خاص: قراءة- سماح عادل
في هذه الحلقة من الملف سوف نعرض كتاب “دليل السيناريست” للكاتب “كريستوفر فوغلر” ترجمة “زياد خاشوق”، ويعترف الكاتب بتأثره الشديد بكتاب “البطل ذو الوجوه الألف” ل”جوزيف كامبِل” الذي يعتمد على دراسة الأساطير وبنيتها.
البطل ذو الوجوه الألف..
يبدأ الكاتب بمدح ذلك الكتاب مؤكدا أن كتاب “البطل ذو الوجوه الألف” ل”جوزيف كامبِل” هو أحد الكتب الأكثر تأثيراً في القرن العشرين، حيث يعكس “البطل ذو الوجوه الألف” رؤية “كامبِل” الشخصية لموضوعٍ أزلي من مواضيع التراث الشفوي والأدب “أسطورة البطل”، فعند دراسته لأساطير الأبطال في العالم أجمع، اكتشف “كامبِل” أنها تتناول جميعاً القصة نفسها، قصة تُروى إلى ما لا نهاية، وبحسب تنويعات متعددة.
لقد اكتشف أن جميع الحكايات، من القصص الأكثر سوقية إلى أهم الإبداعات الأدبية، تُكرر بشكل واعٍ، أو غير واعٍ، النماذج الأسطورية القديمة، ويمكن تحليلها بحسب رحلة البطل، “الأسطورة الوحيدة” التي يصف مبادئها في كتابه.
رحلة البطل..
ويؤكد الكاتب أن رحلة البطل تشكل موضوعة كونية مشتركة مع الثقافات كافة وتوجد في كل العصور، بتنوع يعادل تنوع الجنس البشري، مع بقائها متماثلة في شكلها الأساسي. هذه المجموعة من العناصر الثابتة إلى حد لا يصدق تنبثق إلى ما لا نهاية من أعمق أعماق الروح البشرية ولا تختلف إلا بالتفاصيل بحسب الثقافات. مضيفا أن “جوزيف كامبِل” يرتكز على نظريات عالم النفس السويسري “كارل ج. يونغ” بخصوص “النماذج البدئية” التي هي شخصيات وطاقات تتكرر دون نهاية، وتوجد في أحلام كل واحد منا وفي أساطير الثقافات كافة. فقد فهم “يونغ” أن هذه النماذج البدئية تكشف أوجهاً عديدة من الفكر البشري، التي يمكن أن تتبناها شخصيتنا لتمثيل مسرحية وجودها الخاص.
ولاحظ أن هناك تطابقاً وثيقاً بين الشخصيات التي يحلم بها مرضاه والنماذج البدئية في الميثولوجيا، وحينها أعلن “يونغ” فرضيته بأن أحلام مرضاه والنماذج البدئية في الميثولوجيا تَصدر عن منشأ أعمق، أي اللاوعي الجمعي لدى الجنس البشري. فشخصيات الميثولوجيا العالمية المعروفة جيداً كالبطل الشاب والشيخ الحكيم والمتآمر والمعارض الغاشم تناسب تلك الشخصيات التي تملأ أحلامنا وهلوساتنا.
من جهة أخرى، إن هذه الحكايات تعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها الفكر البشري. إنها معقولة نفسياً وواقعية من الناحية الانفعالية، حتى عندما تصف حوادث غريبة مستحيلة أو غير واقعية. وهذا يفسر القدرة الشاملة لمثل هذه الحكايات، وتمتع القصص المكتوبة على نموذج رحلة البطل بسحر يمكن للجميع أن يدركوه إذ أن مصدرها هو اللاوعي المشترك، وتعكس اهتمامات عمومية.
إن الموضوعات الميثولوجية التي قام “كامبِل” بالتعرف عليها وتحديدها في “البطل ذو الوجوه الألف” يمكن استخدامها من أجل فهم جميع المشاكل الإنسانية تقريباً. إنها تمثل مفتاحاً رائعاً لفهم الحياة وأداة أساسية من أجل مخاطبة جمهور واسع بشكل فعال.
قصة رحلة البطل..
رحلة البطل بالرغم من التنوع اللانهائي في أحداث القصة، تبقى قصة رحلة. يغادر البطل بيئته الاعتيادية والمريحة ليغامر في عالم مجهول ومليء بالتحديات. يمكن أن يتخذ هذا البحث شكل انتقال نحو مكان حقيقي: متاهة أو غابة أو كهف أو مدينة أو بلد مجهول تغدو حينها مسرح معركته ضد القوى المعاكسة والمتحدية. وهناك قصص أخرى تأخذ البطل في رحلة داخلية، رحلة الفكر والقلب والشجاعة.
في كل حكاية جيدة يكبر البطل وينمو. وينتقل بشكل دائم من القلق إلى الأمل من الضعف إلى القوة ومن الجنون إلى الحكمة. هذه الحالات النفسية تتضمن في ذاتها شحنة انفعالية قوية بما يكفي لجذب انتباه الجمهور وجعل القصة جديرة بالمشاهدة.
مراحل رحلة البطل..
١- العالم الاعتيادي.
٢- نداء المغامرة.
٣- رفض النداء.
٤- اللقاء مع المنتور.
٥- عبور العتبة الأولى.
٦- الاختبارات والحلفاء والأعداء.
٧- الاقتراب.
٨- الاختبار الأقصى.
٩- المكافأة.
١٠ – طريق العودة.
١١ – البعث.
١٢ – العودة بالإكسير.
١- العالم الاعتيادي..
إذا قررتم إظهار بطلكم خارج موطنه المألوف، عليكم، قبل كل شيء، عرضه من خلال حياته في العالم الاعتيادي من أجل إظهار التناقض الجلي مع العالم الجديد غير الاعتيادي الذي سوف يدخل فيه.
٢- نداء المغامرة..
البطل الذي يعرض علينا ينبغي أن يواجه مشكلة أو أن يقبل تحدياً أو أن يباشر مغامرة. تجاه نداء المغامرة هذا، لا يمكنه البقاء إلى ما لا نهاية في رفاه العالم الاعتيادي. يحدد نداء المغامرة قواعد اللعبة ويعرف هدف البطل بشكل واضح: الحصول على الكنز، إغواء الشخص المحبوب، الانتقام، إحقاق الحق، تحقيق حلم، مجابهةُ تحدٍ أو تغيير حياة.
٣- رفض النداء..
غالباً في هذه المرحلة من الحكاية، يصاب البطل بالخوف ويتردد في الانخراط في المغامرة. حينها يرفض النداء، أو يعبر عن نفوره من اجتياز نقطة اللاعودة، وهذا لأنه يواجه أكبر هلع إنساني: الخوف من المجهول.
مازال بإمكانه أن يعود على أعقابه. وهنا لا بد من وجود تأثيرات أخرى: تغيير في الظروف، اعتداء جديد، تشجيع، إذ أنها تغدو حينها ضرورية من أجل اجتياز هذه العتبة المتأزمة.
٤- اللقاء مع المنتور (الشيخ الحكيم أو الأم الطيبة)..
تشكل العلاقة بين البطل ومنتوره أحد الموضوعات الأكثر تكراراً والأكثر غنى برموز الميثولوجيا. يمثل المنتور العلاقة بين الأهل والأولاد، الأساتذة والطلاب، الطبيب والمريض، الإله والمخلوق. ويمكن أن يظهر بأشكال متنوعة ومختلفة مع ذلك، لا يمكن للمنتور أن يسمح لنفسه بكل شيء مع البطل. ففي نهاية المطاف ينبغي على البطل أن يجابه المجهول بنفسه ولوحده وأحياناً ينبغي على المنتور أن “يوجه له الركلات” من أجل أن يجعل المغامرة تتقدم.
٥- عبور العتبة الأولى..
تمثل هذه المرحلة اللحظة التي ينخرط فيها البطل بشكل كامل في المغامرة، إذ أنه، باجتيازه للعتبة الأولى، ينفُذ بشكل حقيقي إلى عالم القصة الاستثنائي للمرة الأولى. وبهذا يوافق على الاضطلاع بحل المشكلة أو بالتحدي الذي يمثله نداء المغامرة ونتائجه.
في تلك اللحظة تتخذ القصة بعداً جديداً، والمغامرة انطلاقة حقيقية تتمفصل الأفلام غالباً على ثلاثة فصول تمّثل: الفصل الأول: قرار البطل الانخراط بالعمل، الفصل الثاني: العمل بحد ذاته، الفصل الثالث: نتائج العمل.
٦- الاختبارات والحلفاء والأعداء..
بعد أن يتم اجتياز العتبة الأولى، يصادف البطل اختبارات جديدة وتوجه إليه تحديات جديدة. ينشئ لنفسه، في آن واحد، الحلفاء والأعداء. يبدأ بتعلم قواعد اللعبة في هذا العالم الفائق الذي يحاول النفاذ إليه.
٧- بلوغ قلب الكهف (الاقتراب)..
أخيراً يصل البطل إلى تخوم مكان خطر، أحياناً ضمن أحشاء الأرض حيث يكون الشيء المرغوب قد خبئ. وغالباً أيضاً ما يكون ذلك مقر أو معسكر أشد أعدائه ضراوة، أي المكان الأكثر خطورةً في العالم الاستثنائي، الكهف العميق. عندما ينفذ البطل إلى هذا المكان المخيف، يجتاز العتبة الثانية والأهم في رحلته. غالباً ما يتوقف الأبطال لفترة وجيزة من أجل التحضر للتغلب على هجوم حراس الشرير. وهذه المرحلة من الرواية تسمى الاقتراب.
٨- الاختبار الأقصى..
في هذه المرحلة يصل مصير البطل إلى النقطة الحرجة الكبرى. إنه يتواجه بشكل مباشر مع أكبر مخاوفه. يجابه الموت ويجد نفسه في عشية معركة مع قوة معادية. الاختبار الأقصى لحظة قاتمة بالنسبة للمشاهدين الذين تصيبهم الإثارة بالقلق من أجل معرفة ما إذا كان سيعيش أو سيموت.
٩- المكافأة (استلام السيف)..
بعد النجاة من الموت أو الانتصار على التنين أو صرع (الوحش) أو أية مواقف مثيلة أخرى، يصبح لدى البطل، والجمهور أيضاً، مبررات جيدة لإظهار فرحهم. يمكن الآن للبطل أن يحصل على الكنز الذي كان يسعى إليه، أي مكافأته. ويمكن لهذه المكافأة أن تتنوع.
10- طريق العودة..
لكن بطلنا لم ينج بعد من الخطر. وننتقل الآن إلى الفصل الثالث من الحكاية. نجد أن البطل ما زال يتصارع مع نتائج انتصاره على القوى الغاشمة في الاختبار الأقصى. إذا لم يكن حتى الآن قد نجح في التصالح مع العائلة أو الآلهة أو القوى الأخرى المعادية، فإنها توشك أن تنقض عليه.
11- البعث..
في قديم الزمان، كان على الصيادين والمحاربين أن يغتسلوا من الدم الذي يكون قد لطخ أيديهم قبل العودة إلى أهلهم. وبعد إقامة البطل في مملكة الأموات، عليه أن يولد من جديد وأن يتطهر عبر اختبارٍ أخير يمر فيه على الحياة والموت قبل العودة إلى عالم الأحياء الاعتيادي.
12- العودة بالإكسير..
يعود البطل إلى العالم الاعتيادي. ولكن، لكي يكون لرحلته معنى، عليه حتماً أن يعود بالإكسير: كنز، أو أمثولة من العالم الفائق. الإكسير هو عقار سحري ذو تأثير مدمِل شافٍ. يمكن أن يكون كنزاً كبيراً كالكأس الذي يشفي بشكل عجائبي الأرض الجريحة، أو مجرد المعرفة والخبرة اللتين ستفيدان يوماً ما المجتمع.
رحلة البطل هي شبكة التطريز الأساسية للقصة، وكل كاتب يطرز عليها التفاصيل والمغامرات التي يختارها. ينبغي أن تبقى هذه البنية خفية ولا يجب إتباعها حرفياً بشكل إلزامي، إذ يمكن حذف بعض المراحل وإضافة أخرى دون أن تفقد هذه المراحل من قوتها.
النماذج البدئية..
يستخدم المحلل النفسي السويسري “كارل يونغ” عبارة النماذج البدئية لوصف هذه الشخصيات النموذجية، هذه الرموز وهذه العلاقات السائدة
والدارجة التي تنتمي إلى إرث الإنسانية المشترك. يمكننا أيضاً اعتبار النماذج البدئية الكلاسيكية بمثابة وجوه لشخصية البطل.
بين النماذج البدئية الأكثر استخداماً وشيوعاً والأكثر فائدة والتي تعتبر معرفتها مفيدة للكاتب يمكننا أن نذكر:
- البطل.
- المنتور (العجوز الحكيم أو الأم الطيبة).
- حارس العتبة.
- الرسول.
- الشخصية المتحولة.
- الظل.
- الألعبان.
بالطبع هناك عدد أكبر من ذلك بكثير، بقدر ما هناك مزايا ونقائص بشرية. تعج حكايات الجنيات بالنماذج البدئية: الذئب، الصياد، الأم الطيبة، الخالة الخبيثة، الجنية العرابة، الأمير أو الأميرة، صاحب النزل الجشع وهكذا دواليك كل منها يضطلع بدور نوعي.
التماهي..
وجود البطل له هدف درامي ألا وهو أن يفتح نافذة على الرواية. كل شخص يستمع إلى حكاية أو يشاهد مسرحية أو فيلماً مدعو منذ بداية القصة إلى التماهي مع البطل والاشتراك ببحثه ورؤية عالم القصة بعينيه. يحصل الرواة على هذا التماهي بإعطائهم للبطل مجموعة من المزايا والخصائص الشمولية والفريدة في آنٍ واحد. يتمتع الأبطال في الواقع بسمات طبائعية يمكننا التعرف إليها وإيجادها في أنفسنا. وهكذا نكون مدعوين إلى استثمار جزء من شخصيتنا في البطل خلال فترة التجربة. وبشكل من الأشكال نصبح لِلحظة ما “البطل”. نعكس أنفسنا في نفسيته، وندرك العالم بعينيه. وينبغي على البطل أيضاً أن يبرهن عن مزايا جديرة بالإعجاب تجعلنا نتمنى أن نتشبه به.
عيوب وثغرات الطبائع..
يمكن لبعض مظاهر الضعف الهامة أن تجعل شخصية ما أكثر إنسانية. إننا نتعرف على شيء من أنفسنا في بطل يواجه التحدي بالتغلب على شكوكه الداخلية، وأخطائه في التفكير والحكم وذنوبه، وأزماته الماضية، أو خوفه من المستقبل. العيوب والضعف تجعل البطل حقيقياً أكثر ومثيراً أكثر. في الواقع، يبدو أنه، كلما كانت الطبائع عصابية، أحبها الجمهور وتماهى معها.
للقصة شكلان..
هناك طريقتان لإنهاء رحلة البطل: الطريقة التقليدية أكثر والمفضلة في الثقافة الغربية وبشكل خاص في الأفلام الأمريكية، تتمثل بالشكل الدائري. يعطي هذا الشكل انطباعاً بالانتهاء وبإغلاق الدائرة. الشكل الثاني وهو أكثر شعبية في آسيا وفي الأفلام الأسترالية والأوروبية، هو المقاربة المفتوحة التي تقبل بوجود الالتباس وتترك بعض الأسئلة دون إجابة وبضع نزاعات غير محلولة. وإذا كان الأبطال يتوصلون، في المقاربتين، إلى مستوى من الوعي أعلى، فإنهم، في الشكل المفتوح، لا يتوصلون إلى الإلمام بالأسئلة كافة.
القصة ذات الشكل الدائري..
الشكل الدائري المغلق هو المخطط الأكثر تداولاً. ينطلق البطل من نقطة محددة على محيط الدائرة، ويتابع التقدم على ذلك المحيط إلى أن يعود إلى نقطة البدء. حينها، تُغلِق العودةُ الدائرَة بشكل مجازي أو بصري. يستعيد بعض السينمائيين صورة أو حواراً أو موقفاً من الفصل الأول. هذا أحد أشكال ربط خيوط القصة التي بقيت فالتة وإنهاء القصة بشكل واضح. فقد استطاعت الصور والعبارات اكتساب معنى جديد بعد أن أنهى البطل رحلته. يمكن أن يعرض الموضوع ثانية خلال العودة. العديد من التأليفات الموسيقية تعود إلى الثيمة الأولية وتعيد تشكيلها في النهاية.
تحقيق الكمال..
النهايات السعيدة في أفلام هوليوود تتشابه مع نهايات حكايات الجنيات
السعيدة. غالباً تنتهي حكايات الجنيات بشرح من نوع: “وعاشوا سعداء إلى
آخر الأزمان”. تعيد حكايات الجنيات للعائلات المشتتة توازنها وتسمح باكتمالها. غالباً ما تنتهي القصص بزواج ينهي عزوبية البطل ويرمز إلى
حياة جديدة في كنف انسجام جديد.
نصائح إلى الكاتب..
يحرص الكتاب في النهاية على تقديم نصائح إلى كاتب السيناريو: أيها الكاتب، انتبه! نموذج رحلة البطل دليل، وليس كتاب وصفات ولا صيغة رياضية تطبق بشكل منهجي على أية قصة كانت. ولكي تكون القصة فعالة، ليست بحاجة للتقيد بشكل أعمى بمبادئ هذه المدرسة ولا أية مدرسة أخرى. المقياس الوحيد للنجاح أو للتميز في قصة ما ليس في التماثل مع نموذج محدد تماماً ولكن ديمومة فعاليتها وتأثيرها على الجمهور.
إن إكراه قصة ما على التقيد بنموذج بنيوي كَمِثلِ وضع العربة أمام الثيران. يمكن كتابة قصص جيدة لا تتضمن سمات رحلة البطل كافة، لا بل إن هذا لمستحب. يعشق الناس رؤية القواعد والمخططات الراسخة جيداً وقد أعيد التعامل معها بشكل إبداعي. يمكن لقصة أن تنسف كل القواعد ومع ذلك تلامس الحساسية الإنسانية الشاملة.
تذكّر: احتياجات القصة تُملي بنيتها وعلى هذا فإن الشكل يتبع الوظيفة. إن معتقداتكم وأولياتكم وكذلك الشخصيات والموضوعات والأسلوب والنبرة والجو الذي تريدون أن يسود تحدد شكل ومخطط الحبكة. وكذلك تتأثر البنية بالجمهور وباللحظة والمكان اللذين تتم فيهما الحكاية.
يتغير شكل القصص مع احتياجات الجمهور. سوف يستمر إبداع أنماط جديدة من القصص بإيقاعات متنوعة. بفضل التلفاز وأساليب تقطيع (لقطات الموسيقى المتلفزة) فإن زمن انتباه المشاهد العالمي أصبح أقصر، ودقته أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى. يمكن للكتّاب كتابة قصص بإيقاع أسرع. يعرفون أن الجمهور سيتمكن من تبين طريقه مهما كانت التعرجات والاختصارات حين تكون البنى مألوفة لديه. فرحلة البطل ليست سوى دليل، نقطة انطلاق من أجل صناعة لغتك الخاصة وممارستك.
رحلة الكاتب..
لا يكتفي نموذج رحلة الكاتب بوصف بنية الأساطير والحكايات. إنه يعطينا أيضا مخططاً دقيقاً للأرض التي ينبغي على شخص ما اجتيازها ليصبح كائناً بشرياً، كاتباً.
رحلة البطل ورحلة الكاتب تشكلان وحدة غير منفصمة، إنهما متماثلتان. وأي شخص يمضي في كتابة قصة يلاقي مباشرة كافة اختبارات وتجارب ومسرات ومكافآت رحلة البطل. إننا نلتقي بكل شخصياته المتحولة الأشكال، ظلال، منتورات، أُلعبانات وحراس عتبة. الكتابة هي غالباً رحلة داخلية خطرة من أجل أن يثبت المرء لنفسه عمق حياته الروحية وأن يجلب إكسير الخبرة، إنها عمل ذو نوعية جيدة. يشكل ضعف احترام الذات أو الالتباس حول الأهداف الظلالَ التي تجمد عملنا.
الناشر، أو حكمنا الشخصي، حراس عتبة تسد علينا حينها الطريق. الحواجز والمشاكل المعلوماتية وإدارة الزمن والانضباط يمكن أن تعذبنا وأن تثقل على كاهلنا مثل الأُلْعبانات. الحلم اللاواقعي بالنجاة، أو التشتت هي كالشخصيات المتغيرة التي تغوينا وتربكنا وتبهرنا. المهل وقرارات النشر أو الصراع من أجل بيع عملنا هي الاختبارات والامتحانات التي تبدو وكأنها تريد القضاء علينا ولكنها تتيح لنا أن نبعث من أجل الكتابة مجدداً. ولكن لا تفقدوا الأمل، إذ أن الكتابة شيء سحري. حتى أبسط فعل كتابة هو شيء فائق للطبيعة تقريباً، وكأني به حالة من حالات التخاطر.
فكروا فقط أننا نؤدي بعض الإشارات المجردة التجريدية على قطعة ورق بترتيب معين وهناك شخص ما، في أي مكان في العالم، على بعد آلاف السنوات منا يمكنه أيضاً أن يعرف أفكارنا الأعمق. نحن الكّتاب، نشارك الشامانات قدرتهم الإلهية. ليس فقط لأننا نسافر في عوالم أخرى ولكن خيالنا يخلق عوالم جديدة خارج الزمان والمكان الذي نزوره بشكل حقيقي عندما نكتب.
أي شخص حاول الكتابة بجدية يعرف لماذا نحن بحاجة للعزلة والتركيز. إننا حقاً في مكان آخر.
عندما نطبق، نحن الكتاب، الأدوات القديمة للنماذج البدئية ورحلة البطل على قصص معاصرة نكون على “عاتق” مبدعي الأساطير والشامانات. عندما نحاول شفاء شعبنا الخاص بحكمة الأساطير نغدو شامانات معاصرة. نطرح نفس الأسئلة الساذجة والأبدية التي تطرحها الأساطير: من أكون؟ ما هو أصلي؟ ما الذي يحدث عندما أموت؟ ماذا يعني ذلك؟ أين هو مكاني؟ ما هو قدري في رحلتي الخاصة كبطل؟