15 نوفمبر، 2024 12:17 ص
Search
Close this search box.

رواية عش الخديعة.. الحب حين تقتله الحروب و المجتمعات المتفسخة

رواية عش الخديعة.. الحب حين تقتله الحروب و المجتمعات المتفسخة

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “عش الخديعة” للكاتب العراقي “حمزة الحسن” رواية الحنين إلى حب بريء وعاصف، ذلك الحب الذي يمحي أوجاع الماضي ويضمد جروحه، كما أنها رواية الكشف عن تناقضات بعض المجتمعات العربية وتفسخها ودفعها بالناس إلى المعاناة والتفتت.

الشخصيات..

البطل: ليس له اسم، روائي، في منتصف العمر، يقع بالمصادفة في حب فتاة في العشرينات وتنقلب حياته إلى فرح، عاني في الماضي من حروب بلاده وسجون ومنافي لكنه ظل صامدا رغم كثرة الأوجاع  وعمقها.

جيان- جوليا: البطلة، فتاة في العشرينات، كانت طالبة وقت تعرفها على البطل، تعيش بعيدا عن أهلها في غرفة صغيرة، تدخل معه في علاقة حب آسرة تتفتح فيها ورود جسدها وروحها لكنها تتغير، تتحول من فتاة خجولة بريئة تتعرف بمهل على العالم إلى فتاة تعيش حياة مزدوجة وتلجأ إلى الكذب والمراوغة والميل إلى اتخاذ أكثر من عشيق.

ليلى: فتاة مخربة نفسيا، هي صديقة “جيان”، تعاني أزمة هوية، فهي ترى نفسها بصورة مشوهة ، تعيش علاقات جنسية متعددة وتتعاطي المخدرات والحشيش وهي مدخنة شرهة، حاولت الانتحار في أحد المرات لكنها فشلت، سيكون تأثير” ليلى” على “جيان” سلبيا وستجرها معها إلى تفسخها، وتغريها بعمل علاقات متعددة بعد أن تؤثر فى مشاعرها وعقلها.

يسرى: حبيبة البطل حين كان شابا، فتاة متمردة، ترفض قيم المجتمع المغلقة وتهرب معه، ويسافران معا في ظل أجواء قاسية، وقت الحرب وقمع السلطة ووحشيتها، بالإضافة إلى سلطة المجتمع نفسها وتقاليده، وبعد أن يعيشان حب عاصف ستنتهي حياتها على يد أهلها، وسيظل البطل محملا بها طوال حياته كقصة حب لم تكتمل، وكفتاة بريئة عاش معها حب يؤنس روحه.

هناك شخصيات أخرى داخل الرواية.

الراوي..

الراوي هو البطل، يحكي عن نفسه وعن مشاعره الداخلية وعن “جيان” ويستدعي الماضي، ويحكي عن “يسرى”، وعن تجاربه في السجن والحرب والهروب، وتطل الشخصيات من خلال حوارها معه.

السرد..

إيقاع السرد هادئ، تركز الرواية على قصة الحب في الوقت الحاضر لكنها تحكي عن الماضي أيضا في لقطات تتخلل الحكي عن الحاضر، ويستعين البطل ببعض روايات أخرى لكتاب آخرين يستشهد بها على بعض أفكاره، كما يستعين الكاتب ببعض نصوص لروايات سابقة له، وتنقسم الرواية إلى أجزاء كل جزء له عنوان خاص به، ويبدأ بنص صغير لأحد الكتاب المعروفين، الرواية تقع في حوالي 280 صفحة من القطع المتوسط.

الحب بداية ووجع..

تبدأ الرواية بالبطل وهو ينتظر في محطة قطار في وقت الفجر، ينتظر بشوق ولهفة حبيبته، والأفكار تزدحم في ذهنه والمشاعر صاخبة داخله، “جوليا” تلك الفتاة التي قابلها بالمصادفة بعد أن سقطت حقيبتها في الشارع، وتخيلها البطل لعدة أيام مسميا إياها “جوليا”، ثم تسعى الفتاة إلى التعرف عليه بطريقة ساحرة وطفولية، ويكتشف أن اسمها “جيان” وتبدأ علاقة حب يمتزج فيها الخيال والسحر، حيث يتعرفان أولا على الانترنت وينسجان حكايا كثيرة لهما، ويتضح من الحوار أن البطل و”جيان” على قدر كبير من التواصل، حيث أنهما يكملان تفاصيل القصة المتخيلة، يتخيلان أنهما يتقابلان في أماكن حالمة، ويختران كل التفاصيل سويا بخيال آسر، وتبدأ علاقة حب قوية تأخذ البطل من وجعه الدائم وماضيه الذي يتبعه أين يذهب، ذلك الماضي الذي انحفر داخل روحه، بدءا من الاحتجاز والاعتقال في بلاده، ثم الحرب ووحشيتها وهروبه منها، ثم هروبه إلى إيران واحتجازه في سجن باكستاني، ثم وبأعجوبة نجاته من موت محقق وسفره إلى إحدى البلدان الغربية..

كانت “جيان”، تلك الفتاة العشرينية، هي البداية الجديدة للبطل لكي يعيش علاقة حب تكتمل بها روحه، واكتشافه لبراءتها وعالمها الجديد واكتشفاها هي أيضا لعالمه جعل من حياتهما سويا لحظات من الفرح والسعادة، ويحكي البطل عن “جيان” وكيفية تعرفه بها وتطور علاقتهما، ويتخلل الحكي الرجوع إلى الماضي وتذكر “يسرى”، الفتاة التي خسرت حياتها نتيجة لعلاقة حب عاصفة معه، ووجعه بها، وكأنه وبعد زمن طويل وجد “يسرى” أخرى تعيد إليه الحياة وإحساسه بها..

لكن للأسف تتحول علاقة الحب المفرحة تلك نتيجة لتغييرات تحدث ل”جيان” أثناء سفر البطل لعدة شهور، ورغم أنها في بداية قصة الحب كانت مثل وردة تتفتح على عالمها الجديد، إلا أنها تحولت تماما وأصبحت تشبه صديقتها “ليلى”، مع شكوك البطل ومخاوفه وتمكن ذلك الحب منه، لكنه يقرر أن ينهي تلك العلاقة التي أصبحت مؤرقة، وتختفي “جيان” بعد مراوغة وتفاصيل مريبة.

تاريخ محمل بالقسوة..

تتميز الرواية أنها لا تقتصر على قصة الحب بين “جيان” والبطل، وإنما تقدم تحليلا اجتماعيا لعدة ظواهر، فأحداث الرواية تدور في عدة أماكن، المكان الأول هو المغرب حيث تدور قصة الحب، ويرصد البطل مدى التناقض الذي يقع فيه الكثيرون، تناقض في الهوية حيث أن كثير من المغاربة يريدون الهجرة ومع ذلك يتمسكون بهويتهم المحلية تمسك صلب، كما يرصد تلك الفوراق الكبيرة بين الناس، حيث يعيش البطل في أحد الشقق في مجمع سكني للأغنياء، حيث طرد الفلاحون من بيوتهم، وحصلوا على تعويضات قليلة، ليبني ذلك المجمع الفاخر ويتحول هؤلاء الفلاحون إلى خدم لساكنيه، والذين يأتون من الخليج والدول الغربية، أو من الأغنياء من أبناء البلد، ويشير البطل إلى أن مسئول كبير في الدولة يمتلك مساحات كبيرة من الأراضي حول ذلك المجمع، ويرصد تاريخه وتاريخ عائلته في التربح على حساب الفقراء، كما يشير إلى وجود استغلال للنساء والطالبات نتيجة للظروف المعيشية المجحفة.

يمكن القول ان الرواية تتناول إشكالية اهتزاز الهوية… لأن “جيان” صورة مصغرة للمغرب.. ففي نهاية الرواية الفصل الاخير هناك مشهد صعود “جيان” السلالم وفي نفس الوقت هناك مظاهرة في الشارع تطالب باطلاق سراح المعتقلين….. هنا تتداخل حرية الشخص مع حرية الوطن والحل في نظر الكاتب هو في التحرر العام وليس في هذا التشابك المنحرف بين الصلاة وبين الجنس الرخيص، بين الصوم وبين الاحتيال.. أزمة “جيان” هي أزمة هشاشة وتداخل وضياع الهوية في مغرب على مفترق طرق.

تحكي الرواية أيضا عن العراق منذ السبعينات بشكل خاطف، وكيف أن الحروب كانت تأكل أولاد العراق وتقضم أعمارهم بقسوة، وكيف أن السلطة الغاشمة شردت الكثيرين وتسببت في موت الآلاف في حروب، لا يستفيد فيها أحد، غير السلطة القامعة، وكيف أنها كانت تعدم الجنود الهاربين من الحرب، وتتحايل لتجلبهم من الدول التي هربوا إليها لتعدمهم بوحشية، ومحظوظ من ينجو من تلك المصائر القاسية، ويستأنف حياة يؤرقها الوجع وذكريات القسوة.

ويرصد البطل أيضا نماذج لبعض الانتهازيين في العراق سواء من اليسار أو من مهادني السلطة، أو ممن يخونون زملائهم ويتعاونون مع مخابرات دول أخرى، ورغم قذارة أفعالهم يحصلون دوما على المكاسب، في حين أن الشرفاء يعانون وفقط، يعانون السجون والمنافي وذكريات الأحباء المقتولين.

كما يرصد استغلال النساء الناجيات من الحروب ليتم اغتصابهن في فيلات الخليج، وفي أماكن الأغنياء، وكأن الحرب لم تكن كافية لانتهاكهن فيتعرضن لانتهاكات أكثر قسوة.

تتميز الرواية بلغة عذبة، وأحاسيس مرهفة وإنسانية سواء مشاعر البطل أو مشاعر “جيان”، واكتشفاها للحب ثم تخبطها النفسي بعد ذلك، والذي يرجعه الكاتب إلى تخبط المجتمع نفسه وتناقضاته.

الكاتب..

“حمزة الحسن” كاتب عراقي متميز، تعرض للاعتقال والسجن في العراق بسبب نشاطه السياسي. عمل في الصحافة فترة قصيرة في العراق، ثم هرب إلى الخارج عام 1988، وسجن في كل من إيران وباكستان لعبوره الحدود (غير الشرعي) على الأقدام، وحررته الأمم المتحدة عام 1991 من سجن كويتة الباكستاني، ورُحّل إلى النرويج حيث يعيش هناك..

يقول الكاتب عن روايته “عش الخديعة”: ” لماذا ” عش الخديعة”؟ حلم كل روائي أن يكتب رواية واحدة، وتظل كل محاولاته هي مسعى وأمل في أن يصل إلى هذا الهدف، ومع شديد الاعتزاز بكل رواياتي، التي صدرت قبل عشرين سنة، ومنحها الزمن فرصة امتحان الجدارة وصدق التوقعات، لكن تبقى رواية “عش الخديعة” هي الحلم المتحقق وهي الرواية الوحيدة التي لم أتوقع يوم شرعت في كتابتها أن تتحول حسب منطق السرد وتسلسل الأحداث إلى رواية أخرى غير التي جهزت نفسي لها، وكانت أجمل لكنها أقسى وعملية كتابتها كانت تشبه عملية جراحية بلا تخدير، وكادت أن تقضي عليّ”.

وقد صرح الكاتب “حمزة الحسن” ل” كتابات” أن: “رغم أن كل رواية هي مكتملة بذاتها لكن” عش الخديعة” ستكون ثلاثية: في الجزء الثاني والثالث متابعة لمصائر الشخصيات وأحداث العالم العربي حيث يرتبط العام بالخاص….” عش الخديعة: اغتيال الاعزل” الجزء الثاني ستصدر قريبا، ثم الجزء الثالث تحت الكتابة” لا طروادة بعد اليوم”….ومتابعة مصائر الشخصيات في روايات أخرى غير معروف في العالم العربي حيث يغلق الروائي عالم شخصياته في رواية واحدة مع أنه شائع في الرواية العالمية”.

النتاج الروائي:

  • “سنوات الحريق”، 2000
  • “المختفي”، 2000
  • “الأعزل”، 2000
  • “عزلة أورستا”، 2001
  • “حفرة فيراب”، 2008
  • “حقول الخاتون”، 2009
  • “حارس السلالة”، 2010
  • “طريق الكراكي”، 2012
  • “الحكاية المضادة”، 2014

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة