ما تزال المرأة العربية مهضومة الحقوق في مجتمعاتنا العربية ، وقد كان الامل معلقا على ثورات ما سمي ” الربيع العربي” في اعادة تشكيل مجتمعات اكثر تحررا وديمقراطية وانفتاحا ، خاصة نحو المرأة ومساواتها مع الرجل وضمان حقوقها ليكون لها دور اكبر في المشاركة في الحياة العامة وفي قيادة مؤسسات الدولة .
الا ان المؤشرات دلت ومنذ اول “ربيع ” عربي في العراق ان هذه المتغيرات لم تؤدي الا الى زيادة الظلم في حق المراة وتهميش وجودها . فقد تراجعت حقوق المرأة في ظل صعود طبقات سياسية من الاسلامويين المعتدلين والمتشددين … وبعظهم لا برنامج له في الحكم الا في التشديد على المراة وكأنها حالة ” عورة ” تستحق الابادة لولا حاجة الرجل اليها في التناسل ، ففرض عليها القيود ليلحقها مجرد عربة مقطورة في قاطرة الرجل في دولة الشريعة الجديدة .
السبب الاكبر في هذا الوضع هو … المراة نفسها
فالنساء لم يعرفن كيفية الدفاع عن انفسهن وانتقاء الخيار الاصح الذي يضمن حقوقهن … فصناديق الاقتراع التي ادلين باصواتهن فيها هي التي رفعت من لا يؤمن بحقوق المرأة الى سدة الحكم … وباصوات النساء فاز هؤلاء الخارجين من كهوف تورا بورا او من قاع المجتمع… ذلك ان نسبة مشاركة المرأة في الاقتراع في الانتخابات العراقية لا تقل عن 50% … ونسبة اكبر منهن صوتن للاحزاب الاسلاموية الشيعية والسنية التي تدعو او تمارس تهميشهن … وبدون أن يعين فظاعة اختياراتهن على مستقبلهن في بلاد يحكمها المتشددون الرجعيون . من المسؤول عن ذلك ألاداء الذي يصل الى حد الفضيحة وحتى الجريمة ؟
أنه الجهل والامية … وهذان عاملان اساسيان ، ياتي بعدهما دور الدعاة ورجال الدين واساليبهم في خداعهن ، وخاصة في الشحن الطائفي .
لقد كنت في البصرة في الدورتين الانتخابيتين ، ورأيت وسمعت كيف أن رجال الدين استخدموا مكبرات الجوامع للشحن والدعاية الانتخابية وحث الناس خاصة النساء على انتخاب القوائم الطائفية .. وصدّع راسي مكبر صوت في جامع قريب يهدد النساء بالويل والثبور، وبلعنة الزهرة وغضب الحسين ونار جهنم التي بانتظار كل من لا تذهب الان فورا لتدلي بصوتها الى القائمة ( اكس ).. فهرعن المسكينات زرافات قبل ان تقفل الزهرة عليهن ابواب الجنة . ومعمم آخر يوزع قصاصات ورقية تأمر فيها المرجعية وبعد أسنخيار الامام علي بانتخاب ( سين ) ومن لا يفعل سيكون عدوا للامام الى يوم الدين … وخذ من هذا الكلام الكثير .
أما الجهل والامية فهي مصيبة ، لان نسبتها متفشية في النساء كثيرا . لذا فالنساء ، اغلبيتهن لا يعرفن معنى للانتخابات اومن ينتخبن وما هي صفات المرشحين وبرامجهم ، فيقعن تحت طائلة اجبارهن من قبل الزوج والاهل ورجل الدين المسيس للانتخاب الالي لفلان من الناس … ومثل هكذا نظام انتخابي لا يمكنك ان تحصل على مجلس نيابي من المتنورين والعلمانيين واصحاب الكفاءة لنصف قرن قادم على اقل تقدير .
محنة المراة في الازمنة الدكتاتورية اقل بكثير من محنتها في الانظمة الجديدة التي استبدلت تلك . فمن النادر ان ترى اسلامويا يؤمن بالحرية او يؤمن بدور خاص للمراة في عملية بناء المجتمع او حتى أن يعيرها اعتبار في اهتماماته . وهنا تختفي الفوارق الفقهية لدى الطائفيين السنة والشيعة – فكلاهما متفقان على أن لا دور للمراة الا خدمة الرجل وتربية الاولاد في البيت ، وكل ما يعلن عدا ذلك هو للاستهلاك المحلي والدعائي . و كلاهما يعتبران المراة كائنا ناقصا ومصدرا للاغواء الشيطاني لرجل .. لذا يترتب الحجر عليها وفرض الحشمة وتقنين ظهورها العام … فالفكر الاسلاموي تجاه المراة مهووس بالنظرة الجنسية والاغوائية نحو المرأة وفقههم لا يدور الا في هذا المدار الناقص والمبتسر في فهم الوظيفة الحياتية والانسانية للمراة .
لا يبدو انه في ظل حكم المهووسين المذهبيين ان المساواة ستتحقق .. بل ان حقوق المرأة تنتهك ويتمثل ذلك بتغيير احكام قوانين الاحوال المدنية لفرض تقييدات على المراة واعادة النظر في مناهج التعليم والمغالاة في فرض الحجاب والفصل الجنسي بين المراة والرجل في المدارس والجامعات والاماكن العامة وحصر عملهن في مجالات ضيقة … وما نراه من فاحش القول والسلوك من قبل من يدعون الاسلام على الفضائيات تجاه المثقفات والفنانات والصحفيات خير دليل على عمق الردة التخلفية الجديدة في مجتمعاتنا العربية .
هذا الكلام موجه للمرأة العراقية التي صوتت للاسلامويين وهي مدركة او غير مدركة لتوجهاتهم وافكارهم ، فان كانت جاهلة … فهل واجب الطبقة السياسية التي تدعي الحرية ، ان تعمق جهلها ام تحريرها منه ؟
كان العراق على مر الايام منتجا لنماذج رائعة للمراة العالمة والصحفية والروائية والشاعرة والفنانة والرسامة ووو.. اما اليوم فتبدو الساحة خرابا يبابا ولا ينتج الا النطيحات والمترديات من نائبات بوجوه بشعة وكالحة وخلكان مهلهلة خاليات من اية انوثة او مهنية ولا يمثلن الا انفسهن وحتى صفة امرأة بعيدة عنهن ، ومقدمات برامج يتصنعن الحداثة او يقلدن مقدمات برامج تلفزيونات بلد ولاية الفقيه او ولاية عبد الوهاب بكل ازيائهن وبوزاتهن فيما تغرق باقي النساء في قعر الاهمال .
فكما نرى ، المراة قد اخذت تتجاوب مع الدعوات الدينية الشكلية الخالية من اي مضمون ، وتنغمس في الطقوس والقيود المفروضة قسرا او طوعا … وتنهمك المتعلمات منهن في جدل بيزنطي عن الحلال والحرام والحجاب وشكله والثياب واشكالها والاختلاط وارضاع الزميل في العمل وزواج المتعة والمسيار وغيرها من توافه الامور والترهات التي تغرقنا في جدالات عقيمة واختلافات مصطنعة ولا تساهم في بناء شخصية متميزة للمراة وليزداد اغترابها اكثر عن اي دور حقيقي في المجتمع … ولكم ان تتخيلوا الجيل الجديد التي ستربيه وتخرجه للحياة امراة بهذه المواصفات .