تاسيسا على ماسبق في الحلقتين الماضيتين نريد ان نتعرف اليوم على مفهوم ادارة الصراع ومبادئه في مبحثين:
الاول : مفهوم ادارة الصراع ، الثاني: مبادئ ادارة الصراع
مقدمة تمهيدية :
الحرب هي الوجه الاخير للدبلوماسية كما يقول خبراء السياسة ، و من اجل ان لا تقع الاطراف المتنازعة في الحرب توصلوا الى اختراع مصطلح( ادارة الصراع) لكي يتجنبوا المواجهة المسلحة.
هنالك عدة مصطلحات يجب تعريفها قبل الدخول الى مفهوم الصراع:
1. التوتر: و هو يسبق الصراع و يمثل الجزء الاساسي منه، لكن التوتر ليس هو الصراع فقد يوجد التوتر و يستمر التعاون بين الاطراف المختلفة و مع ذلك فان اسباب التوتر قد تكون اقرب الى اسباب الصراع وهذا مانشهده في الحالة العراقية كالتوترات المستمرة بين اقليم كردستان والحكومة المركزية .
2. النزاع: و المقصود به الخلافات التي تكون بين الدول او الكيانات السياسية التي تكون في وضع خطير ينشا عنه اصطدام وجهات النظر بين الطرفين، حيث تتعارض مصالحهم بشكل تتعذر معالجته عن طريق الوسائل الدبلوماسية فيلجا احدهما او كلاهما الى التهديد باستعمال القوة. و يبقى النزاع في جوهره هو اول مراحل الصراع ومن امثلته النزاع بين الكوريتين والنزراع الفلسطيني الاسرائيلي في بعض وجوهه.
3. الازمة:هي حدث مفاجئ يهدد المصلحة القومية تتم مواجهته في ظروف حرجة كضيق الوقت و قلة الامكانات و يترتب على تفاقمه نتائج خطيرة و تتم مواجهته بانشاء ما يسمى ب(خلية الازمة) و هي عبارة عن مجموعة من الادارين الذين تم اختيارهم بعيانة و يمتازون بتدريب ممتاز و خبرة طويلة و مهارات عالية و ذلك للعمل على:
1-تقليل الخسائر الى الحد الادنى، لان الازمة بدون ادارة ربما تؤدي الى نتائج كارثية
كالازمات التي تسببها الكوارث الطبيعية والحروب التي ينتج عنها الاف المتضررين واللاجئين.
. 2-انتاج استجابة مناسبة للتحديات الحقيقية او المحتملة
المبحث الاول: مفهوم ادارة الصراع
ادراة الصراع من طرف المعارضة السياسية (الانتفاضة اليوم كنموذج ):
هي عملية حركية اساسها المواجهة السلمية ، وبدايتها الامساك بالموقف من خلال احدى المتغيرات الاساسية(استفزاز حكومي كاعتقال حماية العيساوي مثلا ) و الدفع بالموقف بكل جزئياته نحو الهدف المحدد مسبقا الا وهو (التغيير الشامل).ويجب الاعتراف ان الهدف المذكور لم يكن مخططا له بل جاء بشكل عفوي نتيجة تراكمات سابقة وحالية من الظلم والاضطهاد والتهميش .
واما ادارة الصراع من طرف الحكومة : فهي في حقيقتها رد فعل على التظاهرات بعمل اداري بحت خارج عن اطار الروتين الاداري المعتاد و خارج عن الممارسة العادية للاختصاصات الوظيفية كونها عبارة عن مجموعة من الادارت الاستثنائية التي تتجاوز الاختصاص الوظيفي و لها قواعدها الخاصة (مثاله : اللجنة الوزارية برئاسة الشهرستاني بغض النظر عن فشلها او نجاحها ).
و بالتالي يمكن القول ان ادارة الصراع” من طرف الحكومة” يفترض فيه من ناحية علمية ادارية بحتة هو : اتخاذ اجراءات رشيدة بمقابل التحديات الجديدة و البحث عن بدائل تقلل من التهديدات و تبعد الاطراف عن اتخاذ قرار المواجهة المسلحة. فاذا هي طريق جديد لحل الصراعات تمثل وعيا من الطرفين المتصارعين بان لهم مصالح مشتركة لا ينبغي هدرها بذريعة المصالح متعارضة.
الغرض الجوهري من ادارةالصراع :
يذهب البعض الى ان ادارة الصراع تهدف الى تحقيق الى اكبر قدر من التنازلات من قبل العدو و تقديم اقل التنازلات من الذات بدون اللجوء الى الحرب.( انظر الباحث: عليوة : ادارة الصراعات الدولية )..
اما الباحث و يليامز في كتابه ( ادارة الازمات) فيقول في تعريفه لادارة الازمات: هي سلسلة الاجراءات و القرارات الهادفة الى السيطرة على الازمة و الحد من تفاقهما حتى لا ينفلت الزمام فتنشب الحرب.(انظر عبد الحسين شعبان: الصراع الايديولوجي في الصراعات الدولية )
اما الاكاديمي هافر يقول: ” انها احتواء الازمة و التلطيف من حدتها بشكل يستبعد معه حدوث اشتباك عسكري على نطاق واسع” (د. عبد الله عبد الخالق / العالم المعاصر والصراعات ).
يقول د. امين هويدي:” ادارة الازمة هدفها منع المواجهة بين اطرافها باستخدام القوات المسلحة، فاذا بدا القتال اعتبرت ادارة الازمة ادارة فاشلة”( كيسنجر وحرب اكتوبر )
و بالتالي يمكن القول ان ادارة الازمة هي فن ادارة السيطرة على الاحداث و عدم السماح لها بالخروج من اليد بحيث ينساق الخصوم الى المواجهة المسلحة.
مصدر الازمة :
غالبا ما ينتج الصراع بين الحكومة والمعارضة السياسية بسبب تصورات مبالغ فيها حول نية المعارضة ، فالتصورات المبالغ فيها و ليست الحقائق الموضوعية هي التي تقود الى الصراع ، فمثلا الحكومة الحالية تعيش دائما عقدة المظلومية بسبب انتمائها لايديولوجية المظلومية الشيعية وثقافة (الهولوكوست الشيعي ) .ولذلك من المناسب لها والمقبول عندها ان تعيش تحت اضطهاد ( نظرية المؤامرة ) حتى لو امتلكت اعظم خزائن الارض كالعراق وايران وحتى لو كان خصماؤها هم الضحايا المضطهدون في سجونها .
وكان على الحكومةان تنظر قبل الاتهامات التي ستوجها للمتظاهرين ماسبب التظاهر ونوع التظلمات والمطالب التي رفعها المتظاهرون ، فتتعرف بعناية ودقة واخلاص على المطالب الجوهرية للمتظاهرين وماالذي يمكن تحقيقه منها ومالايمكن؟ ومالذي يخضع للتفاوض والذي لايخضع؟ وهل المطالب مشروعة او غير مشروعة؟ وهل يمكن تحقيقها بدون الوقوع في المواجهات ام لا؟ ومالذي ستخسره او تربحه في الاستجابة للمطالب ؟ الخ . واخطر مافي الامر ان ترى الحكومة ان المطالب مشروعة ثم تتنكر لذلك بافتعال اتهامات لدول خارجية تتدخل في الشان الداخلي كما هو ديدن الحكومة الحالية . واخطر منه المماطلة التي توحي باستهتار الحكومة واستخفافها بالجماهير المنتفظة وربما يؤدي هذا الاستخفاف وهذه المماطلة بانفلات الامور وجر الاوضاع باتجاه المواجهة الاكيدة والثورة المسلحة .
المبحث الثاني: مبادئ ادارة الصراع :
1-محدودية الاهداف :
لابد من ادراك انه لايمكن تحقيق جميع الاهداف دفعة واحدة ولذلك لابد من عقلنة المطالب وعدم المغالاة فيها ويتم ذلك عن طريق بلورتها في هدف واحد تسبقه اهداف اولية متصاعدة حتى بلوغ الهدف الكلي او النهائي المتضمن جوهر جميع المطالب والمحيط بجميع الظالم .
2-عدم احراج الخصم :
فمن القواعد المستقرة في ادارة الصراع اعتبار الخصم شريكا في ادارة الصراع (مثاله طلب المتظاهرين من الحكومة حافلات لنقلهم الى بغداد للتظاهر او طلبهم حماية المتظاهرين … الخ) .
وذلك ان ادارة الازمات المعاصرة فيما بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد فيها مايسمى بتحقيق الانتصار الشامل على الخصم في (جولة واحدة )اللهم الا في حالة واحدة وهي حالة الثورة الشعبية الشاملة التي تحظى بالاجماع الوطني من جميع التيارات كما حصل في بعض دول الربيع العربي كتونس ومصر .واذن لابد من التفكير بترك خيارات مناسبة للخصم كي يخرج من الازمة بدون اراقة ماء الوجه .وعدم الضغط عليه باتجاه الهزيمة وهي الحال التي ربما تدفعه لاستعمال خيار القوة المسلحة واغراق البلد في حرب طاحنة لها اول ولايعلم لها اخر.
3-اتاحة الوقت المناسب للخصم من اجل التفكير الايجابي :
وهذه النقطة متصلة بما قبلها ومكملة لها لان الوقت القصير كقول المتظاهرين مثلا امام الحكومة 24 ساعة لتنفيذ المطالب او اكثر اواقل من شانه ان يحدث الارتباك وعدم الرؤية لدى الخصم فيلجا للحلول المضرة بجميع الاطراف .
4-التصعيد التدريجي بالمطالبات:
وهو مايعني ان تبقى جميع الخيارات مفتوحة ثم يبدا بالخيار الادنى ثم الاعلى فيجب العلم انه لاجدوى في اختيار المطلب الاقوى ابتداء لانه اذا فشل هذا الخيار في تطويع ارادة الخصم فانه لايبقى امام مدير الصراع الا تنفيذ تهديداته التي ربما لاتكون هي الخيار الصحيح ولا المناسب .
5- توسيع نطاق الشورى لايجاد الحلول الناجعة للمشاكل ومن اجل الاحاطة بزوايا النظر وعدم ترك اي منها خارج مجال الرؤية لان المشاورة تعين في الوقوف على حسابات تكلفة القرار وفق مراجعة دقيقة مع المشاورين .
6-احكام قبضة القيادة على القرار:
وذلك بمباشرة ادارة الصراع بنفسها حتى لاتدع مجالا لاحد في دفع الامور الى اتجاهات غير مرغوب فيها .وهذا فرع مبني على وحدة القيادة في جميع الدوائر الاحتجاجية .وقد ذكرناه في الاركان.
7-توسيع قاعدة الدعم اللازم للقرار:
وذلك بتوسيع دائرة الحلفاء والاصدقاء على مستويين :
اولا: المستوى الداخلي والشعبي بادامة الزخم سيما في الاحتجاجات والتظاهرات بغية الوصول الى الاجماع الوطني اذا امكن او قريبا منه .
وثانيا: على المستوى الخارجي : وذلك بالسعي لايجاد نوع من التاييد الدولي للقضية والهدف الاساسي هو التعاطف الدولي او الاقليمي نحو القضية .
8-تشكيل نظام معلومات جيد:
لمعرفة تطورات المواقف الحقيقية وغير المعلنة عند الخصم بغية الاستعداد لمواجهتها بما يعادلها من المواقف والتحضير للاسوأ .
9-استخدام الغموض:
بعض الاطراف تعمد الى استخدام الغموض كاساس هام في ادارة الازمات و هو غالبا ما ياتي من جانب الطرف الاقوى و هذا ما تقترحه الدكتورة” كورال بيل” كاسلوب مناسب للمواءمة بين سلوك صاحب القرار و بين نواياه الحقيقية وفق قواعده و مبادئه.
مواقف الادارة الامريكية من الصراع بين النظام الدموي والثوار السوريين يمثل النموذج الواضح لهذه السياسة بينما اليوم ادانةالادارة الامريكية والامم المتحدة باشد واقسى عبارات الادانة للهجوم على مقر مجاهدي خلق لمقتل 5 افراد منهم وجرح العشرات . وكذلك الغموض الذي تتعمده الحكومة العراقية في موقفها من الميليشيات المسلحة الشيعية العلنية وهي تستعرض قوتها بملابس عسكرية ميليشاوية وبسلاح واضح وبتهديدات فصيحة لسنة العراق بدون حياء ولا خجل وبدون اعتراض من الحكومة الطائفية مما يكشف وبوضوح الوجه الطائفي البغيض لهذه الحكومة.
الاستجابة للتحدي ونهاية الصراع:
تختلف الاستجابة للتحديات من طرفي الصراع فالقوي يهدف الى الهاء الطرف الاضعف لكي لا يحمل السلاح ضد الطرف الاقوى، والضعيف يحاول استجماع كل القوى وتحشيدها للمطاولة في الميدان، وفي الحقيقة لايمكن تحديد القوي من الضعيف في المراحل الاولى فالحكومة قبل التحدي الجماهيري تعتبر هي الاقوى والجماهير بعد التحشيد الشعبي والدعم الدولي تعتبر هي الاقوى من الحكومة .
و الادارة الحكومية للصراع غالبا ماتلجا الى التحايل على الخصم و التاثير فيه و في الوقت نفسه بالتحكم في تطور الاحداث و تجنب الحرب، وتحاول تحقيق التوازن الدقيق بين ممارسة الضغوط على الخصم بذكاء او ترضيته بثمن بخس او استخدرام الوسيلتين معا.
والفائز منهما هو من يستطيع اقناع خصمه بصدق عزمه على تصعيد النزاع ليحمله على التراجع عن التصعيد مع محاولة ايجاد مخرج لحفظ ماء الوجه بتسوية تنزع فتيل الازمة دون المساس بالمصالح الجوهرية لكليهما. والتجارب التاريخية والمعاصرة تقول ان الفائز في المعركة غالبا هي الجماهير مالم تغلب الحكومة صوت العقل وتعالج الامور بحكمة كما فعل ملك المغرب محمد الخامس .
تابع النقاش حول الموضوع على الصفحة https://www.facebook.com/profile.php?id=100003526880492#!/profile.php?id=100003526880492