24 نوفمبر، 2024 3:32 م
Search
Close this search box.

عدنان الصائغ.. الكتابة تمنح الفهم والصبر على الفواجع

عدنان الصائغ.. الكتابة تمنح الفهم والصبر على الفواجع

خاص: إعداد- سماح عادل

“عدنان الصائغ”  شاعر عراقي، ولد في مدينة الكوفة العراق عام 1955، كتب الشعر مبكرا ويعتبره من الشعراء العراقيين المعاصرين المميزين، نشأ في ظروف معيشية صعبة، ودخل المدرسة بعمر 7 سنوات بسبب فقر عائلته، حيث التحق بمدرسة ابن حيان الابتدائية، وقد عمل في عدة أعمال أثناء دراسته لمساعدة عائلته منها عامل مقهى, بائع سجائر, عامل بناء, عامل في المجاري, بائع مرطبات, بائع رقي, عامل في تصليح الراديو، انتقل بعد الابتدائية إلى متوسطة ابن عقيل، وتوفي والده وهو طالب.

حياته..

عمل “عدنان الصائغ” في بعض الصحف والمجلات العراقية والعربية وهو عضو اتحاد الأدباء العراقيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وعضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو اتحاد الصحفيين العرب، وعضو منظمة الصحفيين العالمية، وعضو اتحاد الأدباء السويديين، وعضو نادي القلم الدولي في السويد.

غادر العراق صيف 1993 نتيجة للمضايقات الفكرية والسياسية التي تعرض لها، خاصة بعد تقديم مسرحيته “الذي ظل في هذيانه يقظا” على مسرح الرشيد في بغداد.. تنقل في بلدان عديدة، منها عمان وبيروت، حتى وصوله إلى السويد خريف 1996 وإقامته فيها لسنوات عديدة، ثم ليستقر بعدها في لندن منذ منتصف 2004.

تُرجمت بعض قصائده إلى: السويدية والإنجليزية والهولندية والإيرانية والكردية والأسبانية والألمانية والرومانية والفرنسية والنرويجية والدنماركية. وصدرت له بعض الترجمات في كتب.

الجوائز..

حصل على جائزة “هيلمان هاميت” العالمية للإبداع وحرية التعبير/ في نيويورك عام 1996. وعلى جائزة مهرجان الشعر العالمي/ في روتردام عام 1997، وحصل على الجائزة السنوية لإتحاد الكتاب السويدين – فرع الجنوب، للعام 2005 في مالمو.

الشعر العراقي..

في حوار مع “عدنان الصائغ” أجراه “مازن لطيف علي” يقول عن تميز الشعر العراقي: “الشعر العراقي ضاج بموضوعاته المتفردة واجتراحاته البكر.. فبالإضافة إلى الواقع اليومي الملتهب والتراث الشعري المتجذر عميقاً في الأرض والتاريخ، هناك عنصر المفارقة المدهش الذي يكتنز به واقع الحياة العراقية فيصادفك في الشارع وفي حكايات الناس ورائحة البساتين وعذوبة الابوذية والسكر النواسي ونواح أيام عاشوراء ومآسي الحروب والحضارات والفيضانات والخ.. فعلى هذه الأرض ولدت أولى وأعظم الملاحم في تاريخ الشعر الإنساني (ملحمة كلكامش) وتبلورت أول حركة للشعر الحر في تاريخ القصيدة العربية.. وبين هذين الزمنين نما ونشأ فطاحل الشعر الأموي والعباسي والفترة المظلمة والقائمة تطول.. نعم لقد تناول الشيخ الخاقاني شعراء النجف من القرن العاشر الهجري حتى الرابع عشر، فجاءت موسوعته “شعراء الغري” في أثني عشر مجلداً”.

المنفى وعودة خائبة..

وعن المنفى يحكي “عدنان الصائغ”: “نهاية عام 1996 وكنت أعيش منفياً قريباً من القطب الشمالي، أطل من نافذتي على أشجار وشوارع من ثلج، حيث درجة الحرارة تصل إلى 36 تحت الصفر، وأنا أتذكر شمس بلادي، حالماً بسقوط الطاغية لنعود إلى بلدنا الحبيب ننفض عن أرواحنا الصقيع والغربة. وقتذاك وجدتني أجلس إلى طاولتي أكتب قصيدتي “حنين” التي ضمها ديواني “تأبط منفى” أقول فيها: (لي بظلّ النخيل بلاد مسوّرة بالبنادق، كيف الوصول إليها وقد بعد الدرب ما بيننا والعتابْ، وكيف أرى الصحبَ مَنْ غيبوا في الزنازين أو سلموا للترابْ، إنها محنة- بعد عشرين- أن تبصر الجسرَ غير الذي قد عبرتَ، السماوات غيرَ السماواتِ، والناس مسكونة بالغيابْ).. لم أتوقع أبداً وأنا أعود إلى بلدي ضيفاً على مهرجان المربد لعام 2006 أن يحدث لي ما حدث، لأطوي حقائبي وخيبتي وانسل عبر الحدود لأعود إلى منفاي.. وعندما وصلت إلى لندن، انهالت عليّ الاتصالات فقد انتشر حادث الاعتداء من قبل بعض وسائل الإعلام التي كانت حاضرة لتغطية فعاليات المربد وشهدت الواقعة، كما تناقلتها الصحف والقنوات الفضائية. ومواقع الانترنيت بالصور والنصوص.. لقد حاولت في نصوصي تلك أن ألقي ضوءاً كاشفاً وفاضحاً على خلاف تأريخي ديني قديم”.

العراق..

وفي حوار ثان أجراه معه “حسين الجفال” يقول “عدنان الصائغ” عن بلاده في الوقت الحالي: “العراق اليوم كسجين خرج للحرية لأول مرة، متلمساً خطاه المبعثرة بارتباك وحيرة.. نعم؛ سجين مخضرم، لكنهم بدل أن يسندوه أو يرشدوه، تناوشته نبالهم ومفخخاتهم من كل صوب، وكلٌّ يدّعي هدفاً ووصلاً بليلى.. هكذا أتلمسه وأتهجسه اليوم، فأجده يصارع كواسر الظلام والظلاميين والمحتلين وتجار الحروب والأحزاب والميلشيات، بقلب صبور منفتح ومنجرح، وانتظار دائم لعودة شمسه وطيوره المهاجرة.. لم أبتعد عنه ولم يبتعد عني رغم المنافي والأسوار، رغم الدرك والمفخخات، رغم المصادرات والمطاردات.. هو جذري وقدري وصليبي ويوتوبياي.. هو المفتتح والمنتهى أيضاً.. الأمل والمآل.. المنفى والوطن.. القصيدة والراية.. الجنة والجحيم أيضاً وأيضاً.. لكن المفارقة أن بلادي الحبيبة وقد تخلصت من أغلال الدكتاتورية والحروب الكارثية التي قتلت وشردت وجوّعت أبناءها، راحوا يلبسونها أغلالاً أخرى.. ويجوعون ويشردون ويقتلون أبناءها، ثانية، تحت يافطات شتى”..

الفجيعة بكاملها..

وفي حوار ثالث أجراه “وليد الزريبي” يقول “عدنان الصائغ” عن الحياة والكتابة : “كنتُ جندياً بائساَ، ويائساً، أتمشى قبيل الغروب، بين أعشاب السفح الممرعة، قريباً من فوجنا في منطقة “ديركله”- رغم التحذيرات العسكرية بعدم التقرّب من تلك الأرض المحرّمة- سائراً أنفّس عن ضيق روحي ومعي قصاصة أدوّن فيها بعض الأبيات، وقد أخذتني دهشة الطبيعة وبهائها وخضرتها الخلابة، دون أن أدري ما يواجهني.. هذه الصدفة المهولة علمتني أشياء كثيرة في الكتابة والحياة: إنَّ الحياة رغم مراراتها تبقى هي الأبهى والأشد سطوعاً من كلِّ شيء.. وأنَّ الكتابة نبضها وضوؤها الفريد الباهر.. وعلمتني أن أتلمّس نبضهما الحي حتى بين ركام الخراب والشظايا.. ومنحتني قوة الصبر والرؤية والرؤيا لأواجه فيما بعد كل تلك الفواجع المتلاحقة وأرى المشهد بوضوح رغم سحب الدخان والشعارات التي تغطيه من كلِّ صوبٍ. إن من عاش الفجيعة بكاملها يجد نفسه قادراً على التحمّل والاستمرار أكثر من غيره.. هكذا عاش جيلنا وهكذا عانى وهكذا كتب.. لقد أحالتني قسوة الخراب إلى مراجعة الكثير من كتب التاريخ والأديان والأساطير والأدب علّي أجد تفسيراً لما حدث لنا على هذه الأرض الطيبة والمرّة معاً، فرأيت العجب العجاب من هذا التاريخ الذي ما زال ينزف حتى الآن، والذي ما زلنا للأسف ندفع مستحقاته رغم أن لا يد لنا فيه.. وقد استخلصت الكثير من هذا، في عملي “نشيد أوروك”. وأنا الآن في صدد إنجاز عملي الآخر “نرد النص”، وهو نص طويل مفتوح يحاول أن يستنطق المسكوت عنه في تراثنا وحاضرنا: سياسياً ودينياً واجتماعياً وثقافياً، بجرأةٍ وحريةٍ أكبر ورؤيةٍ أشمل. بدأت الكتابة فيه منتصف 1996 في بيروت، ولم يكتمل بعد”.

وعن نصوصه يضيف: “نصوصي هاربة دائماً من السرب والقطيع والمؤسسات. وهي لا تؤمن بالقوالب والحدود والكليشات ولا بالتقسيمات الجاهزة. إنها تدخل إلى قصيدة العامودية وتخرج منها إلى القصيدة الحرة أو النثر أو النص المفتوح، أو بالعكس، دون أي صعوبة أو تعقيد.. لم تخضع قصيدتي لقالب أو مذهب معين أو تمسك نفسها باتجاه محدد.. فالحرية: فكراً، سلوكاً، وتمثّلاً، هي الهاجس الأهم في كتاباتي وحياتي.. أهزأ دائماً من حراس قصيدة النثر وسدنتها ومنظريها، مثلما أسخر من القوالب الكونكريتية للقصيدة العمودية وأسلاكها الشائكة.. فالنص المبدع هو النص المبدع، بأي لغة كُتب وبأي شكل أو إيقاع أو لون أو مدرسة أو طريقة”.

نصوص لعدنان الصائغ..

غربة (1)

مرةً، في القصيدةِ

لو شئتِ لي، نبتني، وطناً

كان يكفي لكي نتلاقى

مرةً.. كنتِ في لوحةِ المستحيلِ

تسيرين جنبي

فأزدادُ منكِ التصاقا

مرةً، في المواويلِ

.. أو في العويلْ

مرةً، في الصباح القتيلْ

مرةً، في الرصاصِ الذي أورثَ الدمَ

جيلاً فجيلْ

………

مرةً، في اخضراركِ..

آخيتُ بين الندى المرِّ،

والسوسنةْ

ومِلتُ على صدركِ البضِّ، كي أحضنَهْ

فلمْ أرَ إلاّ ضلوعاً تشدُّ الرحيلْ

……………..

كيفَ من بعدِ عشرين عاماً

أعدتِ العراقَ الجميلْ

أعدتِ العراقا

أعدتِ النخيلَ،

الضفافَ التي سامرتنا

الأغاني التي أرّقتنا

فكنتِ أشفَّ وصالاً

……… وكنتُ أشدَّ احتراقا

………..

مرةً..

مرةً

ربما، نلتقي صدفةٍ

آهِ.. يا غـربتي، آهِ.. يا وطني –

فنذوبُ عناقا

21/7/2004 لندن – ديوان الكوفة

* * *

عابرة

أكونُ لكِ الجسرَ

هل كنتِ لي نزهةً في أقاصي القصيدة…؟

أكنتِ ترين الأصابعَ – إذ تتشابكُ –

سلّمَكِ الحجريَّ… إلى المجدِ

أحني دمي، كي تمرَّ أغانيكِ، من ثقبِ قلبي

إلى مصعدِ الشقةِ الفارهةْ

وأختارُ لي ركنَ بارٍ

لأرقبَ في طفحِ الكأسِ ضحكتَكِ العسليةَ

في الحفلِ،… في آخرِ الذكرياتِ

تسيلُ على الطاولاتِ

فتشربها الأعينُ القاحلةْ

فأقنعُ نفسي:

بأن المسافاتِ كذبُ خطى

والصداقاتِ كذبٌ أنيقٌ

والنساءَ الجميلاتِ… تكرارُ آهْ

26/6/1992 النجف

* * *

بريد القنابل

أنتِ لا تفهمين إذنْ

رجلٌ في كتابْ

سوف يعبرُ مبنى الجريدةِ، شعرُكِ هذا الصباح

فيشغلني عن دوارِ القصيدةْ

أتأملُ فوضاكِ من فتحةٍ في القميصِ

وفوضاي في الورق

سيمرُّ بي العطرُ

يأخذني لتفاصيل جسمكِ

أو لتفاصيلِ حزني

من سيرتّبُ هذا الصباحَ القَلِقْ

الفناجينُ باردةٌ كالصداقاتِ

والحربُ تعلكُ أيامنا

وأنا في انتظارِ الندمْ

اقلبي الصفحةَ الآنَ

برجُكِ تشغلهُ الوفياتُ

وبرجي تملؤهُ الطائراتُ

…………………

…………………..

أنتِ لو تفهمين إذن

كيف تجمعني الحربُ في طلقةٍ

ثم تنثرني في شظايا المدنْ

اقلبي الصفحةَ الآنَ

لا وقتَ..

إنَّ القنابلَ

تقتسمُ الأصدقاءْ

1988 بغداد

* * *

تكوينات

أجلس أمام النافذة

أخيطُ شارعاً بشارع

وأقولُ متى أصلكِ

*

العصفورُ يصدح

داخل قفصه

أنا أرنو إليه

وكذلك قطة البيت

كلانا يفترسُ أيامه

*

كم عيناً فقأتَ

أيها المدفعي

لتضيء على كتفيك

كلُّ هذه النجوم

*

منطرحاً على السفح

يسألُ :

هل من شاغر في القمة ؟

*

لا تقطف الوردةَ

انظرْ …

كم هي مزهوة بحياتها القصيرة

*

كلما كتب رسالة

إلى الوطن

أعادها إليه ساعي البريد

لخطأ في العنوان

*

للفارس في الحفل

وسام النصر

وللقتلى في الميدان

غبارُ التصفيق

وللفرس في الإسطبل

سطلٌ من شعير

*

لكثرة ما جاب منافي العالم

كان يمرّ منحنياً

كمن يتأبط وطناً

*

حين طردوه من الحانة

بعد منتصف الليل

عاد إلى بيتهِ

أغلق الباب

لكنه نسي نفسه في الخارج

*

أكلُّ هذه الثورات

التي قام بها البحرُ

ولم يعتقله أحد

*

أعرف الحياةَ

من قفاها

لكثرة ما أدارت لي وجهها

*

تنطفئ الشمعةُ

واشتعلُ بجسدكِ

ما من أحدٍ يحتفل بالظلام

*

تجلس في المكتبة

فاتحةً ساقيها

وأنا أقرأ .. ما بين السطور

*

بين أصابعنا المتشابكة

على الطاولة

كثيراً ما ينسجُ العنكبوتُ

خيوطَ وحدتي

*

على جلد الجواد الرابح

ينحدر عرق الأيام الخاسرة

* * *

رسام

قبل أن يكملَ رسمَ القفص

فرّ العصفور

من اللوحة

* * *

حساب

أيها الرب

افرش دفاترك

وسأفرش أمعائي

وتعال نتحاسبْ

* * *

سهم

لحظة الانعتاق الخاطفة

بماذا يفكرُ السهم

بالفريسة

أم …

بالحرية

* * *

شكوى

نظر الأعرجُ إلى السماء

وهتف بغضب:

أيها الرب

إذا لم يكن لديك طينٌ كافٍ

فعلام استعجلتَ في تكويني

* * *

غياب

رسمَ بلاداً

على شرشف الطاولة

وملأها بالبيوت المضيئة والجسور والأشجار والقطط

قطعَ تذكرةً

وسافرَ إليها

محمّلاً بحقائبه وأطفالهِ

لكن رجالَ الكمارك

أيقظوهُ عند الحدودِ

فرأى نادلَ البار

يهزهُ بعنفٍ:

إلى أين تهربُ بأحلامك

ولم تدفعْ فاتورةَ الحسابْ

* * *

خطوط

أنتَ تمضي أيها المستقيم

دون أن تلتفتَ

لجمالِ التعرجاتِ على الورقِ

أنتَ تملكُ الوصولَ

وأنا أملكُ السعة

1998 مالمو

 

https://www.youtube.com/watch?v=0inGC63HYz0

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة