24 نوفمبر، 2024 8:49 ص
Search
Close this search box.

سيد البحراوي.. تحمس لنظرية نقدية جديدة وكتب في مدح الألم

سيد البحراوي.. تحمس لنظرية نقدية جديدة وكتب في مدح الألم

خاص: إعداد- سماح عادل

“سيد البحراوي” كاتب وناقد وأستاذ جامعي مصري، هو السيد محمد السيد البحراوي، من مواليد 9 يناير 1953 بمحافظة المنوفية، وهو أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة.

حياته..

حصل “سيد البحراوي” على ليسانس الآداب من قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1975، بتقدير جيد جدًا، وعين معيدًا بنفس القسم في سبتمبر سنة 1975، وحصل على درجة الماجستير من نفس الكلية سنة 1979 ببحث عنوانه “التجديد في موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو”، عين مدرسًا مساعدًا بالكلية في نفس العام، كما حصل على درجة الدكتوراة من نفس الكلية سنة 1984 برسالة عن “البنية الإيقاعية في شعر السياب” نشرت سنة 1996 بالقاهرة، ثم عين مدرسًا بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1984.

قضى”سيد البحراوي” مهمة علمية لمدة عام في فرنسا (1984 ـ 1985) على نفقة الدولة المصرية، ثم ترقى إلى درجة أستاذ مساعد بتاريخ 1992،  ثم إلى درجة أستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1994، وتولى رئاسة مجلس القسم عامي 2003-  2004.

وعمل في التدريس بجامعة القاهرة كلية الآداب، وكلية الإعلام، وفرع الجامعة بالخرطوم، وبالدورة المكثفة التي عقدت للغويات بجامعة الإسكندرية في العام الجامعي 1984. كما درس (علم الجمال الصوتي) بقسم الصوتيات بكلية الآداب جامعة الإسكندرية في العام الجامعي (1994 ـ 1995)، كما درس لطلبة الدراسات العليا بكلية الآداب جامعة حلوان عام (1995 ـ 1996)، وفى جامعة ليون الثانية بفرنسا عام 1997.

شارك “سيد البحراوي” في الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراة بقسم اللغة العربية وأقسام اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية بآداب القاهرة، وبقسم اللغة العربية آداب بني سويف والعديد من الجامعات الجزائرية، والتحكيم للنشر في الدوريات العلمية للجامعات المصرية والأردنية والكويتية والعراقية والسعودية. كما أشرف على عدد من ورش النقد مثل مكتبة الإسكندرية، ومكتبة كتب خان، و الإشراف على ورشة الإبداع بمركز البحوث العربية والإفريقية.

ثقافة الندية..

في حوار أجراه معه “خالد حماد” يقول “سيد البحراوي” عن علاقته بتلاميذه: “غالبا ما تنتهي علاقتي بتلاميذي إلى صداقة، وهذا يرجع لطبيعتي في التواصل معهم، وإدراكي أنني أغرس فيهم ثقافة الندية، أتعامل معهم على هذا الأساس، وأقطع كل المسافات الزائفة والتي يتم صناعتها كحواجز للحجب والمنع، من التواصل الإنساني والفكري بيني وبينهم. أساعدهم في صناعة خصوصيتهم، والنظر بعمق إلى إمكانياتهم الداخلية، وأن ينجزوا من خلالها ما يشغلهم، ومن هنا نصل لمرحلة الصداقة، مؤكدًا كسر فكرة السلطة وسد الفجوة بين الأستاذ والتلميذ، مشيرًا إلى أن تكون متطابقا مع أفكارك وآرائك، في هذه الحالة التحقق الأعلى لمعنى الوعي، الذي يأتي في التطابق بين السلوك والقول، وهو الأمر الأهم بالنسبة لي”.

وعن المشهد الثقافي العربي الراهن يقول “سيد البحراوى”: “لا يوجد مشهد ثقافي حقيقي ولا حتى معارك ثقافية حقيقية، حتى على مستوى العالم العربي، هناك أزمة كبيرة ولا يمكن الإشارة إلى أن هناك مكان ما يصنع حالة ثقافية، يمكن الإشارة إلى أن هناك بلدان عربية تنتج مؤتمرات، تقدم مجلات ودوريات ثقافية، لكن كل ما يجري غالبا هش، ما يحدث مؤقت وزائل”.

وعن الحركة النقدية في دول المغرب العربي يؤكد: ” أن المنجز النقدي المغربي “تونس، المغرب”، قائم على اقترابهم إلى فرنسا بالتحديد، وهذا يرجع إلى إنجاز الترجمة أو قل النقل وهذا مفيد بالطبع، ولكن في ظل غياب للمعايير والقيم، ليس هناك من يستطيع أن يحكم، الأمر ظاهريا يدعو إلى حركة ثقافية وأن هناك جديد، لكن نحن لم نسمع من الأجيال الجديدة،  عابد جابرى جديد، أو كيليطو أو الفهرى، ليس هناك أجيال جديدة تواصل، وتجعلنا  نشير بأن هناك مدرسة فلسفية أو فكرية تحققت، لكن ما يجرى هي مجهودات فردية فيها كثير من النقل عن الثقافة الفرنسية”.

رفيقة العمر..

وعن رفيقة عمره الدكتورة “أمينة رشيد” يقول “سيد البحراوي”: “فرنسا لم تكن مشتركا بيني وبين أمينة، فهي من ضمن العوائق في بداية تواصلنا، لكن ارتباطنا جاء نتيجة للعمل الثوري والسياسي والأكاديمي، في منتصف السبعينيات كنت أسمع عنها وتوجهها الفكري وكنت معجب بها، عندما عادت من فرنسا كانت تجمعنا جلسات كل ثلاثاء في بيت الأكاديمي عبد العزيز الأهوانى، وبدأنا نعمل مع بعض في العديد من الأبحاث المشتركة حول البلاغة والعروض، سواء في العربية والفرنسية، بالتالي بدأت تتطور العلاقة من زمالة وصداقة إلى حب بالمعنى العميق للكلمة.. طلب الزواج من أمينة، أخذ وقت طويل، واستمرت علاقة الحب بيننا أكثر من عام، وجاء ترددها لأسباب متعددة منها فارق السن والفارق الطبقي، ومنها الثقافة الفرنسية فهي فرانكفونية التعليم والهوى، وأنا ليس كذلك، قضت جزءا كبيرا من حياتها من فرنسا.. إن مبدأ الزواج مع الوقت أصبح مبدأ متفقا عليه، والذي عجل أن نعلن الزواج كان سجنها، ففي عام 1981 كانت هي في السجن، وأنا مطرود من الجامعة، كان المناسب أن نكسر هذه الكآبة بشيء مفرح، وأخذت إذنا من إدارة السجن وخطبتها، وكان معي أخوها، إن أهلها لم يكن عندهم مشكلة، أصدقائها لم يكونوا موافقين على هذه الزيجة، وعلى هذا تحملنا أن نتمها ونتحمل نتائجها وفى منتهى الوعي.. ومن حسن حظنا أننا اخترنا مجال عملنا، وهذا ما قادني إلى معرفة التراث العربي الحديث والمعاصر، كانت الجامعة تعطيك الاختيار في أن تدرس ما تريده، كل ما جرى داخل إطار واحد، وليس هناك موانع إلا أخلاقية لم تدرس، يمكن لي أن أقول أن حياتي الشخصية لم تنفصل يوما عن حياتي الفكرية والثقافية، واختياراتي في الحياة”.

وعن الكتابة الأدبية يقول: “كان هناك جانب كان مكبوت لدي هو الجانب الإبداعي، الكتابة القصصية والروائية، كتبت في مرحلة الشباب روايات وقصص قصيرة يمكن الحكم عليها بالسذاجة، اهتمامي بالبحث العلمي توقف مع آخر القرن الفائت، وفجأة وجدت نفسي أكسر كل القيود التي منعتني أن أكتب، كل حياتي موجودة أمام البشر، هذه الصورة الإبداعية، قد يراها البعض أضرت بالصورة الذهنية لدى القارئ عن سيد بحراوى، ولكن هذا أسعدني.. إن الجانب الإنساني العميق بكل ما يحمله من تقلبات، كان مكبوتا لدى، وقد ظهر واضحا في الكتابة الإبداعية رؤيتى, من يريد أن يعرف سيد بحراوى شموليا ليس فقط من خلال النقد ومواقفي السياسية،  لكن الإبداع له دور كبير، فموقفي مثلا عن الحب ستجده في بيت الحب، وسيعرف القارئ هذا جيدا، عندما يقرأ عن تجاربي في الحب”.

الأم..

عن والدته يروى “بحراوي”: “كانت علاقة غير سوية  فقد  كان بدنها ضعيف، كانت المشاكل التي تواجهني منذ الولادة بسبب بدن والدتي الضعيف، فقد احتاجوا إلى من يرضعني ومن حسن حظي كانت خالتي بديلة لي، في نهاية المطاف كان هناك  نقص ما، وما يسمى بلاغيا بحنان الأم، كنت قد فقدته لأسباب مادية، وهذا ترك أثره القوى في حياتي، وفى علاقتي بقضايا المرأة من بعد.. جانب آخر عن المرأة ناتج عن علاقة والدتي بوالدي، كانت علاقته بها مليئة بالعنف وكان هذا مزعجًا بالنسبة لي، وكان عليّ أن أتضامن معها في مواجهته، ومشروع التضامن حين اكتشفت هذا بدأ يتقلص مع الوقت وتم استبداله بالصداقة والحب،ما ورثته عن والدي هو الغيرة طبعا، بما أنها غريزة إنسانية، لكن غيرة والدي غير آدمية وقاسية جدا وتعلمت منها كيف أكون أكثر تفهما، أقل انسياقا للشكوك”.

وعن فترة المراهقة يواصل: “لم أعشها بشكل سوي، وذلك  لأسباب متعلقة بالوقت، والعمل في الأرض وكان لدينا تجارة صغيرة والمذاكرة، أيضا كنت ابنا ذكرا وحيدا، كانت هناك قيود ناتجة عن الرعاية الزائدة”.

الحب..

ويحكي “سيد البحراوي” عن الحب: “مع الوقت والزمن مفهومنا لمعنى الحب الحقيقي يتغير، تكتشف ما كنت تتصور أنه حب في لحظة معينة، فالحب ليس له تعريف مانع وقاطع، لم أعش الحب العميق إلا داخل إطار الأسرة، لكن  هناك قصص لم تكتمل وهى كثيرة”.

وعن مواجهة الموت يضيف: “إننى إنسان ولا يوجد إنسان  ليس لدية لحظات ضعف، ويعانى تلك اللحظات، عانيت كثير جدًا من الفقدانات، وكان البكاء شريك أساسي فيها، سهل جدًا  أن أتأثر وأبكى، ليست في لحظات المرض، ولكن في لحظات الفقد، كنت أكثر ما أكرهه هو لحظات الضعف، ولكن مع الوقت تغيرت نظرتي إلى ذلك، بمعنى أن معايشة لحظة الضعف لابد أن تعيشها بما يليق بها من جلال وعظمة، إذا لم يعش الإنسان لحظات ضعفه كما ينبغي ويليق بها، يصبح شخصا جاحدا لنفسه وجاحدا للطبيعة البشرية”.

وعن تركه لرئاسة قسم اللغة العربية بكلية الآداب، يقول “سيد بحراوى”: “حدثت إشكاليات متعلقة بأن رئيس الجامعة وقتها بدأ يفرض علينا تعيين شخص فاسد بالقسم، وجميع أبناء القسم كانوا رافضين، تزامن مع هذا الأمر أننى نشرت أول عمل روائي ولاقى صدى جيد، ووجدت أنني في حاجة لكثير من الوقت  للإبداع، كنت قد اتفقت مع زملائي الشباب بالقسم حين يكون لي دور بالتعيين، قلت لهم لابد أن نكون يد واحدة للتغيير والتطوير، ووعدوني أن نعمل معًا عمل جماعي لتحسين وضع القسم، لكن هذا الأمر لم يتحقق، وكانت لدى دوافعي للاستقالة، في هذا الإطار حدث خلاف بيني ودكتور شمس الدين الحجاجى، وهو كان مرحب بذلك الشخص الفاسد الذي رُشح من قبل رئيس الجامعة، وأغلبية زملائي بالقسم  كانوا رافضين، لم يحدث أبدًا أن تم التحقيق معي قبل أن أُقدم على الاستقالة، وتركت القسم بإرادتي الحرة”.

المكاسب..

وعن المكاسب في رحلته الطويلة يقول  “سيد البحراوي” :”كسبت راحة الضمير أولا، وكثيرا من محبة الناس المتبادلة، وهذا بالنسبة لي يمثل كل شيء في حياتي”.

وفي حورا ثان معه أجراه “عبد الكريم الحجراوي” يقول “سيد البحراوي” عن الذين أثروا في مسيرته أكاديمياً وإنسانياً: ” الدكتور عبد العزيز الأهواني، من زاوية البعد الديموقراطي الذي كان يسمح به لطلبته في أن يعبروا فيه عن آرائهم، وكذا الدكتور عبد المحسن طه بدر الذي أشرف على أطروحتي في الماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى صديقي الراحل عبد المنعم تليمة، وعلى المستوى الإنساني، فهناك الصديقة العزيزة لطيفة الزيات فقد أثّرت فيَّ في شكل قوي، لجهة رؤيتي للعالم، وتعاملي مع البشر، بحساسية وعمق، وهناك الأستاذ نبيل الهلالي الذي مثّل لي قدوة، ذلك المحامي الشريف والمناضل النبيل”.

مدح الألم..

وعن سؤال لماذا مدَحتَ الألم؟ يجيب: “في تأملي للحياة ومكوناتها، اكتشفت أنه الأصل في الحياة، ولا حياة من دونه، فهي مقترنة به، وهو محور مجهود الإبداع، والصناعة، والاقتصاد، والهدف من نشاط الإنسان هو التغلب عليه أو مقاومته، فحياة الإنسان دائرة من الألم، ما إن ينتصر على ألم حتى يدخل في آخر، ولا تغلق هذه الدائرة إلا بالموت”.

وعن اهتمامه بالمرأة في أعماله الأدبية يقول: ” المرأة جذر الحياة، فهي الأم التي تلد، وهي الخصوبة، والنظريات الحديثة تنظر إلى الطاقة الإبداعية عند الإنسان بوصفها نسوية، كما أنه أمر طبيعي أن يهتم الإنسان بالمرأة وإلا يصبح غير مدرك لجوهر الحياة، كما أنني أقدر عطاء المرأة لأبنائها وما يترب على عدم حدوث هذا العطاء من كوارث للإنسان”.

الشعر والحرية..

وعن دراسته للشعر يقول: “الشعر والمسرح توأمان، فهما أدبان يحتاجان إلى الديموقراطية كي يزدهرا، ويحتاجان إلى الجمهور بمعناه الواسع، فالشعر ليس كتاباً يقرأه الإنسان بينه وبين نفسه، فذاك أمر جوهري فيه، وإن أنكرَ بعض الشعراء ذلك، وفي ظل القمع ينحسر دور الشعر والمسرح، ونحن منذ فترة طويلة في حال انحسار للديموقراطية، فيما عدا عام أو عامين بعد ثورة 25 يناير وقد شهدت هذه الأيام ازدهار الشعر، سواء الشعر المكتوب في الدواوين أو الأغاني، وعندما عاد القمع، قُمع الشعر والمسرح”.

وعن الرواية: “الرواية إبداع فردي، كتابة وتلقياً، على عكس الشعر والمسرح فتلقيهما يكون جمعياً، عبر اتصال مباشر بالجمهور. والقمع لا يؤدي إلى ازدهار أي أدب، لكن تبقى الرواية أكثر قدرة على المقاومة والتكيف مع القمع”.

المثقف والسياسة..

وعن اشتباك المثقف مع السياسة يقول: “مهما حاول المثقف أن ينعزل عن السياسة، فإنه يجد نفسه منغمساً فيها، فكل تفكير هو على صلة ما بالسياسة، والمثقف الحقيقي متصل بالحياة والمجتمع الذي يعيش فيه، ويكون تعاطيه السياسي في شكل مباشر أو غير مباشر، وإما أن يرتضي لنفسه أن يكون بوقاً من أبواق الحاكم وحينها يفقد كينونته، لأنه يفتقد البعد الانتقادي والتثويري وهما أساس بحث المثقف عن مستقبل أفضل”.

وعن رؤيته لمستقبل النقد الأدبي العربي يجزم “سيد البحراوي”: ” لدينا أزمة حقيقة في النقد الأدبي الحديث، تتمثل في التبعية الذهنية للنموذج الغربي، والأزمة النقدية الآن هي أكثر تأزماً عما قبل، لأن النقد الغربي نفسه مأزوم في هذه المرحلة وهناك شتات واسع في الاجتهاد الأميركي والأوروبي بين اتجاهات فكرية مختلفة، من نقد ثقافي، وما بعد الاستعمار، وبنيوي… إلخ، والأهم من ذلك الثورة في إطار ما يسمى تداخل العلوم والمعارف، ما يمكن أن يعطي النقد دفعة مهمة، لكن معظم النقاد غير مؤهلين علمياً للاستفادة من هذه الإنجازات، وعندنا كعرب المشكلة أكبر لأننا أبعد ما يكون عن ذلك في تعليمنا في مراحله المختلفة.. لم يعد النقد الأدبي مرتبطًا باللسانيات، وإنما بما وصلت إليه الدراسات السميوطقية، فالنص الأدبي الآن في إطار المفاهيم الجديدة هو نوع من إطلاقة، مثله مثل مكونات الحجر، وجسم الإنسان مكون من ذرات والذرات مكونة من عدة بروتونات، وبالتالي أصبح القول بفهم النص باعتباره مجرد استخدام خاص اللغة، أمراً عفا عليه الزمن، وإنما أصبح سيموطيقياً، لذا يجب على الناقد أن يكون عارفاً بالفيزياء والكيماء والسيموطقا، فالكون أصبح يفهم بوصفه مجموعة من العلامات ما إن ندرك علاقتها بعضها ببعض نستطيع أن نفهم الكون”.

وعن الفصل بين كونه ناقداً وممارساً للكتابة الإبداعية يقول: “بالتأكيد ينبع الإبداع الأدبي من منطقة في الإنسان مختلفة من المنطقة التي ينطلق منها الإبداع النقدي، فكلاهما إبداع ويأتيان بجديد، فالإبداع النقدي يهيمن عليه العقل والإبداع الأدبي يسيطر عليه الخيال والحدس، على الأقل في الكتابة الأولى، ثم أعمل حاستي النقدية حذفاً وإضافة، أو إلغاء للعمل، وآخذ رأي أصدقاء مخلصين قبل نشر أعمالي وأتأثر بهم، ومنها رواية أعطينها إلى علاء الديب وقال إنها لا تستحق النشر، فلم أنشرها، وأعمل عليها حالياً في شكل مختلف، وأعمال لست راضياً عنها سأتركها للورثة وهي كثير إذا أرادوا أن ينشروها”.

وعن الجوائز العربية يقول: “دائماً ما أقول إن الجوائز العربية ضد الإبداع لأنها لا تمنح من جهات ذات صدقية، وثانيها أنها تتحكم فيها المصالح والعلاقات العامة، والقيمة الفنية ليست الأساس أو المعيار الأول، وقد يتصادف أن تذهب الجائزة لمن يستحق، لكن في الغالب الأعم حتى جائزة نوبل تتحكم فيها العلاقات العامة، والأمر أكثر خطورة في الجوائز العربية”.

نظرية نقدية..

وعن سؤال أنت صاحب أول نظرية نقدية عربية حديثة، فهل ترى تجاهل هذا الإنجاز متعمداً؟ يجيب” سيد البحراوي”: ” نعم هو تجاهل طبيعي ومتعمد، فهذه النظرية «محتوى الشكل» محاولة لكسر الجمود وتحقيق انتقاله في التاريخ النقدي العربي الحديث، فالناقد العربي التابع ذهنياً للغرب يقاوم في شكل آلي ما هو أصيل، وما هو إبداع حقيقي، حفاظاً على مصالحه التاريخية في النقل، والأجيال القادمة عليها أن تختار ما بين استمرار أزمة التبعية الذهنية أو محاولة الوعي بالمشكلة والخروج منها، وبالتأكيد الخروج من هذه الأزمة لن يكون بمجهود فردي، وإنما هو مرهون بتغير شامل في المجتمع”.

وعن تراجع الإبداع المصري والعربي يؤكد: “تراجع بالطبع، فليس هناك اهتمام بالثقافة عامة. من يلاحظ موازنة الثقافة في مصر يدرك ذلك، ما يؤثر على المشاريع القومية، في إنتاج الموسوعات في المجالات المختلفة، في المقابل نجد أن بعض أمراء الدول الخليجية، يعطون دعماً للثقافة، وهذا رغم محدوديته يؤثر إيجاباً على الثقافة العربية.. المؤسسات الثقافية المصرية لا تؤدي الدور المنوط بها، فما تقدمه قشور فالثقافة ليست مجرد ترجمات ونشر كتب، وإنما تحتاج إلى رؤية عامة قادرة على مواجهة التخلف والتبعية الذهنية.. عاد الاعتبار إلى المبدعين المهمشين أثناء ثورة 25 يناير، فدورهم يظهر عادة في حالة الغليان الثوري، أما إذا أجهضت الثورة كما هو حادث لدينا، فإنهم يعودون إلى الظل مرة أخرى، كما أن هناك الكثير من الأبحاث الأكاديمية تناولت إبداع هؤلاء المهمشين بعد الثورة”.

ليل مدريد..

يقول الكاتب “ممدوح فرّاج النّــابي” في مقالة له بعنوان “«ليل مدريد» لسيد البحراوي: أزمة بطل أم أزمة جيل؟” :”في عنوانٍ مُخاتل أقربُ إلى العناوين المجازية التي لا تنضوي على حقيقة النّص بقدر ما تَعكسُ تيمة معينة أو تُمسك خيطًا دقيقًا من عناصرِ النَّصِّ، تأتي رواية الدكتور سيد البحراوي «ليل مدريد» الصادرة حديثًا عن دار تجليات بالقاهرة 2014، يطرح النص في أحد جوانبه المهمّة بعض القضايا التي تتصلُ بواقعنا الراهن والتي تكشفُ عن خيباتنا.. التحدي الأكبر الذي كان أمام السَّارد ليس في استخدام الضمير الأنا، وإنما في تقمُّص شخصية المرأة والتعبير عن مشاعرها الداخليّة واحتياجاتها النفسيّة والبيولوجيّة بهذه القدرة التي تحيل ذات الساردة إلى أنثى وليس لرجل، وهو ما أعطى إمكانيات جديدة للضمير الأنا تتجاوز تعبيره عن ذاته، إلى استخدمه كضمير غيري، على نحو ما جاء في رصده لحالة الدكتورة هناء، وما عانته، والتغيرات التي طرأت في حياتها. في بعض الأحيان يفصل بين ذاتها المسرودة بالأنا حيث تستخدم الضمير الأنت في إشارة بالغة إلى إحداث مسافة سردية وهي تأتي عند التفكير بصوت عالي أو إزجاء النصائح.. كشفت السَّلبية التي ظهرت بها الشخصيات عن ثمّة مناخ من الاستسلام الكامل واليأس والعدمية مُهيمن، ومرجع هذا إلى غيابِ فكرة المشروع القومي الذي يربطُ بين الفردِ وجماعته حتّى أنّ الرِّواية تشيرُ بأصابع الاتِّهام للدولة في تعميق انتشار البطالة أو حتى بتهميش الشّباب، وكأنَّ الرِّواية بهذا المآل الذي انتهت إليه بطلتها من ضياعٍ وتشتُّت هي تجسيدٌ لضياع الوطن ذاته، وسقوط أفراده بين صراع الوعي الكائن والوعي المُمكن”.

أعماله..

  • في البحث عن لؤلؤة المستحيل، بيروت، 1988.
  • البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث، القاهرة، 1993.
  • محتوى الشكل في الرواية العربية، القاهرة، 1996.
  • الحداثة التابعة في الثقافة المصرية، القاهرة، 1999.
  • الأنواع النثرية في الأدب العربي المعاصر، القاهرة، 2003.
  • في نظرية الأدب “محتوى الشكل مساهمة عربية”، القاهرة، 2008.
  • الإيقاع في شعر السياب، القاهرة، 2011.

أدب

  • ليل مدريد، 2002.
  • طرق متقاطعة، القاهرة، 2005.
  • هضاب ووديان، القاهرة، 2006.
  • شجرة أمي، القاهرة، 2007.

وفاته..

توفى بالأمس”سيد البحراوي” بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة