من ماذا ؟ من كل شيء تقريبا ، حتى من الكتابة تعبت ، تبحثون على أسباب هذا الإحساس المخيب للآمال ؟ …سأستغل غباء أي سائل منكم لأقول أن هذه الحالة سببها قلة النوم و قلة النوم سببها الانفعال و تناول أكواب القهوة و حين تستمر الحالة مدة ليست
بالقصيرة كما تلاحظون يصبح التعب هو النهاية المحتومة ، لكن دعنا من كل هذا و لنتحدث بمنتهى الصراحة ، هل هناك من ليس تعبانا نفسيا في هذه الأمة ، سؤالنا لا يشمل بطبيعة الحال السادة المهربون و الفاسدون و المتاجرون بالذمم و بالنطيحة و ما أكل
السبع و كتاب البلاط و كل ما يشبه هؤلاء بالرضاعة أو بالتبني فهؤلاء لا يعرفون من التعب إلا الاسم و التعب الوحيد الذي يلازمهم هو التعب من عد الأموال المنهوبة و المهربة و المشبوهة ، نفسية الشعوب العربية متعبة من المحيط إلى الخليج و الأسباب و العلة
واحدة ، ما تعيشه الأوطان العربية من تخريب متعمد و إرهاب مقصود و بطالة متفشية و قلة ذات اليد يؤدى طبعا إلى حالة نفسانية منهارة و ما تقدمه الإحصائيات و الدراسات الطبية عن حالات الانتحار أو الإحباط أو اليأس دليل آخر على انسداد الأفق و هشاشة
الأوضاع و سوء الحكم العربي .
لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن فاجعة في هذا الوطن أو ذاك و لا تكاد تمر ساعات دون أن تسقط القذائف على أبناء الوطن في اليمن و ليبيا بل لنقل أن مشاهد الدماء قد غطت كل الساحات العربية دون استثناء بفعل إرهاب متجول أتى على الأخضر و اليابس
مدمرا للحضارة الإنسانية موغلا في التوحش و القذارة ، هؤلاء الإرهابيين الذين تحولوا إلى سوريا دمروا كل شيء جميل في الشام و تحولت الحضارة و الآثار إلى مجرد ركام بائس يدمى بمشاهدتها القلب ، هكذا أراد شيوخ الظلام و عمائم الفتنة و هكذا تحول العالم
إلى مخرب و زنديق يتبنى الفكر التكفيري البائس و بعد أن خربوها جلسوا على تلها كما يقال و لعلهم يبحثون اليوم عن فرائس أخرى لا تزال تنتظر اجلها المحتوم ، لقد جن جنون القوم و خرج فكر الإرهاب من جسد بعض شيوخ الظلام و بات مصير الأمة مجهولا
و هانت الدول العربية و سامها كل عدو ماكر ، لهذا تعبت و من هذا تعبت ، لا تكاد تفتح مذياعا أو صحيفة أو تلفزيونا إلا واجهتك عناوين مرعبة تتحدث عن مخطط تفتيت قادم أو خيانة دبرت بليل أو اكتشاف عميل مزروع بين ضلوع هذا الجسد العربي المنهك ،
و حدها إسرائيل تعبث بمصير الأمة و امة اشهد أن لا اله إلا الله غارقة في العسل و في تفخيخ أبناءها ليصبحوا قنابل انشطارية تمزق السلم الاجتماعية العربية و العالمية .
لا احد يهتم بما يحدث لان الكل قرف من هذا الوضع و من كل الحكام و ما حدث منذ ساعات في الأردن دليل جديد و متجدد على ما نقول لكن حكام العرب كالاستعمار يحتاج إخراجهم من السلطة إلى مفاوضات جلاء و تنازلات و ضمانات يقدمها الطامعون
في خلافتهم أو يقدمها النظام العالمي الجديد الذي بات يتحكم في مصير الدول العربية ، من العجب أن تتغير في الأردن الحكومات و لا يتغير الملك و هو سبب العلة و اصل الداء و من العجب أن يتراجع جلالته عن قرارات الحكومة و هو الذي تجاهل كل
الأصوات المعارضة لقرارات حكومة جلالته ، ربما عمل جلالته بمقولة أن تأتى متأخرا خير من لا تأتى أبدا و لكن و كما يقال ما كل مرة تسلم الجرة و الشعب الأردني طفح به الكيل و بات عصيا على فهم ما يدور في جعبته خاصة و أن سقطات حكومة جلالة الملك
متواصلة و متعددة و تؤكد انعدام السياسات الاقتصادية الواضحة و القابلة للتطبيق ، ربما تخفى الطفرة المالية النفطية عيوب و خور النظام السعودي الآيل للسقوط و ربما لعبت و تلعب المؤسسة الدينية دور الحارس المخيف للشعب لكن من المحقق أن غياب الحريات
الأساسية و انغلاق الأفق و الدوران في نفس الحلقة المفرغة ستكون لهم انعكاسات سلبية على مصير و مستقبل الشعب السعودي ، في كل الأحوال هناك حالة ملل لم تسيطر و لم تقدر عليها قنوات روتانا رغم كل الإعادات و تجمير الأفلام الهابطة .
يوما بعد يوم تزداد قناعتي أن الدول العربية قد تآكلت وانتهت، وقد آن الأوان للشعوب العربية أن تبحث لها عن دولة جديدة يكون فيها لحياة البشر قيمة ويكون للحكام فيها بعض من ماء الوجه يخجلون عندما يموت العشرات من أبناءنا الحارقين إلى ايطاليا و فرنسا
بحثا على لقمة العيش أو تغيير ” المحطة ” نتيجة لتقصيرهم و بطء إدارتهم للشأن العام ، بطبيعة الحال لن يستقيل الرجل و هو الطامح بشدة و غرور متزايد إلى كرسي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة سنة 2019 ، لن يستقيل لأنه فقد الخجل و الإحساس و
الوطنية و هذا الأمر يؤكد انه لم يكن يوما رجل دولة و رجل المرحلة و ابن الثورة ، لن تعيد قرارات حكومة العار في تونس أرواح من رحلوا كارهين لهذا الوطن مكرهين على رحلات الموت في عرض البحر و لن يغفر التاريخ لهذا الرجل انشغاله بمستقبله السياسي
في لحظة تاريخية تستدعى كثيرا من نكران الذات و الوطنية ، كل الذين ابتلعهم البحر منذ ساعات فقدوا حياتهم بالطبع و لكن لعنات عائلاتهم و أصوات كل الأحرار في تونس ستبقى تلاحق هذا الرجل حتى يسقط و يخرج من الساحة السياسية غير مأسوف عليه ،
هؤلاء الشهداء ينتمون إلى عائلات متفرقة على طول البلاد و عرضها و أينما ذهب رئيس الحكومة سيجد نفسه في مواجهة أصوات هؤلاء المعذبين في الأرض الذين تخلى عنهم هذا الرجل لينعم بالسلطة .