التغيير ما بعد 2003 شهد تحولا كامل بنظام الحكم في الجمهورية العراقية بشكل مفاجئ لم يمارسه الشعب من قبل, والتحولات الخاصة بالحكم تحتاج إلى أرضية خصبة, ومقدمات توضح ذلك التغيير بشكل سلس, حتى لا يحكم على التجربة بالفشل نتيجة سوء التقدير والمعرفة.
نتيجة لذلك أخذ العراق وكما نص دستوره لعام 2005 بالنظام البرلماني أو ما يعرف بنظام الأغلبية, لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن, وتعكزت التجربة الديمقراطية العراقية الفتية على اللجوء إلى المشاركة السياسية من قبل الجميع في إدارة الحكم .
هذا الأمر, سبب العديد من المشاكل التي لامست المواطن ووقع ضحية تطبيق ذلك المبدأ, دون أن توفر له حكومته ابسط متطلبات الحياة بدء من خدمات الماء والكهرباء ومجاري الصرف الصحي وانتهاء بالمشاكل الكبرى في البلد, من قبيل السياسة الرعناء في أدارة الأزمات التي تسببت بانتكاسة العاشر من حزيران لعام 2014 وما تلاها من مشاكل سابقة ولاحقة ألقت بظلالها على الوضع العام في العراق .
إن مبدأ المشاركة (المحاصصة) في الحكم, والذي يعني مشاركة جميع الفائزين في أدارة الحكم بموجب حصص وزارية ومواقع حكومية توزع بنسب عدد مقاعد كل كيان, أضحى تجربة مريرة لم يشهد لها العالم من مثيل أرجعت البلد إلى الوراء دون أن تحقق له أي خدمة حقيقية.
ووفرت فرصة للجميع لكي يخلي مسؤوليته من التقصير, ولا يتوقف الأمر عند ذلك, بل برزت ظاهرة جديدة مفادها إن من يشترك في الحكم أصبح منتقدا ومعارض لسياسة وإجراءات الحكومة التي هو فيها, وبالفعل هذه الظاهرة عجيبة غريبة يتوقف علم المنطق عن ترجمتها !
إن الأخذ بالطريق الصحيح لإدارة الحكم وتطبيق النظام البرلماني بشكل صحي, يعتمد الأغلبية في أدارة الحكم في مقابل أقلية معارضة محترم رأيها, تعمل على تصحيح وتصويب الأخطاء الحكومية, لكن في ظل التنوع المجتمعي العراقي نحتاج إلى وجود أغلبية تتسم بروح الوطن تقابلها أقلية بذات السمة دون اعتماد الأغلبية العددية فقط .
إن الذهاب إلى الأغلبية الوطنية في تشكيل الحكومة القادمة, سيسقط العديد من الوجوه والأحزاب المتشبثة بالحكم منذ التغيير وسيضيع الفرص على من اعتقد بأن الدولة العراقية سفرة ممدوه له لكسب الأموال.
لا نستبعد وجود معارضة خارجية لتطبيق الأغلبية الوطنية في تشكيل الحكومة, وذلك من خلال التأثير على قرار بعض الأحزاب والتيارات السياسية الفائزة بالانتخابات العراقية, غير أن الإرادة الشعبية الطامحة للتغيير ستحقق مرادها حتى وأن طال الزمن وصمت الأذهان من قبل السياسيين عن ذلك.
إن الرجوع إلى مبدأ المشاركة في تشكيل الحكومة المرتقبة, يعني البلد ذاهب للمجهول والوضع سيتعقد كثيرا وسنربح رضا الدول المجاورة وأحزابها المؤثرة فيها الطامحة لسلطة, ونخسر الرضا الشعبي للأبد.
الأمر هذا, ينذر بخطورة كبيرة ستعقد الوضع السياسي الداخلي الذي قد يصل لمرحلة الثورة ضد النظام السياسي ككل, وكل ذلك بسبب الجهل في فهم النظام الديمقراطي وطمع الأحزاب في نيل النصيب من توزيع الحصص .