( الصورة الثانية كسر حاجز الخوف )
عمت حالة الألم والقنوط والتداعي النفسي والمعنوي العراق وكل مساحة الامة العربة والاسلامية . أنكسار رهيب للصورة التي كان قد رسمها جمال عبد الناصر للقدرة العربية والمكانة المغالياً بها السياسية والعسكرية . ضلام حالك يسوده تداعي وانكسار نفسي ليس له نظير . أحتلال سيناء وغلق قناة السويس وأنشاء خط بارليف المحصّن و احتلال الجولان والقسم الاخيرمن الاراضي الفلسطينية التي كانت تحت الرعاية الاردنية . تمر الايام سريعا يعلن جمال عبد الناصر تنحيه عن السلطة , يخرج الشعب المصري رافضا القرار مطالباً جمال بالاستمرار بالقيادة , يعاود جمال القيادة ويبدأ عملية ترميم واعادة تنظيم وضع مصر العسكري والسياسي والاقتصادي , وكذلك الحال في الجانب السوري والاردني . لكن الخوف وعدم الثقة هو السائد في الوسط الشعبي العربي العام .
العراق يقول : يا حوم اتبع لو جرّينا چم لحيه وشارب گصّينه .
في العراق يتمكن حزب البعث العربي الاشتراكي من تسلم السلطة معلناً بأنها حالة الرد على النكسة سمّاها ” الثورة البيضاء ” عمل متسارع دؤوب لأقرار كثير من الامور لصالح الوطن والمواطن ابرزها قرارات تأميم النفط . عند تصفحنا للجرائد العراقية نجد كل يوم قرار . حركة سريعة من البناء في كل جوانب الحياة ” ألاقتصادية والعسكرية والسياسية والبنية التحتية والعلمية الصناعية والزراعية ” أحدثت طفرة نوعية ملموسة تحوّل فيها العراق من حال الى حال . في حديث مع احد الشيوعين قال ان البعثيين أشجع من الشيوعين في نظالهم لقد استطاعوا ان يستلموا السلطة مرتين في العراق خلال خمس سنين . في 28 سبتمبر 1970 يتوفى جمال عبد الناصر . يحل محله محمد انور السادات كزعيم لمصر .
كان العرب يعملون بجد غير معلن لتعويض ما فقدوه من خسائر وخاصة دول المواجهة في الجانب العسكري والمعنوي’ تسودهم عدم الثقة مع بعضهم ومع العالم . كان للعراق تواجد عسكري على الجبهة المصرية من خلال قوته الجوية ” اسراب الهوكر هنتر ”
ياحوم أتبع لو جرّينا چم لحية وشارب كصّينه ” في 6 أكتوبر تشرين أول سنة 1973 ـ العاشر من رمضان , شنت القوات العسكرية المصرية والسورية حرب مفاجئة على اسرائيل . ” كاسرة حاجز الخوف أسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر ” لم يخبروا العراق بهذه الحرب . أشتركت اسراب الهوكر العراقية المتواجدة على الجبهة المصرية بالضربة الاولى وكانت لها المبادأة والفاعلية القوية المؤثرة وبشهادة القادة المصرين انفسهم مثل سعد الدين الشاذلي وحسني مبارك والرئيس السادات . عند سماع العراق خبر الهجوم العربي واعلان الحرب من خلال الأذاعات العربية , سارع في تجييش قواته المسلحة وبكل طاقاتها وصنوفها البرية والجوية الى اقصاها حتى ان اعداد من دباباته سارت على سرفها للوصول للجبهة السورية والاشتراك بالحرب فكانت الملحمة رغم حالة العداء والقطيعة بين النظامين السوري والعراقي أيام حافظ الاسد . خرجت الجماهير العراقية بحشود كبيرة تحيي وتودع قواتها المسلحة البطلة هاتفة وبصوت عالي على طول الحدود الممتدة من بغداد لحد سوريا ” وين يروح المطلوب إنَ ” . دخلت القوات العراقية الجوية والبرية وخاصة صنفي الدروع والقوات الخاصة , فكانت المحرقة للجيش الاسرائيلي في معارك الدبابات في تل عنتر والتطاحن الرهيب في جبل الشيخ بين القوات الخاصة العراقية والاسرائيلية . والتي اعادت هذه المعارك ذاكرة اسرائيل عن عنفوان وقوة واصرار القوات العراقية في حرب 1948 والتي كان آخرها معارك ” كومتش ” التي استحال على الجيش الاسرائيلي الدخول بعدها بأية معركة مع القوات العراقية , والتي تموضعت على مشارف تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني أحد عشر كيلو متر عنها . والشيء بالشيء يذكر . عند المعارك الطاحنة مع عصابات أسرائيل بقيادة المرحوم البطل العراقي المغوار الغني عن التعريف ” عمر علي ” تم قتل عدد من الصهاينة المعتدين في اشتباك عسكري واحتفظت القوات العراقية بالاسرى وبجثث القتلى من بينهم جثة ابنة رئيس الكيان الغاصب اسرائيل ” بن غوريون ” طالب بن غوريون بجثة ابنته فقط ولم يطالب بغيرها . رد عليه القائد “عمر علي ” في واقعة ليس لها مثيل بأن طلب من الرئيس الاسرائيلي الحضور بنفسه والانحناء للقائد العراقي عمر على والانسحاب مسافة أحد عشر كيلو متراً عن التماس مع القوات العراقية حتى يتم تسليمه الجثة . وفعلاً تم ذلك ” حضرَ وأنحنى وأنسحب ” وعلى اثرها تقدمت القوات العراقية واحتلت مكان القوات الاسرائيلية .. ولولا تواجد القوات العراقية في سوريا لسقطت دمشق بيد اسرائيل . خططت القوات العراقية العسكرية والسياسية مع النظام السوري لهجوم معاكس لأستعادة كل هضبة الجولان والتوغل داخل اسرائيل , لكن النظام السوري تراجع في لحضاته الأخيرة ووافق على وقف اطلاق النار . مطالباً القوات العراقية بالانسحاب من سوريا وبدفع كل التكاليف البسيطة مثل أجورالماء والكهرباء . استنكر العراق اجراء وقف اطلاق النار ولم يوافق عليه وأعتبر بأن هذه الحرب ” حرب تحريك لا حرب تحرير ” قبل الحرب كان العراق يرفع شعار ” كُلَ شيء من اجل المعركة ” ويتندر الكاتب المصري ” انيس منصور ” ويقول متهكماً ” أكل شيء من أجل المعركة ” الحق يقال بأن الجيش المصري حقق انجاز كبير في هذه الحرب فقد تمكن من خرق خط ” حاييم بارليف ” رغم تحصينه القوي مستخدماً وسائل غير متوقعة مثل مضخات المياه لفتح ثغرات كبيرة في السد والدخول لعمق 22كيلو متر لعمق سيناء وتحرير كامل شريط قناة السويس . ونجاح قيادة مصر العسكرية في اختيار توقيت المعركة التي كانت في صالح القوات المصرية مثل الساعة النهارية بحيث تكون الشمس في وجه الجندي الاسرائلي أثناء الهجوم فتعيقه عن المشاهدة بصورة طبيعية و اختيار اليوم كان يوم عيد الغفران عطلة للجندي الاسرائيلي و العاشر من رمضان الذي يوحي للجانب الاسرائيلي بعدم التفكير من الجانب المصري بالقيام بالعمل العسكري . لكن الضرر الكبير قد حدث في ثغرة الدفرسوار التي كانت مؤشرة بالحجر الاحمر من الجانب الاسرائيِلي التي عبرت منها وبالقرب من القوات الكويتية المتواجدة في هذه المنطقة ولم تتحرك . وصلت القوات الاسرائيلية وكان هدفها الاساس ” تدمير منصات صواريخ سام المضادة للطائرات ” لكنها طورت هجومها وتوغلت للعمق وحاصرت الجيش الثالث المصري رغم الحاح القائد المصري سعد الدين الشاذلي لمواجهتها في بداية عبورها وايقافها لكن كان للقيادة العليا العسكرية وجهة نظر فكانت الخسارة بمحاصرة الجيش الثالث . ورغم هذا لم يحقق الجيش الاسرائيلي اي امتياز ميداني مهم بالعرف العسكري فالمناطق المدنية ضلّت خارج السيطرة الاسرائيلية وقناة السويس تحت السيطرة المصرية والمناطق التي سيطر عليها الجيش المصري بقت تحت السيطرة . اسرائيل كانت سعيدة بموافقة الاطراف العربية السورية والمصرية على وقف الحرب . حيث ان لأسرائيل في الجانب المصري المحتل ” سيناء ” أربع فرق عسكرية وهذه مسألة عويصة وشائكة في العرف العسكري من ناحية ” المناورة في التحريك والنقل ” كانت تخشى الجبهة السورية والاردنية والاصرار العراقي لدعمها في محاربتها لأسرائيل . فأسرائيل عاجزة على المناورة في قواتها على هذه الجبهات . فنقل فرقتين عسكريتين من الجبهة المصرية لجبهتي سورية والاردن وتهيئتها للقتال يتطلب اياماً وهذا الزمن كفيل بحدوث كوارث غير محسوبة , لذا كانت اسرائيل مستميتة في معالجة هذا الامر بكل الطرق لوقف اطلاق النار. فكان الاتفاق والشروع بمشروع السلام . استنكره العراق بشدة واصرار . على هذا الاساس والفعل العراقي المخيف لأسرائيل . عمل الجانب الاسرائيلي والاستعماري الاميركي البريطاني في العمل على تدمير قوة العراق الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية وتخريب بنيته التحتية والعلمية . . تحياتي للقارئ الكريم لقائنا في الصورة الثالثة .