23 ديسمبر، 2024 7:44 م

جرائم دولة الارهاب

جرائم دولة الارهاب

يتمشدق رئيس الوزراء العراقي (المالكي) بالدستور والقانون كلما أطل في الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى، ويردد اتباعه نفس المعزوفة البائسة، بينما يبرهن الواقع العملي بانهم من يتصدرون خرق احكام الدستور والقانون وارتكاب افضع الجرائم اللاانسانية والارهابية المنصوص عليها في قانون ارهابهم رقم 13 لستة 2005 وغيرها من القوانين العقابية التي تذكرنا بجرائم عصور ما قبل التأريخ.

والغريب انهم يتهمون الآخرين بالطائفية، الا انهم طائفيون لحد النخاع لانتمائهم الى احزاب طائفية وتورطهم في جرائم وحشية بنزعة طائفية مقيتة، مستخدمين القضاء العراقي، المتواطئ معهم، لتمرير وتنفيذ مآربهم الخبيثة. وما زال حقدهم الاسود، وبالرغم من مرور عشر سنوات على استلامهم مفاتيح السلطة من الاحتلال، يدفعهم الى اجتثاث مئات الآلاف من العراقيين المنتمين لطائفة معينة وحرمانهم من ابسط حقوقهم التقاعدية القانونية..! وفي نفس الوقت يدعون العمل على تحقيق المصالحة زورا وبهتانا.

لماذا لا يتخلصوا من روح الانتقام بعد مرور هذه المدة الطويلة وارتكابهم هذا الكم الهائل من الجرائم المفجعة التي استغرقت جرائم النظام السابق بعشرات المرات..؟ ولماذا لا يكون الزعيم الافريقي “نيلسون مانديلا” قدوتهم الذي امضى في سجون النظام العنصري 27 سنة تحت التعذيب والتنكيل والاهانة، وسرعان ما اطلق سراحه، قاد المصالحة مع جلاديه واعدائه في بناء مجتمع التسامح والمحبة، ولم يضطهد او يجتث احدا كما هؤلاء فاعلين. ولماذا لا يقتدو بالزعيم العراقي الراحل المرحوم عبد الكريم قاسم الذي تعرض الى محاولة اغتيال في شارع الرشيد كادت ان تودي بحياته، ولكنه اطلق سراح جميع المشاركين بتلك العملية الغادرة، وقال عبارته الشهيرة “عفا الله عما سلف”. لماذا لا يتعلموا من اقرب تجربة مكاتية وزمانية لهم، الا وهي تجربة اقليم كردستان وكيف تعاملوا الحكام مع ابناء شعبهم بكل مودة ومحبة وتسامح، بالرغم من الدماء التي سالت بين مختلف الفصائل والاحزاب عبر حقب مختلفة من الزمن.  ان طبيعة العراقيين، اناس متسامحون وطيبون ولا يعرفون الحقد والكراهية والانتقام، فما بال هؤلاء الذين ما زالوا متربصين للاخرين بعد مرو عشر سنوات على سقوط  النظام السابق وادارتهم لاعمال القتل والتعذيب والنهب والتدمير لكل مرافق الدولة والحياة..؟! الا يكفي ذلك لاطفاء نار الحقد والكراهية في نفوسهم..؟!

نجد ان اجهزة النظام الامنية ومليشياته المختلفة ترتكب  جميع الجرائم المنصوص عليها في قانون ارهابهم المذكور، بحق ابناء الشعب العراقي ومكوناته المختلفة على مدار الساعة يوميا.

 فالعنف والقتل والتهديد والقاء الرعب في نفوس الناس المدنيين وتعريض حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم للخطر واثارة النعرات الطائفية وتوزيع الاسلحة على بعض العشائر والمواطنيين والخطف والاحتجاز لاغراض سياسية او طائفية او قومية او لاغراض الابتزاز المالي والاخلاقي وتهديد الوحدة الوطنية وسلامة وامن الدولة واستقرارها، جميعها من الجرائم المنصوص عليها في قانون ارهابهم، يرتكبونها عبر اجهزتهم الطائفية القمعية بما فيها جهاز القضاء بوتيرة مستمرة وبدون اتقطاع، وبالتالي هم من يستحق العقوبات المنصوص عليها بالمادة 4 من “قانون ارهابهم”، وتستحق دولتهم، وبكل جدارة، ان يطلق عليها “دولة الارهاب” بدلا من “دولة القانون”.

تشير تقارير المنظمات الانسانية الدولية، كمنظمة العفو الدولية ومراقبة حقوق الانسان والامم المتحدة الى حجم الجرائم والانتهاكات لحقوق الانسان في “دولة الارهاب” ومنها المعتقلات السرية التي ترتكب فيها شتى صنوف جرائم التعذيب الوحشي واحتجاز عشرات الالاف من الابرياء لاسباب طائفية لسنوات عديدة بدون محاكمات عادلة، واذا ما حصلت بعض المحاكمات فهي غير عادلة لاجرائها من قبل قضاء استثنائي خاص (محكمة الجنايات المركزية) المحرمة دوليا وبموجب دستورهم (راجع المادة 92  من الدستور). 

في مقابلة تلفزيونية مع احد قياديي المجلس الاسلامي الاعلى (باقر جبر صولاغ) بتأريخ 21/01/2013، أشار الى واحدة من الاف جرائم “دولة الارهاب”، باحتجاز امرأة لمدة ست سنوات بدون اي جريمة سوى القاء القبض على احد اولادها وبحوزته اسلحة او متفجرات ممنوعة، كما يدعون ذلك، علما ان هذا القيادي يعتبر نفسه من احد افراد عائلة الحكومة، كما أشار في المقابلة، وهو احد المتهمين بارتكابه جرائم تعذيب بربرية وقتل خارج القضاء عندما كان وزيرا للداخلية. 

ويعرف القاصي والداني، ان نظام دولة الارهاب، يدعي الاسلام، بل هم دعاة للاسلام، كما يطلقون على انفسكم..!! ولكنهم يتناسون ويتجاهلون اهم مبدأ من مبادئ العقوبة في الاسلام الذي جاء قبل اكثر من 1400 ستة، الا وهو:
“ولا تزروا وازرة وزر أخرى”
فلماذا يحتجزون النساء والاطفال بدلا من الازواج والاباء والابناء؟ فهل حقا هؤلاء يمثلون الاسلام ويدعون له بمثل هذه الافعال المحرمة بالقواتين السماوية والوضعية؟
ولماذا يصمت القضاء العراقي ولم يحرك ساكنا ازاء هذه الجرائم التي لم ترتكب حتى من قبل احط الانظمة السياسية في التأريخ؟!

منذ الاحتلال عام 2003 ولحد الآن يمارس الجيش المشكل من مجموعة مليشيات طائفية كمنظمة بدر وحزب الدعوة وغيرها، دور المحققيين واعضاء الضبط القضائي (الشرطة) خلافا لواجباتهم الاصلية في حماية امن الوطن الخارجي، ويقومون بانتهاك حرمة المساكن ودور العبادة والجامعات، والقاء القبض على المواطنيين واجراء التحقيق معهم وتعذيبهم حتى الموت احيانا، وسرقة اموالهم وزجهم في المعتقلات السرية لسنوات عديدة ولا يسمح لذويهم بمراجعتهم، وبدون مذكرات الامر بالقبض او الامر بالتوقيف من القضاة المختصين.  وان هذه الافعال تعتبر من جرائم الجنايات(المادة 322 عقوبات بالاضافة الى قانون ارهابهم رقم 13 لسنة 2005). واذا كانت هذه الافعال التي يقوم بها الجيش تستند الى مذكرات قضائية فان الطامة ستكون اكبر، عندما يسمح القضاء لهذه القوات العسكرية بارتكاب مثل هذه الجرائم لانها لا تستند الى اي قانون بل خرق لقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لستة 1971. والمشكلة الاعظم لم نلمس اي موقف لمجلس القضاء الاعلى او الادعاء العام ازاء هذه الجرائم التي ترتكب يوميا بحق المواطنيين.

ولا تختلف وزارة الداخلية عن مثيلتها وزارة الدفاع من حيث تشكيلاتها العسكرية التي لا تلبي متطلبات الاجراءات التحقيقية القانونية العادلة. ولا تختلف عن مثيلتها في التهالك على انتهاكات حقوق الانسان المشخصة والمدانة دوليا، اذا لم تكن الأسوأ منها بكثير، حيث تمارس هذه الوزارة شتى صنوف التعذيب الهمجي لانتزاع الاعترافات من المتهمين وابتزازهم ماليا واخلاقيا والاحتفاظ بالضحايا لعدة سنوات بدون اي تهمة مسجلة ضدهم او الاصرار على عدم احالتهم للمحاكم المختصة لعدم وجود الادلة ضدهم.

ان اختيار الاحتلال الامريكي لاضعف شخصية انتهازية هزيلة عرفها تأريخ القضاء العراقي على رأس الهرم (رئيس مجلس القضاء الاعلى)، جعل من القضاء العراقي اداة طيعة بيد رئيس الحكومة (المالكي) لتنفيذ مخططاته ومآربه في ترسيخ دكتاتوريته الطائفية.

لقد قدم القضاء العراقي اعظم خدمة في تكريس الاحتلال بدعم الحصانة المطلقة لقوات الاحتلال والعاملين معه، من التعقيبات القانونية امام المحاكم العراقية عن جميع الجرائم التي ارتكبوها بحق ابناء الشعب العراقي ومكوناته ومهما كانت جسامتها، والتي راح ضحيتها مئات الالاف من الابرياء.

وكرس هذا القضاء بتاء النظام الدكتاتوري الطائفي من خلال تفسير الكتلة الفائزة الاكبر الواردة في الدستور، واسقاط حق القائمة العراقية الفائزة في تشكيل الحكومة، واسقاط الحصاتة البرلمانية عن بعض النواب من طائفة معينة عن تهم مفبركة، اثبتت المنظمات الدولية بطلانها. كما عطل دور البرلمان التشريعي بحصر التقدم بمشاريع القوانيين بمجلس الوزراء بدلا من البرلمان، علما ان جميع هذه القرارات الهدامة غير دستورية، ولا تمتلك المحكمة الاتحادية الحق باصدار مثل هذه القرارات، ناهيكم من كونها قرارات خاطئة، وتشكل سابقة خطيرة تهدد بكارثة نشهد تداعياتها هذه الايام.

كما يشارك ويتستر القضاء العراقي على جرائم “دولة الارهاب” في المعتقلات والسجون وانتزاع الاعترافات عن طريق التعذيب الوحشي، والابقاء على المحكمة الاستثنائية (محكمة الجنايات المركزية) التي شكلها الحاكم المدني الامريكي (بريمر)، المخالفة للمعايير الدولية واحكام دستور النظام الدكتاتوري الحالي، لغرض اصدار احكام الاعدام بناءا على نلك الاعترافات ووفق قانون ارهابهم، كما حصل لمئات بل الاف الابرياء بما فيهم حمايات نائب رئيس الجمهورية ووزير المالية.

لابد من الاشارة هنا الى ان المسؤاية الجنائية عن جميع هذه الجرائم تقع على عاتق جميع المشاركين في العملية السياسية الطائفية سواءا في الحكومة او البرلمان او القضاء ولا يستثتى احدا الا بحدود وقوفه بوجه هذه الجرائم وكشفها من موقع مسؤليته وبادلة لا يشوبها الشك، كما يفعل حاليا النائب صباح الساعدي متحديا دكتاتورية المالكي.

يجب ان يعلم الجميع، لا حل امامكم لغرض احتواء كارثة وشيكة، الا بنكران الذات والتخلي عن الاطماع والتخلص من الاحزاب الطائفية المقيتة، والبدأ ببناء عملية سياسية على اسس المواطنة الحقيقية وابعاد جميع الطائفيين من العملية السياسية الجديد بشتى الوسائل والطرق وفق دستور جديد يتفق عليه جميع العراقيين، يعتمد مبدأ الفصل بين السلطات بمنح البرلمان كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية واعتماد سلطة قضائية مستقلة ورصينة يقودها قضاة شجعان مؤهلين لاحقاق الحق واجهاض الباطل، وان تكون السلطة التنفيذية خادمة للشعب وتلبي جميع احتياجاته ومتطلباته في توفير الخدمات ومتطلبات العيش الكريم، وبقيادة وزراء تكنوقراط  يتمتعون بسمعة ونزاهة عالية، ويخضعون لرقابة ممثلي الشعب ومنظمات المجتمع المدني، وان تكون القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي والقضاء العراقي فوق الميول والاتجاهات ويمنع ويعاقب منتسبيها عن اي انتنماء حزبي.

ومن سار على الدرب وصل.            
رئيس جمعية الحقوقيين العراقيين في بريطانيا