17 نوفمبر، 2024 10:27 م
Search
Close this search box.

ماذا بين دعاية سياسية فاسدة وانتخابية كاذبة ؟

ماذا بين دعاية سياسية فاسدة وانتخابية كاذبة ؟

يمكن القول ان العملية السياسية في العراق امتازت وبلا نظير باحتوائها على افسد أنواع الدعايات السياسية واستخدم خلالها اكثر الدعايات الانتخابية قبحا وكذبا وسلم العراق وشعبه لهاتين الحيثيتين وعايشهما، ولتوضيح الفكرة علينا الذهاب الى تفصيل كل من الدعاية السياسية والدعاية الانتخابية. ان الفارق بين الدعاية السياسية والدعاية الانتخابية تتلخص بعاملين: الأول هو الوقت، فالأولى مستمرة لفترات أطول من فترات الدعاية الانتخابية بينما تدخل الدعاية الانتخابية ضمن تصنيف العمليات السياسية الوقتية لأنها تبدأ وتنشط قبيل الفترات الانتخابية، ويزول الفارق والفاصل بين المفهومين ويتحدا اذا ما قلنا ان الدعاية الانتخابية عملية مستمرة باستمرار العمل السياسي، والأساس في كلتا الاثنتين هو التأثير بالرأي العام والتلاعب به وتعديل الإدراك والأحكام التقييمية للفئة المستهدفة بتلك الدعاية وبما يتناسب وحجمها ونوعيتها. وهنا علينا الإيمان بأفكار المدارس التي ترى الدعاية الانتخابية عملية مستمرة باستمرار عمر الحزب السياسي او عمر السياسي ذاته، اي طوال ممارسته السياسية.
أما الفارق الثاني بين الدعاية الانتخابية والسياسية بشكل عام، هو ان الأخيرة تمارس من قبل النخبة السياسية وقادة الأحزاب والمسؤولين الحكوميين والساسة، وهي موجهة نحو الجمهور وبين الساسة والأنظمة السياسية أيضا لتثبيت أركان حكم ما والحفاظ على المناصب، بينما يمارس الدعاية الانتخابية المرشحون للانتخابات وهي موجهة باتجاه الجمهور للفوز بالانتخابات، ليس الجمهور كله، بل الجمهور المعني بالتصويت، وهو أيضا ينقسم الى أقسام كثيرة. ويرتبط كل من الدعاية الانتخابية والسياسية بنسق فكري خاص لابد ان يتصل بالتراث البيئي والمحلي والحالة الاجتماعية والاقتصادية لذلك الجمهور، والغريب في الوضع العراقي المحلي ان الدعاية الانتخابية بشكلها الذي شاهدناه خلال الانتخابات التي مرت كان وضعا غريبا عن الممارسة الحقيقية في اغلب صوره، وقد أسس لفساد الدعاية الانتخابية، كما ان الدعاية السياسية أصلا تعاني من الفساد، وهذا الفساد تمثل في ترجمة الفشل في الدعاية السياسية الى كذب في الدعاية الانتخابية، ولم تصدق الدعايات الانتخابية من حيث تنفيذ الوعود التي أطلقت خلال الانتخابات الماضية.
والخلل يكمن في البدايات (الدعايات السياسية الأولية)، ولنبدأ مع الدعاية السياسية، وكما نعلم ان الدعاية السياسية بدأت بمرحلة ما بعد 2003 وفق المشهد المسرحي الذي قدمه الاميركان وممثلهم بالعراق بول بريمر الحاكم المدني في العراق، وكانت هجينة اعتمد فيها على مكونات معينة لتتولى العملية السياسية، هذه المكونات تتألف من المعارضين في خارج العراق، وآخرون لديهم موروث قديم مع الانكليز والملكية وما تلاها، ولا نريد الخوض في الأسماء، اما النوع الثالث فهم اصحاب الجنسيات المزدوجة، واغلبهم من اصحاب المهن العامة في اميركا وبريطانيا. وهؤلاء كلهم في خليطهم غير المتجانس اعتمدوا دعاية سياسية قوامها تخدير المواطن العراقي وتركه يعيش في احلام وينتظر سنة بعد اخرى ووعود تليها وعود والانتقال في ازمات (طائفية، قومية، جغرافية، خدماتية، امنية، الخ)، وبحكم التجارب السابقة والمنطق السياسي، فان الدعاية السياسية الفاسدة تؤسس عرفا سياسيا فاسدا بين السياسي والمسوس، وتزرع اللا ثقة وتطيح بكل المبادئ المتمثلة بحب الوطن والولاء للوطن وخدمة الصالح العام. والسبب ببساطة هو ان المواطن يرى ساسته منقسمين الى ارهابيين وسراق وآخرين صامتين ارتضوا لأنفسهم العيش بين هؤلاء. ومن ذات المنظور تنطلق الدعاية الانتخابية، والعملية مترابطة متلازمة فالدعاية الانتخابية هي وليد الدعاية السياسية وتكملة لها، ولا يمكن لاي حزب ان يتبنى دعاية انتخابية مغايرة لدعايته السياسية ومنهاجه الذي يسير عليه، كما هو حال الكتل السياسية التي تسير العملية السياسية اليوم، فهل تتطابق برامجها السياسية؟ وهل يمكن للتحالف الكردستاني على سبيل المثال التنازل على ثوابته في ضم كركوك وغيرها من المناطق المختلطة الى حصته الجغرافية؟ او هل يمكن للعراقية كمكون سياسي ان تعلن في دعايتها الانتخابية انها مع تجديد ولاية ثالثة للمالكي؟ وكذلك الأمر مع كتلة الأحرار التي ليس بمقدورها ان تعلن في دعايتها الانتخابية انها مع تقسيم العراق الى اقاليم ثلاثة. لذا فان الناخب العراقي عليه ان يتسم بالواقعية وان لا ينجرف وراء الوعود التي قد تطلقها بعض الكتل والأحزاب في دعايتها الانتخابية، ولابد من التأسيس أولا لدعاية سياسية صادقة مبنية على ثوابت وطنية لنضمن مخرجا صحيحا ودعاية انتخابية صحيحة. اما الأحزاب والكتل والكيانات السياسية، فعليها ان تعيد النظر في دعايتها السياسية وان تصدق مع الجمهور وتمد جسور الثقة، والا فان المواطن العراقي لن يقوى على تحمل أربع سنوات أخرى مبنية على الوعود الكاذبة والفساد المستشري.والسؤال المهم ماذا ينتظر الناخب العراقي اليوم، وهل ستقنعه الدعايات الانتخابية مهما كانت براقة وملمعة، طالما ان الدعاية السياسية التي تسوق له قد خرجت الى ما هو ابعد من مديات الفشل والانحطاط والفساد والأزمات. الإجابة متروكة بكل تأكيد للناخب العراقي وعليه ان يفتش جيدا في الدعايات السياسية ويقارن بينها وبين الدعايات الانتخابية، حينها سيكون بمقدوره التشخيص وبسهولة الصالح منها والطالح.

أحدث المقالات