيرا اعترف بها ل “ميتسو” الذي لم يبد أي تعاطف معه، وإنما تركه يقتل نفسه دون أن يسعى لتخفيف وطأة مخاوفه وعذاباته، ولم يجبه عن السؤال الذي ظل يكرره “تاكاشي” قبل موته (لماذا تكرهني؟).

وبعد موت “تاكاشي” يكتشف البطل أن رأيه في أسلافه غير حقيقي، وأن جده المتمرد لم يخن أصدقائه، ولم يهرب بعد مقتلهم، وإنما عزل نفسه في قبو تحت بيتهم الكبير، وظل هناك ثلاثون عاما منعزلا بعيدا عن الحياة، وفاءا لذكرى انتفاضته ولذكرى أصدقائه، وأنه حين قامت انتفاضة أخرى في 1870 كان هو من حرض الفلاحين عليها، وحاول في الانتفاضة الثانية تجنب أخطاء الانتفاضة الأولى، وبالفعل نجحت في تحقيق مطالبها دون إراقة دماء كثيرة كما حدث في الانتفاضة الأولى

حين عرف “ميتسو” أن جده المتمرد أخو جده الأكبر كان وفيا ومخلصا وثوريا عرف أنه وجد جذوره، و استمد القوة من أسلافه، وبدأت نظرته للحياة تتغير، وحتى نظرته لأخيه “تاكاشي” الذي ظل يكرهه طوال حياته، وبحث عن الجوانب المضيئة في شخصية “تاكاشي”، واستطاع أخيرا أن يحصل على السلام النفسي والخلاص الذاتي، وقرر أن يبدأ في أحد الأعمال التي عرضت عليه، وأن يتقبل دعوة زوجته في استئناف حياتهما الزوجية وتجنب الأخطاء التي وقعوا فيها في السابق.

الرواية شديدة الروعة تصور تحولات الشخصية في العمق، كما ترصد عذاباتها ومخاوفها وآلامها الدفينة التي تحرك سلوكها وأفعالها في الحياة، كما أن لغة الرواية لغة شعرية تعبر بدقة وبراعة عن حالة البطل النفسية، من خلال التصوير والوصف واستخدام الكلمات الموحية وذات الدلالات الغنية.

الكاتب..

“كنزابورو أوي” هو كاتب ياباني حاصل على جائزة نوبل للآداب لسنة 1994، ولد في 31 يناير 1935 وتربي في محافظة “إهيمه” في جزيرة منطقة “شيكوكو” . عندما حصل على جائزة نوبل أعلن توقفه عن الكتابة معلنا بأن ابنه من ذوي الاحتياجات الخاصة أصبح صوته. رشح للحصول على وسام الثقافة إلا أنه رفضه.

يعد “كنزابورو أوي” أحد أبرز ممثلي جيل ما بعد الحرب في الأدب الياباني على نحو يتضح من أسلوبه في الكتابة، كما من طروحاته وموضوعاته القصصية وغيرها. لفت انتباه الوسط الأدبي عام 1957 بعمل قصصي عنوانه “معطاءون هم الموتى”. وكانت روايته الأولى “أقطف البرعم ودمر الذرية” (1958)، التي لقيت إعجابًا واسع النطاق، ثم نال جائزة قيمة بالنسبة لكاتب شاب على قصة له نشرت سنة 1958 أيضًا.

غير أن روايته “جيلنا” (1959) لم تنل نفس التقدير. وانشغل”كنزابورو أوي” بعد ذلك بالنشاط السياسي حيث كان ضمن اليسار الجديد وألف في هذا السبيل عملاً بعنوان “مسألة شخصية” (1964) تناول فيه مشاكل الشبان في مرحلة ما بعد الحرب متخذًا من شخصية ابنه “هيكاري” الذي ولد معاقًا محورًا ورمزًا لإعاقة أشمل.

من أعمال”كنزابورو أوي” الأخرى الروايتان “علمنا كيف نتجاوز جنوننا” (1969) و”استيقظ أيها الإنسان الجديد” (1983)، ودراسة للأساطير الإقليمية نشرت عام 1986. وصدرت له بالإنجليزية مجموعة من المحاضرات التي ألقاها في السويد والولايات المتحدة بعنوان اليابان الغامضة وأنا (1995)، منها محاضرته في استكهولم العاصمة السويدية التي عبر فيها عن شعوره بتحول اليابان إلى بلد غامض يغترب عن تراثه وانتمائه الثقافي القاري في محاولته لمواكبة ركب الحضارة الغربية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة