18 ديسمبر، 2024 7:38 م

العراقي انتخب … العراق انتحب !

العراقي انتخب … العراق انتحب !

رغم ما افرزته الانتخابات العراقية الاخيرة في آيار الماضي من نتائج تبشر بالخير من حيث انها جلبت بقائمة انتخابية ذات تطلعات مدنية ديمقراطية ” تحالف سائرون ” , قد تتوفر لها امكانية تشكيل حكومة عابرة للطوائف والقوميات بآفاق مدنية, تسعى الى بناء دولة المواطنة على انقاض نهج المحاصصة الطائفية – العرقية و دولة المكونات الزائفة.

لكن غبار ركضة الانتخابات لم ينقشع بعد, لاسيما بعد اقصاء المفوضية العليا للانتخابات  قبل ان تبت بالنتائج النهائية بسبب أعتراضات جدية من جهات خاسرة, بعضها صائبة وخاصة في الرمادي وكردستان حيث جرت عمليات تزوير واسعة لصالح احزاب وشخصيات فاسدة مستهترة بخيارات المواطنين.

وقد اظهرت النتائج الانتخابية ان المواطن العراقي لم ينضج كفاية للقيام بتغيير مؤثر لصالحه رغم ما شهده من مآسي ومعاناة تحت سلطة الاحزاب الدينية والعرقية طوال سنين عديدة… فقسم من المصوتين اعادوا انتخاب سارقيهم ومعذبيهم لأسباب ولائية طائفية, وهم في الغالب من المستفيدين من غياب سلطة الدولة والقانون او من المنتفعين من التعيينات العشوائية في اجهزة الدولة على اساس حزبي ومحاصصاتي.

اما القسم الآخر فهم المقاطعون, من الساخطين لأسباب مبررة لكن بمخرجات يائسة, لاترى جدوى من المشاركة بالانتخابات بدعوى استحالة حصول  تغيير وهم في الغالب ممن لم يطرحوا برنامجاً بديلاً, عن المشاركة بالانتخابات, لأنقاذ البلاد ومواطنيها من براثن العابثين بأمنها وسلامتها ووحدتها من المتحاصصين.

وقد اثبتت الوقائع عقم سلوك المقاطعة من اجل المقاطعة في هز شعرة في رؤوس الفاسدين ولحاهم, لأن جمهورهم كان سيصوت لصالحهم في كل الاحوال.

لا بل ادى هذا السلوك الى تقديم خدمة مجانية لهم, بتعطيل قوة تصويتية رافضة, كان يمكن ان تحد من دورهم السياسي المقرر في القرار السياسي العراقي وترسم واقعاً واعداً للتغيير بوتائر اسرع, ولذلك ظهرت نتائج الانتخابات على ما هي عليه مع حصول تغيير نسبي بالأتجاه الصحيح, مع بقاء عملية الصراع مفتوحة ومشرعة الابواب على احتمالات متعددة, ليس اولها انقلابهم على مفوضيتهم الحزبية التي فشلت في ادارة العملية الانتخابية لصالحهم والسعي لأدانة ممثليهم فيها, وليس آخرها محاولتهم اعادة ترتيب اللعبة الانتخابية بأستخدام العد اليدوي واللجوء الى القضاة, الذين رفضوهم سابقاً, للخروج من مأزق الفشل وتساقط قيادات مؤثرة منهم, دون انتظار قرار المحكمة العليا في الافتاء الدستوري الحاسم بهذا الشأن.

اطالة أمد بقاء من تساقطوا من قياداتهم في مراكز القرار, بالقفز على التوقيتات الدستورية, من خلال حكومة تصريف اعمال وغيرها من التفافات اجرائية وقانونية, سيعطيهم الوقت الكافي والفرصة لترتيب اوضاعهم من جديد بعد ان صُدموا بالنتائج الانتخابية التي كانوا متيقنين من الفوز فيها, بعد ان هيأوا لها كل امكانياتهم الشرعية وغير الشرعية, ولكنهم سقطوا في الامتحان بجدارة.

تمديدهم أمد الازمة السياسية الناجمة عن الانتخابات ستعني المزيد من التداعيات السلبية للعراق وللعراقيين, وقد فقهناهم وهم أهل لها !