14 نوفمبر، 2024 5:19 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. حمزة الحسن: ما سأقوله يوماً لن يتحمله أحد لكن ذلك سيظهر في روايتين قادمتين

مع كتابات.. حمزة الحسن: ما سأقوله يوماً لن يتحمله أحد لكن ذلك سيظهر في روايتين قادمتين

خاص: حاورته- سماح عادل

“حمزة الحسن” كاتب عراقي متميز، ولد في أوائل الخمسينات على ضفاف مدينة الصويرة. أول مرة دخل السجن في عام 70 على إثر منشورات كتب عليها ( قم تر الأفق مشاعل/ وملايين المساكين تقاتل!) وهو مقطع من قصيدة للشاعر عبد الوهاب البياتي.

حتى جاءت حرب الخليج الأولى ليلتحق مع أجيال عراقية نحو تلك المحرقة قادما من السجن حيث أعتقل للمرة الثالثة في 79 مع حشود من الحركة الوطنية وكالعادة كان يدخل ويخرج لحسابه الخاص. وبعد فترة عمل لا تتجاوز عدة شهور يطرد من الصحافة إلى الخطوط الأمامية لأنه سجين سياسي سابق! من العراق إلى إيران إلى باكستان مشيا على الأقدام بعد المرور بسجون إيرانية وباكستانية وحتى النرويج في الخامس من آذار عام 91 بعد نهاية حرب الخليج الثانية بعدة أيام.

في عام 2000 صدرت له ثلاث روايات: سنوات الحريق، الأعزل، المختفي، وفي 2001 صدرت له رواية عزلة أورستا وتبع ذلك إصدار روايات: ( “حفرة فيراب”، 2008- “حقول الخاتون”، 2009- “حارس السلالة”، 2010- “طريق الكراكي”، 2012- “الحكاية المضادة”، 2014)، ويعيش من عام 93 في بلدة أورستا قادما من بيرغن المدينة الساحلية الكبيرة.

إلى الحوار:

(كتابات) سنوات من السجن السياسي واضطهاد السلطة والانخراط في الحرب والهروب ومواجهة الموت مرارا ثم النجاح في إيجاد مكان آمن.. هل كنت تود لو أنك لم تتعرض لكل ذلك؟

  • هل كنت أتمنى ذلك؟ الجواب المنطقي لا أحد يتمنى أن يتعرض لسنوات من الحرب، من سبع سنوات حرب عصابات في الجبال، إلى ثماني سنوات حرب الخليج الأولى في الخطوط الأمامية، والهدنة بينهما سجن ومطاردة ثم الطرد من الصحافة والعودة إلى خطوط الحرب الأمامية. يسهل تلخيص ذلك في كلمات لكن الوقائع على الأرض تختزن آلاف التفاصيل.

في المنفى وبعد عزلة طويلة وتأمل عميق وفي مناخ التفتح والحرية شعرت أنني كان يجب أن أمر بكل هذه الدروب الصعبة. لا خيار لي بناء على تركيبة الذات وعوامل فردية إلا المرور بهذه الطرق المهلكة رغم أنها لم تكن خياراً شخصياً لكن الخيار هو في التحمل وفي الوقوف بثبات دون أن أتداعى.

لم تكن حروبي.. لم أسجن لأني أسرق التفاح كما قال لي يوماً المغني الأمريكي “دين ريد” خلال مقابلة معه في فندق” منصور أميليا” في بغداد والذي قتل في حادث سيارة غامض.. كنت أدخل وأخرج من السجون بلا أي انتماء سياسي، في زمن يكون المقهى الذي تجلس فيه، والكتاب الذي تقرأه والصديق الذي تمشي معه، بل حتى نوع الشارب يشكل للسلطة هوية سياسية. لكن هذه الحروب العسكرية لم تكن الوحيدة بل كنت في مواجهة مستمرة مع السلطة الاجتماعية وهو الحرب الأقسى.

تأكدت يومها ألا مجال للحياة والحرية والكرامة وعرفت أن هذا البلد سينفجر يوماً بحرب أو بلا حرب، وقد جسدت ذلك في روايات صدرت قبل الاحتلال كـــ”سنوات الحريق”و “الأعزل ـــــ سيرة ذاتية روائية” و”المختفي” و”عزلة أورستا: سرقوا الوطن، سرقوا المنفى” قبل سرقته بسنوات.

(كتابات) بدأت الكتابة الأدبية بعد كل تلك التجارب الثرية.. هل لتوثيق ما جرى أم لهدف آخر؟

  • لم أبدأ الكتابة بعد كل تلك التجارب بل كنت أكتب لنفسي في قلب تلك التجارب بل في خنادق الحرب في صحراء الجنوب، وفي كهوف الجبال، وساعدتني الكتابة على أن أنفصل عن واقع مفروض وعلى التصالح مع الذات وأبقى متماسكاً. لكن تلك التجارب كانت لي وحدي ولم تنشر لأن نشرها يعني الانتحار إذا نشرت فعلاً.

الكتابة الحقيقية بدأت في المنفى. لا كتابة بلا حرية. في المنفى على قول “عبد الرحمن منيف” نكتشف الوطن وفي الوطن نكتشف المنفى. لم أر العراق بوضوح مشع، كما رأيته في المنفى، حتى أني عندما أتذكر اليوم تجارب خطرة عشتها كعبور حقول الألغام، مثلاُ، والهروب، أشعر بالخوف ولم أخف يومها لكن عند استعادتها بدت لي مرعبة. مؤكد أن الحالة النفسية التي كنت فيها كانت في مستوى شراسة الواقع.

لم أفكر في فكرة توثيق ما جرى، بل كنت أريد إعادة صياغة ذاتي من جديد. الذات في دول القمع ليست من صنع الإنسان بل مؤسسات. رغم تعارضي مع السلطتين السياسية والاجتماعية لكن علقت بي بقاياهما وهو أمر منطقي، ولا يمكن المرور في قبو للفحم وتخرج بلا بقع. الولادة من جديد من رحم ثقافة مضادة، وهي مهمة شاقة لكن ممتعة، ومرت الأمور بمشقة في حرية تفيض عن مساحة الصحراء ومناخ الأمن والعدالة.

(كتابات)  لماذا حلم” الأعزل” بعيد المنال؟

  • أطروحة الأعزل جديدة في الرواية العربية. هناك المنتمي والمنحاز والمحارب. لم تفهم فكرة “الأعزل” بدقة. الأعزل ليس المجرد من القوة بل من الخسة والدناءة وهو تهديد للمسلح، سواء كان مسلحاً بالسلاح أو الوضاعة والانتهازية.

حلم الأعزل بعيد لأن هدفه ليس الحرية. أنا نلت حريتي بصورة تامة إذا صح القول. لكن حلم الأعزل هو البراءة.

الجميع يوماً سينالون حريتهم السياسية والاجتماعية لكن حلم البراءة بعيد. البراءة ليست ثقافة وليست خياراً. إنها طبيعة. في لحظات وخاصة ما تعرضت له من تجارب أخيرة تمنيت لو كانت البراءة خياراً لتخليت عنها.

نحن ولدنا لنحيا لا لكي نحارب على قول “بوريس باسترناك” وفي اللحظة التي شعرت أنني نجوت من كل أنواع الحروب، اكتشفت أن الشر ليس في الحروب المسلحة بل قد تكون هذه واضحة.

في العام الماضي، كمثال لا أكثر، تعرضت لأقذر عملية اغتيال من نوع فريد واستثنائي شكلت منعطفاً جديداً في حياتي وستصبغ الباقي من حياتي حتى اليوم الأخير. ليس اغتيالاً بالسلاح كما يفهم بل أبشع وأقذر وكان يستهدف نزع البراءة وقتل الأعزل وهما كل ما أملك من رصيد في الوطن وفي المنفى.

صحيح أنني نجوت بالكتابة أيضاً ــــ ثلاثية عش الخديعة ـــــ وبرصيد ضخم من تجارب القسوة والموت ساعدت في تكوين مصدات ورفع الأشرعة في مواجهة العاصفة، لكن هذه التجربة كانت غير متوقعة وصادمة بعد حروب ومناف وأحلام وسجون.

في الجزء الثاني من الثلاثية “اغتيال الأعزل” وصف أدق التفاصيل.. صحيح أنها تجربة فردية لكنها ليست كذلك في العمق لأن الأعزل معرض للفخاخ خاصة إذا كانت أنيقة ودقيقة ومنصوبة من عقل شرير ومدرب ورضع الشر.

(كتابات) ماذا منحتك العزلة بعد ماضي صاخب؟

  • مرة أخرى، سيدة سماح، كما لم تُفهم فكرة الأعزل لم تُفهم فكرة العزلة. العزلة ليست مكانية بل هي حالة من الانفصام عن القطيع. العزلة موقف وحالة نفسية. في هذا الزمن لا توجد عزلة أمام فضاء إعلامي مفتوح على جهات العالم الأربع. من غرفة النوم يمكن التواصل مع سكان الأرض. يمكن أن يكون الإنسان في عزلة مع أهله وفي محيطه.

لكن هناك خاصية فريدة في عزلة الروائي والمثقف: من لحظة حمل القلم يدخل في عزلة، سواء كان في الوطن أو المنفى، ويدخل في مواجهة مفتوحة مع الجميع.

العزلة ليست سهلة. ليس سهلاً أبداً أن تعيش عزلة المكان، مثلاً، ما لم تكن متصالحاً مع نفسك، وعكس ذلك تتحول إلى كابوس. بتعبير “نيتشة”: “العزلة لا يتحملها إلا وحش أو إله” الوحش غير مدرك والإله غير محتاج لأحد وهو مكتفي بذاته.

العزلة، عزلة المكان وعزلة الوعي، لا تمنح بذاتها شيئاً. نحن من يمنح العزلة قيمة. صعب جداً أن تولد من رحمك من جديد وتعيد صياغة ذاتك بثقافة مضادة لكل ما تعلمته. أي تنقلب على كيانك العضوي والنفسي وهي مهمة إما تُحرق أو تُضيء.

(كتابات) هل مقالاتك الكثيرة كانت حربك الخاصة على السلطة الغاشمة وعلى الانتهازيين وعلى الاحتلال اللعين؟

  • مفهوم السلطة عندي وفي الفكر الحديث كما هو معروف لدى ما يسمى فلاسفة الاختلاف “ميشيل فوكو” و”بلانشو” و”ديريدا” و”جيل دولوز” وغيرهم ليس السلطة السياسية كما هو شائع. عانيت كثيرا لشرح مفهومي للسلطة حتى في أوساط النخبة. السلطة موجودة في الحجوم المجهرية كالأسرة والمدرسة والشارع والمؤسسة والأصدقاء… والخ.

في تداخل هذه السلط يجد المثقف الأعزل المستقبل في مواجهة مفتوحة مع الجميع، بما في ذلك السلطة الثقافية التي فقدت هيبتها وحضورها وفعاليتها، ولم يبق منها غير أفراد يعانون كما نعاني. بعضهم انزوى احتراما للنفس من الابتذال. مقالاتي الكثيرة هي جواب الأعزل على القتل والجريمة والخيانة، الخيانة العامة والفردية، وهي حرب الأعزل بسلاح الكلمة في مواجهة حروب الآخرين بكل أسلحة الموت والغدر والاحتيال والانتهازية.

لم يحن الوقت لقول ما أريد قوله. ما سأقوله يوماً لن يتحمله أحد لكن ذلك سيظهر في روايتين قادمتين “اغتيال الأعزل” و”لا طروادة بعد اليوم”. أتوقع أني سأعتزل الكتابة الروائية نهائياً بعد الانتهاء من نشر الثلاثية وسأشرح موقفي بوضوح وأنسحب.

قلت في الثلاثية ما لا يقال همساً. إنها آخر حروب الأعزل. آخر المصائد. آخر الفخاخ. سعيد وفخور بذلك. للبراءة ثمن، للجريمة ثمن.

(كتابات) قيل عن روايتك “المختفي” أنها أول رواية عراقية وعربية تتناول قضية الاختفاء السياسي، وتحكي عن أولئك الذي اختفوا في السجون السرية.. حدثنا عنها؟

  • هي أول رواية تتحدث عن ظاهرة الاختفاء السياسي التي هي ظاهرة قومية ورفضت أكثر من عشرين دار نشر نشرها. ولم يكتب عنها سوى شخص واحد وصف عملية الاختفاء السياسي لآلاف المختفين على أنها “من خيال حمزة الحسن”. واضح الغرض من هذا الكلام كما لو أن مئات الألوف من العرب المختفين بعد الاعتقال طمرتهم عاصفة في رحلة سياحية في صحراء، أو صعقتهم كهرباء في مراقص الليل. لا يحتاج الأمر إلى شرح أطول.

(كتابات) كل رواية لك عالم بحد ذاته وراءه هدف ما.. هل يمكن الحديث عن مشروع إبداعي نذرت نفسك له؟

  • إذا لم يجد الروائي ما يضيف عليه ألا يكتب. سيكون ذلك عبثاً وهذا العبث هو السائد والمنتشر. أنا من الكتاب الذين لا يستطيعون الكتابة إلا عن تجربة عشتها. لا أتفرد بذلك بلا شك. كثيرون لا يكتبون إلا من خلال ما عاشوه: “هنري ميللر”، “همنغواي”، “كنوت هامسون”، “محمد شكري”، حتى الروائي “آلان روب غرييه” من كتاب ” الرواية الجديدة” التي تركز على الأشياء أكثر من المشاعر فاجأ الناس في آخر أيامه عندما قال: “كل رواياتي هي سيرتي الشخصية”… ومعروف قول “فلوبير” الشهير”بوفاري هي أنا” عن روايته “مدام بوفاري”.

الرواية فن اللغة. الجميع يملكون حكايات. على قول الروائي الفرنسي “فيرناندو سيلين” مؤلف “رحلة إلى أقاصي الليل” يقول: “يكفي أن تنظر من خلف النافذة لتجد حكايات عن كل شخص يمر في الشارع”. بلا لغة سردية لا رواية مهما كانت الحكاية.

(كتابات) دعا أحدهم إلى محاكمتك بسبب روايتك “سنوات الحريق” هل يزعجك الهجوم ومحاولات التضييق على إبداعك؟

  • هذه واحدة من أطرف ما تعرضت له في حياتي. يوم صدرت رواية “سنوات الحريق” عام 2000 وفيها توقع واضح بلا رمزية يقول في صفحات كثيرة إن هذه المعارضة ستسرق كل الوطن، وتحرق كل شيء. كان ذلك الطرح غريباً في رواية عراقية منشطرة إلى نوعين: رواية الداخل تمجد السلطة ــــــ مع استثناءات حذرة مشفرة ــــ ورواية الخارج تلعن. في هذا التشابك نسي الروائي أن هذه ليست وظيفة الرواية بل وظيفتها الكشف والاستباق والتحذير وتخيل شكل المستقبل.

الطريف أن أحدهم طالب حرفياً “النظام العراقي الديمقراطي القادم بمحاكمة حمزة الحسن على رواية سنوات الحريق”. كيف عرف أن النظام القادم ديمقراطي؟  أنا من الناحية القانونية مواطن نرويجي من ناحية الحقوق والواجبات فلماذا لا أحاكم فيه وهو نظام ليس ديمقراطيا فقط بل تطرف في الليبرالية ودخل مرحلة ما بعد الحداثة. أحد الكتّاب رد عليه ساخراً” لماذا لا يحاكم في النرويج؟ هل عدم وجود مشانق هو السبب؟”… لكن الأحداث تكشف وتعري وعرفنا نوع النظام الديمقراطي “القادم” بعد الاحتلال الذي أكد أن رؤيتنا للمستقبل كانت سليمة تماماً.

(كتابات) تسعى دوما للتجديد في شكل النص الروائي.. هل أنت مولع بالتجريب واختبار أساليب سردية جديدة على الواقع العربي؟

  • التجديد هو مغامرة اللغة ومغامرة الموضوع. على قول “كلود سيمون” الذي أكرره دائماً: “الرواية ليست سرد مغامرات بل مغامرة السرد” أظن هذه العبارة تلخص الكثير.

(كتابات)  لاحظت أن شخصية “يسرى” تتكرر في رواياتك جميعاً. تأتي دائماً كرمز للنقاء والوفاء والشجاعة عكس روايتك الأخيرة عندما وضعت شخصية “جيان” رمز للخيانة  كنقيض لشخصية “يسرى”، هل هناك سر يمكن أن تكشفه لنا؟

  • شخصية “يسرى” اسم مستعار لشخصية واقعية وهي جرح وقضية. تحدثت عنها كثيراً. صحيح ماتت قبل أكثر من ثلاثين سنة لكنها حية في داخلي وبناء على وصيتها المكتوبة “إذا نجا أحدنا من الموت، على الناجي أن يحافظ على الحكاية”. نعم، هناك ميزة خاصة في قضية علاقة الحب مع “يسرى” لكنها قضية ليست نادرة عندما يتعارض الحب مع المؤسسات والقيم السائدة. الأدب تناول هذه القضية منذ أقدم العصور لكن ما يختلف هو شكل المواجهة.

شخصية “جيان” وهي أيضا اسم مستعار لشخصية واقعية في ثلاثية “عش الخديعة” هي النقيض المطلق لشخصية “يسرى” بل كادت أن تغتال “يسرى” ميتةً وتغتال الأعزل حياً.

في “عش الخديعة” لا تنكر الرواية كونها رواية وكنت أكتب وأعيش التجربة في الوقت نفسه لأول مرة في تجربتي الروائية. في “عش الخديعة” تضيع الحدود بين الرواية والواقع. الشخوص يتحدثون عن الرواية وعن العنوان بل عن تفاصيل. أمر قد يكون جديداً في الرواية العربية أو العراقية. أخشى أن يقع القارئ في تصور أن “عش الخديعة” هي قصة حب فحسب ورغم أنها تتضمن ذلك لكن هذا هو الهيكل والعمود السردي لأحداث كبرى تجري على مساحة واسعة من العراق إلى آسيا وأفريقيا وأوربا، لكن يظهر الحب كنقيض للكراهية والعنف والسوقية. الأشياء تعرف بأضدادها.

من الرائع والمذهل أن “يسرى” الميتة في رواية “الأعزل” وفي رواية “عش الخديعة” آخر رواية صدرت قبل أيام، انتصرت على “جيان” كلاهما واقع ورمز.

“يسرى” وهي ميتة عاشت وكافحت، حيةً، مع الأعزل، و”جيان” ماتت في داخله وهي حية ومن المرجح أنها ماتت في داخلها بعد تحطم كل ما هو طبيعي ونظيف داخلها، مهما كانت عناوين التحايل الذاتي وخداع وتهدئة الضمير، ولأن الأعزل بكل ما فيه من نقاء بري لن يمر في حياتها أبدا.

“يسرى” في موتها البطولي أخذت شكل التماثيل المنحوتة على الجبال الصخرية إلى الأبد ما دامت هناك حكاية حب، و”جيان” أخذت شكل الجسر والسرير العابر لمارين عابرين.

هما نمطان من النساء أيضاً. الأولى حافظت على الإخلاص الأخلاقي والجسدي احتراماً للذات والآخر وعلاقات الوفاء حتى الموت، والثانية لوثت الجسد والذات في علاقة “زبائنية” من أجل المتع الرخيصة.

“جيان” ليست شخصية روائية  فحسب بل واقعية وهي الشر المطوّر. ليس الشر التقليدي نقيض الخير بل هي الشر الجديد نقيض الشر القديم. تطور عجيب واستثنائي لما وصل إليه بعض العرب كأفراد وجماعات من انهيار وسقوط.. الأسوأ أن هؤلاء يريدون جعل معاييرهم في السقوط والخيانة والتشوه قواعد حياة. لم يحدث ذلك ولن يحدث. “عش الخديعة” هي الإنسان العربي أيضاً بين خيارين: موت وانحطاط أو قيامة من رماد.. ما أكثر الرماد.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة