انها قرية ٌ آمنة صغيرة يعيش اهلها آمنين مطمئنين اكثرهم ابناء عمومة واحدة تتوسد ذراعيها على نهر صغير عذب يفصل بين بيوتها الصغيرة شاءت الاقدار ان يقع الشاب ( أحمد ) بحب فتاة من اهل القرية وذاب في حبها لما عرف عنها من الجمال والعفة والاخلاق التي يتمناها كل شاب ناضج عاقل دامت هذه العلاقة وتطورت فيما بينهم لكن القدر كان ضدهما حين عرف أخوها بهذا التواصل فثارت ثائرته وأزبد وأرعد وحرض ابوها واوغر في صدره الحمية العشائرية . وصل الحال الى الاقتتال العشائري لولا عناية الله تعالى وبعض الخيرين من الأقرباء لأطفاء نار الفتنة برحيل الشاب واهل بيته الى الضفة المقابلة للقرية حتى تبرد النفوس وتهدأ . لكن الحب لا يعرف الحدود ولا المكان ولا الزمان عندما يتأجج في النفوس العاشقة كانت الفتاة تتحايل على اهلها وتتحين الفرص للقاء حبيبها عن بعد يتبادلان الاحاديث والمشاعر الجياشة الفائضة بالحب والاشتياق الوهاج التي تطفيها مياه النهر كلما شب سعيرها في قلبيهما .كانت احلامهما ترسم على صفحات مياه النهر الصافية كصفاء نفسهما وانفاسهما تذوب كما يذوب الثلج في الماء الذي يفصل بينهم . كانت القلوب تتهامس مع بعضها البعض بدون كلمات تنطق على الشفاه العطشى للقاء لان القلب واحد والتواصل هو الحب الذي يسري في قلبيهما والمعنى واحد مرسوم المعالم على جدرانه . اصبحت الامواج الصغيرة هي المرسال التي تحمل على محيط دوائرها كل ذبذبات كلمات الحب والشعور الوهاج بالمشاعر بينهما . كانت الفتاة تختلس الساعات لتذهب الى النهر بحجة الرعي بنعجتيها الصغيرتين تارة أو غسل الصحون تارة أخرى لتتزود من حبيبها الحب والحنان والاشتياق وتسمع منه كلمات الالم والآهات التي تذيب قلبه المتعلق بها حبا وشغفا مكتفيا بكتابتها على جدران محراب الحب .
وفي يوم من الايام قرر ( أحمد ) أن يضع حدا لمعاناته هذه ويتنازل عن كبريائه ويقدم روحه وحبه قربانا بين يدي اهل حبيبته متوجها الى بيت والدها وبصحبة والده وبعض الرجال الطيبين من اهله والذين لهم منزلة طيبة عند والدها واضعا حياته بين كفيه مضحيا بها في سبيل حبه لحبيبته ناسخا من سجل حياته كل الخوف والتردد . سمع بذلك اهل الفتاة لتقوم قيامتهم وساد الوعد والوعيد للتنكيل بالشاب الذي جلب لهم العار ولأنه مطلوب عشائريا لديهم وتعالت الاصوات في بيت الفتاة وتقاطعت الآراء ونسج كل واحد خيوط رأيه وادلى بدلوه وصل الخبر الى مسامع الفتاة فكان كالصاعة على قلبها واحست بعظم الخطر المحدق بها وبالشاب حبيبها فتوارت عن الانظار خلسة خوفا من اهلها .اجتمع القوم واحتدم الصراع والنقاش فيما بينهم والاصوات تعلوا وتغفت بين الحين والاخر هذا من يتوعد والاخر من يٌهدّأ فكان التدخل الالهي الرحيم وبعض الآيات القرآنية والصلاة على محمد وال بيته الاطهار من اهل الشاب وبعض الصالحين هدأت النفوس شيئا فشيئا وكان البطل فيها الشاب ( احمد ) العاقل الذي يملأ قلبه الحب النقي الصافي البعيد عن الكره والضغينة . ليتنازل عن كبريائه ويفسح المجال لأعادت المياه الى مجاريها والاتفاق على حل المشكلة بعين البصيرة لتكون الفتاة زوجة له ودفعا عن السن الافاكون المتصيدون في المياه الكره والحقد والتخلف وساد الجو الهدوء والحذر الا ان صوت بعيدا اصبح يقترب شيئا فشيئا يشق سحب دخان النار المشتعلة التي اُطفئت قبل قليل في الديوان لينذرهم بخبر الشؤم بانه وجدوا جثة الفتاة وهي تطفوا فوق مياه النهر واضعة حدا لمعاناتها ململمة احزانها وحبها واشواقها وآلامها وجروحها النفسية معها الى بارئها عز وجل بدون ذنب سوى انها حبسوا صوتها في صدرها الحنون في اختيار شريك حياتها بعادات وتقاليد بالية لا تعرف المشاعر ولا دين ولا اعراف انسانية لتحمْل الذنب على كل الاطراف التي ساهمت في قطف زهرة من زهور حديقة اهلها وذويها بسنن خاطئة وعقول لا تصل الى الانسانية ولترسل رسالة ان الحب الشرعي النقي العفيف لا تحده عقول لا تعرف الحب والسناين والاعراف العشائرية الخاطئة لتعلْق هذه النفس البريئة رسالة تعلن اللعنة والبراءة على من دفعها لهذه الخطوة وتعصبها برؤوس خاوية العقول المتخلفة لتزف بكفنها الابيض بنقاء ثوب العرس كعروس الى مثواها الاخير تحت الثرى حاملة احلامها وسعادتها معها.