17 نوفمبر، 2024 6:57 م
Search
Close this search box.

زراعة العقول

لا يخفى على احد ما آلت اليه مقتضيات العصر المعرفية و تطورها الملحوظ ،وهذا بطبيعته نتاج تراكمات من البحوث العلمية تراصفت ونُضٍجَت من خلالها المعلومة لتنتهي فيها النظرية في مختبر التطبيق الحقلي .

و لكون المعرفة هي نتاج تلاقح افكار ذلك الكائن الانسان فلا بأس ان نعرج على ما هيته من خلال فلسفة الشخة و لنأخذ مثلا شوبنهاور الذي يتناول الانسان بنظريته مفرقا بين الفرد و الشخصية كون الاول هي الفرد بنموذجه الفسلجي و بنيته اي انه حقيقة بايلوجية اما الشخصية فهي حقيقة روحية ثم يستطرد بتفاصيل الشخصية حتى ينتهي بأنها نتاج او مصداق لشيء أعمق داخل الانسان الا وهي الارادة .

و نتيجة لتقلب طبيعة المجتمعات الاقتصادية و السياسية و طوبوغرافية الارض التي يسكنها فقد واجه منذ خليقته الصعاب الامر الذي حفز نشاط القوة الكامنة لديه الا و هي الارادة التي حاول مساعدتها بالعقل اي ان العقل كان خادما للأرادة كما قالوا سابقا . كذلك نظرا لطبيعة الانسان و مذاهب تفكيره فقد تباينت مستويات الارادة لديه نتيجة لقابليته المعرفية و تقبله او ابداعه في التفكير وهنا تدخلت العبقرية التي قيل انها تتكون من الكمال و الطاقة .
شهدت المعرفة منذ نشأتها مع الانسان مراحل مختلفة ابتدأت بالانبياء و جدلية اتبعاهم ومناوئيهم و مروراً بالفلاسفة و نظرياتهم التي أودت بحياة بعضهم حتى عصر الثورة الصناعية حيث انتهجت فيها المعرفة طريقاً غير طريقها المعتاد داخل قرطاسية الكتب الاخلاقية و الاجتماعية في الكتب السماوية و الفلسفية لتظهر بزيها الجديد الا وهو عصر الثورة العلمية التي ترجمت نظرياتها الى الآت و معدات صناعية استطاعات ان تخدم البشرية .

تمزيت الثورة الصناعية بشحة الافراد العلماء حيث كان العباقرة و اصحاب الخيال الفلكي الواسع قليلوا العدد على الرغم من المدارس العلمية الموجودة و التي هي حديثة العهد اضف الى ذلك الى النكسة التي مرت بها الثورة الصناعية بعد قرن و نصف القرن من بحوث علمية جبارة الا وهي استثمار تلك الجهود في الترسانة العسكرية في الحربين الاولى والثانية حيث كان الانسان ضحيتها.

بعد منتصف الستينات من القرن الماضي تنبهت الدول الراعية للثورة الصناعية و غيرها الا ان عصر العبقرية في انزال البحوث و انضاجها هو بحاجة الى اعادة النظر في ميكانكية او ادارة تلك البحوث و العمل بآلية زرع العقول في المجتمعات الا وهي العمل بالعقل الجمعي العلمي عن طريق استدراج البحوث ودعمها من خلال عدة مؤسسات و معاهد مختصة و حقيقة هذا الامر ليس وليد اللحظة اذا ما قرأنا رسالة ويلهلم فون الى الملك البلوروسيا و هو يحثه بوجوب زراعة العقول لزيادة معرفة الناس في الرفة و الاجارة و غيرها.

في الشرق الاوسط والبدان العربية و العراق بالاخص الذي امتازت انظمته السياسية بالشمولية فاننا نجد ان هنالك تدخل صريح في اهتمامات المؤسسة العلمية ،فثقافة الماكنة الدكتاتورية و عقلها الفردي لم توفر بيئة خصبة لاجتذاب او لخلق فضاء فكري هادئ ينعم بدعم حكومي ،فهو يدعمها بمزاجية شبيهه لمزاجية حكم كوريا الشمالية و هذا ما كان جليا في انشاء مفاعل تموز و دعمه لينتهي به المطاف مستويا مع الارض .

بعض دول العالم و منها ايران ايقنت ان لا مجال في محاربة الدول المتقدمة الا بأداتها الا وهي تطوير البحوث العلمية و اعلانها بتخصيب اليورانيوم للاغراض الصناعية كالطاقة الكهربائية و الادوية الامر الذي شكل تهديدا علميا اقتصاديا لا عسكريا فقط لمحور الدوة الاحتكارية في ذلك الشأن.

في عراق ما بعد ٢٠٠٣ افتتح المجال للطاقة العراقية الكامنة على الرغم من الاثار الوضعية التي خلفها النظام السابق في البنية التحتية العلمية .زاولت المعاهد والجامعات دعوتها لاستغلال تلك الملكات العلمية و توجيهها في نيل مختلف الشهادات ذات الاختصاصات المختلفة لكن تلك الطاقات بعد عودتها جوبهت بعوامل عدة داخل المؤسسة الحكومية و منها :

١- ان النظام الاداري للقطاع العام لا تنسجم اهتماماته بأستثمار تلك التخصصات العلمية فالبنية الادارية تعتمد على هيكلية تحتكم الى ضوابط خلفتها قوانين وضعية بدأت مؤسساتهامؤخرا في الانضاج .

٢- عدم انسجام التخصصات مع احتياج الدائرة لها في الوقت الحاضر .

٣- عدم انسجام الاشخاص الذين نالوا تلك الشهادات مع دوائرهم نتيجواعز نفسي قد يكون بسبب تغير البيئة او بسبب تطلعاته او طموحاته المبالغ فيها في احقيته في التصدي و نيله مركز القرار على الرغم من تخرجه من مؤسسة العقل الجمعي .
لا شك ان تلك الطاقات العلمية و بالاخص ذوي الدراسات العليا تمثل موردا هاما للبلد و هذا ما تستثمره حاليا البلدان الاوربية في استقطاب الموارد البشرية وتأهيلها لانها تمثل الاجيال القادمة لها
و لعل من اهم الاسباب في تطور المجتمعات الغربية و امريكا بالاخص هو وجود المجتمعات المهجنة من مختلف الطاقات و الموارد البشرية.

نحن امام مورد بشري هام يجب ان لا يختزل في اضابير البحوث العلمية وارشفتها في مكتبات الجامعات في الوقت الذي تتحول فيه تلك البحوث في الخارج الى صفقات تجارية تستثمر في انتاج العديد من الابتكارات ،لذا نجد من الواجب على الحكومة العراقية أنشاء مراكز بحوث علمية و بمختلف الاختصاصات و دعمها ماديا

و يجب ان تعي الشخصية ان الدراسات العليا هو وسيلة و ليست غاية رغم أنها و سيلة غابت غايتها عن الواقع بسبب سوء التخطيط كما يقول الدكتور فؤاد زكريا “ان السمة الاساسية للنظرة العلمية هي النظر للمستقبل في الميدان البشري على انه ليس شيئا معدا سلفاً وانما هو شيء يسهم الانسان بصورة متزايدة في صنعه ……. وبعباره أخرى فالفكرة الكامنة في المجتمعات العربية هنا هي ان المستقبل ليس نتيجة منطقية للحاضر !! ”

اذن حريٌ بالباحث العلمي ان يرسم هدفه الخاص في زحام المستقبل المجهول و ان لايقف على اعتاب بحوثه المنشورة على الصحف العلمية العالمية التي هي جهود مجانية ثمينة مصدرة كالعملة الصعبة التي تخرج من البلد بل عليه ان يكون مثابرا في كسر قيود الرتابة المحيطه به سواء في مؤسسته ام في غيرها و لعل اجمل عمل يجد الانسان فيه ذاته هو العمل الطوعي العلمي

ترى ما مصير الفرد الحاصل على احدى شهادات الدراسات العليا ؟

هذا يعتمد على مدى جدية تفكيره في تحديد هدفه المستقبلي

أحدث المقالات