خاص / بغداد – كتابات
في تشرين الأول/ أكتوبر 2001 كشفت صحيفة “الرافدين” الأسبوعية الصادرة في بغداد عننحو مليون امرأة عراقية تتراوح أعمارهن بين 35و45 عاماً (خارج السن الطبيعي للزواج) غيرمتزوجات، في مؤشر الى تصاعد (العنوسة) في المجتمع العراقي الذي لم يكن يعرفها قبلعشر سنوات.
ونقلت الصحيفة عن إحصائية لوزارة العمل والشؤون الإجتماعية، تصاعد حالات الطلاق“بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة” مشيرة الى أن العام الماضي شهد ألفي حالة طلاق فيمقابل 1750 حالة زواج أي ان الطلاق فاق الزواج بنسبة ليست قليلة. كما ان ألفي حالة زواجفي بلد يبلغ تعداده أكثر من 23 مليون نسمة (حسب إحصاء عام 1997) وضمن نسبة كبيرةللشباب فيه، تعني مؤشراً قوياً على عزوف الشباب العراقي عن الزواج.
ويبدو ان الأزمة الإقتصادية والنفسية الطاحنة التي تعانيها أجيال من العراقيين ما بين 25-40 عاماً بسبب حروب النظام الحاكم مع إيران ومن ثم الكويت وما اعقبهما من حصار قاس، لمتلق بظلالها في تأخير موعد تشكيل بيت المستقبل عبر العزوف عن الزواج وحسب، بل وفيازدياد حالات الطلاق عن حالات الزواج (كما في احصائية وزارة العمل والشؤون الإجتماعيةالمذكورة سابقاً) لتتسع الأزمة الإجتماعية إلى اكثر من رجل عازب أو امرأة مطلقة، بل الىأطفال يعانون أزمات نفسية.
وعلى الرغم من تكتم مؤسسات النظام العراقي السابق على المؤشرات الاجتماعية “السلبية” التي خلفتها سياساته العسكرية والسياسية والاقتصادية، إلا إن دراسة رفعتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى “ديوان الرئاسة” في العام 2000 تكشف عن وجود نحو 800 ألف أرملة في العراق غالبيتهن فقدن أزواجهن خلال حربي 1980 و1991 وما تلاها من مواجهات عسكرية بين المنتفضين والقوات الحكومية في شمال العراق وجنوبه.
بعد 2003 أكثر من مليوني أرملة
وخلفت سنوات في العراق منذ العام 2003 حتى 2017 حين حكم معارضو النظام السابق، جيشاً من الأرامل والأيتام، حتى إن هناك تحذيرات من تحول البلاد إلى “جمهورية الأرامل والأيتام” إذ تجاوز عدد الأرامل مليوني امرأة. وأكدت رئيسة لجنة المرأة والأسرة في البرلمانالعراقي، لمى الحلفي، في مؤتمر صحافي عقدته بمناسبة يوم المرأة العالمي 8 آذار/مارس 2017، أن عدد الأرامل في العراق تجاوز مليوني أرملة.
لكن وزارة التخطيط تخفض عدد الأرامل، فهي تفيد إن عددهن وصل إلى 878 الفا و455 أرملة منهن 203 آلاف أرملة بعمر 14 إلى 49 سنة وهناك 675 الفاً و198 ارملة بعمر 50 سنةفما فوق، عدا محافظتي نينوى والانبار وكذلك قضاء الحويجة في محافظة كركوك وقضائيبيجي والشرقاط في محافظة صلاح الدين بسبب الظروف الأمنية فيها.
وعن الجوانب الإجتماعية والانسانية لهذه المشكلة العميقة أوضحت الباحثة الاجتماعية هدىالنعيمي في تصريح لصحيفة “الصباح الجديد” في تموز/يوليو 2017 إن “مخاطر كثيرةتواجهها أسر الأرامل في حال لم يتم احتواؤها، لاسيما ان أغلبهن بأعمار صغيرة ترملن،ويواجهن تحديات المجتمع والحياة“.
واضافت السيدة النعيمي إن “نساءً بين 15 و20 عاماً، ترملن وبعضهن لم يمض على زواجهنسوى أشهر قليلة، وأخريات أمهات لأطفال صغار، مشيرة الى ان بعض تلك الأرامل كانتتعيش في كنف عائلة زوجها، وهي عائلات فقيرة، كما انحدرت من اسر فقيرة أيضاً، أوعائلات مفككة ليس بينها روابط أسرية، وهو ما يجعل منهن فريسة للابتزاز والاستغلال من قبلبعض ضعاف النفوس الذين يستغلون حاجتهن للعمل بهدف ايجاد مصدر دخل لهن ولأطفالهنفي ظل غياب الدور الحكومي الفاعل فيما يتعلق بتوفير حياة كريمة لهن“.
وقد أكدت تقارير أن الحرب ضد تنظيم داعش رفعت نسبة الأرامل والأيتام بسبب ارتفاع عددالقتلى من القوات الأمنية ومن المدنيين.
وقد حذرت منظمات دولية من أن يتحول العراق إلى بلد الأرامل والأيتام، بالرغم من تضاربالتقارير حول الأعداد الحقيقية، فإن هناك إجماعاً على ضرورة مواجهة هذه المشكلة التيتفوق خطورتها على المجتمع العراقي التأثيرات المباشرة للحرب.
وفي أواخر العام 2013 أشارت منظمة “الصليب الأحمر“ الدولية إلى الأوضاع الصعبة التيتعاني منها الأرامل في العراق، داعية الى وضع برامج لتشغيلهن وأنتشالهن من الفقر، وسطتأكيد لجنة الأسرة البرلمانية أن “الأرملة لاتحصل سوى على أقل من 75 دولار شهريا كراتبمن دوائر الرعاية الاجتماعية”.
وتتضارب الاحصائيات الرسمية مع إحصائية المنظمات الدولية بشأن أعداد الأرامل والأيتامفي العراق ، ففي الوقت الذي تصر فيه وزارة التخطيط على أن “ عدد الأرامل لايتجاوز المليونأرملة، وعدد الأيتام يقترب من المليونين“، تؤكد منظمة “اليونسيف” الأممية المعنية بالأسرةوالطفولة إن “ نحو 3 ملايين أرملة في العراق، وأكثر من 6 ملايين يتيم“.
وقرعت “منظمة الصليب الأحمر الدولية” ، ناقوس الخطر بالنسب للأرامل في العراق ، مؤكدةأن “الأرامل في العراق مازلن يكافحن يوميًا لتوفير الطعام لأسرهن”.
أرامل تحت خط الفقر
وأشارت المنظمة الدولية في بيان أن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقدم المساعدة للأراملالعراقيات من خلال المشاريع الصغيرة التي تتيح لهن فرصة الحصول على دخل يمكنهن منالعيش بكرامة”، لكنها أكدت في الوقت ذاته أن المساعدات التي تقدمها غير كافية، داعية،الحكومة العراقية إلى “بذل جهود أكبر من أجل انتشال الأرامل من الفقر والعوز، لاسيما وأنأغلبهن يكافحن من أجل توفير الطعام اليومي لأسرهن“.
وأيّدت لجنة المرأة والأسرة والطفولة النيابية في حينه ما ذهبت إليه “اللجنة الدولية للصليبالأحمر“، مؤكدة إن “ أغلب الأرامل يعيشن تحت خط الفقر“.
وقالت رئيسة اللجنة النائب انتصار الجبوري في تصريحات صحافية أن “الأرامل يستلمن100 ألف دينار (أقل من 75دولار ) كراتب من دائرة الرعاية الأجتماعية ، وهذا المبلغ لايكفيأجور نقل لمدة أسبوع “. وأضافت أن ” أغلب النساء الأرامل تقع على عاتقهن مسؤولية أسرةبعد فقدان المعيل، لذلك فإن ملايين العراقيين مهددين بالضياع إذا لم تبادر الحكومة بوضعبرامج عاجلة لإغاثة هذه الشريح التي تزداد كل يوم “.
إخفاء الحقائق
ونفت الجبوري امتلاك البرلمان أو الحكومة العراقية أي إحصائيات دقيقة عن أعداد الأراملوالأيتام في العراق، عازية ذلك إلى سياسة اخفاء الحقائق متمثلة بوجود “إرادة سياسية تمنعإجراء الإحصاء السكاني الذي يحدد نسب مثل هذه الشرائح من الأرامل والأيتام”.
وبحسب الدراسة التي أجرتها منظمة الإغاثة الدولية ومقرها في مدينة لوس أنجليس الأميركيةفإن نحو 60 بالمئة من الأرامل العراقيات فقدن أزواجهن في أعمال عنف أعقبت العام 2003.