19 ديسمبر، 2024 5:57 ص

العراق بحاجة الى بناء موازنة مائية

العراق بحاجة الى بناء موازنة مائية

القرآن الكـريـم أورد أنواعاً كثيرة من الماء، لكل واحد منه طبيعته الخاصة، أولها: المغيض الذي نزل في الأرض وغاب فيها، وغاض الماء: قلَّ ونقص فقال تعالى:(وغيض الماء وقُضى الأمر)، فهلا إنتبهت وزارة الموارد المائية، لهذا الكم الهائل من المياه الجوفية، والعراق اليوم يعيش حالة الجفاف، لم يشهدها منذ عقود مضت؟

وثانيها مـاء الأرض: حيث خُلِقَ مع خلقها, ويظل في دورة ثابتة حتى قيام الساعة، يقول تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض)، ولا ينتبه العراقيون إليه أيضاً مع إرتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر، فلم يعوا أهمية ترشيد إستهلاك المياه في حياتهم اليومية، فالإسراف يسري بعروقنا وحدث بلا حرج.

ثالثها الماء الطهور: وهو العذب الطيب يقول تعالى: (وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً)، فهل تفكر الناس في كميات الماء المستهلكة، لغرض الوضوء والطهارة ومقدار التبذير فيه؟ ورابعها مـاء الشرب: يقول تعالى (هو الذي أنزل من السماءِ ماءً لكم منه شراب)، فماذا سيكون مصير الإنسان بلا ماء نظيف يشربه أيصبر كثيراً؟!

أنقل العتب الشديد اللهجة للحكومة بسؤال مهم وهو:هل وفرتِ الماء الصالح للشرب، بقدر المنح الإلهية التي وهبها الباريء للإنسان، لكي تدرك حكومتنا الموقرة واجبها تجاه المواطن، لتوفر له ماء الشرب، وأنتقل باللوم الأكثر شدة للمواطن عندما يطالب بحقه، هل أدى واجبه وترّشد في إستعمال مياه الشرب ودفع فواتير هذا الماء؟

خامسها الماء الأجــاج: شديد الملوحة غير مستساغ للشراب، قال تعالى: )هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج)، و(لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون)، وهو مياه البحار والمحيطات، التي تغطي أكثر من 70% من مساحة الأرض، فكيف بالعراق وهو لا يمتلك سوى الخليج العربي ليطل عليه؟ والذي لم نسمع بيوم أن حكومة عراقية، أقدمت على القيام بمشروعات مائية (التحلية)، لتستفيد فيه من كنوز هذا الماء المالح.

سادسها: الماء غير الآسن وهو الجاري المتجدد الخالي من الملوثات، فيقول تعالى في وصف أنهار الجنة:(فيها أنهار من ماء غير آسن)، وسابعها: الماء المبارك الذي يحيي الأرض، وينبت الزرع وينشر الخيـر قال تعالى:(ونزلنا من السماءِ ماءً مباركا فأنبتنا به جناتٍ وحب الحصيد)، فأين أنتِ يا وزارة الزراعة لتوفري هذا الماء للفلاحين؟ ليبارك الرب أرضنا حين كانت تعرف بأرض السواد لكثافة خضرتها، وكثرة منتوجها الزراعي وآسفاه!

ثامنها:الماء المسكوب الملطف للأرض، ويعطي الإحساس بالراحة للعين، وكأني أتحسس رائحة الدموع ألماً، وحسرة على دماء شهداء بلاد النهرين، ليعيش العراقيون في أمن وأمان، يقول تعالى:(وظـلٍ ممدود وماءٍ مسكوب)، وتاسعها:الماء الغـور الذي يذهب بالأرض ويغيب فيها فلا يُنتفع مِنه، يقول تعالى:(ويُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا)، وهو المتسرب لباطن الأرض، دون مقدرتنا على إستخراجه والإفادة منه، وعسى المستقبل القادم يخبئ لنا طرقاً جديدة له.

عاشرها: الماء المعين الذي يسيل ويسهل الحصول عليه والإنتفاع به، في قوله تعالى (فمَنْ يأتيكم بماءٍ معين)، وذلك الماء وُهِبَ للعراق بنهري دجلة والفرات ليروي أرضنا الطاهرة، ولكن مع شديد الأسف لا نرى ذلك في الواقع، تتحكم في حصتنا المائية دول الجوار، فلم نعد بلداً للنهرين بل معبراً لهما! والحادي عشر: هو الماء الغدق ومعناه الوفير بقوله تعالى: (وألّــو إستقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غـــدقــاً).

يا ترى لو أنصفتنا وزارة الري، وخلصت مشاريعها من الفساد والكسل والترهل، لكنا في حال أفضل بالتأكيد، ولأنعم الله علينا بالبركة في مائنا، ولسقانا من مائه الفرات الشديد العذوبة، كما في قوله تعالى:(وأسقيناكم ماءً فراتاً)، وهو النوع الثاني عشر من الماء، أما الثالث عشر: فهو ماء الينابيع الذي يسقط من السحاب فيجري في مسالك معروفة، بقوله تعالى: (الم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض)، وكم هي كثيرة ورائعة تلك المياه!

لو تحولت مياه العيون والحمامات والينابيع والأهوار والمستنقعات الى مناطق سياحية، لأغدقت على العراق خيراً وفيراً، كونها أماكن معتدلة الحرارة خلابة المشهد، يستجم فيها الناس طلباً للراحة والسكون والعلاج، والنوع الرابع عشر: الماء السلسبيل وهو ماء في غاية من السلاسة، وسهولة المــرور في الحلق من شدة العذوبة، وينبع في الجنة من عين تسمى سلسبيلاً، لأن ماءها على هذه الصفة الرقيقة في قوله تعالى: (عيناً فيها تسمى سلسبيلاً).

الختام مع الماء السلسبيل يعني أماني جميع العراقيين، بأن يشربوه في عليين مع المساكين، شريطة وجود النية الصادقة، والفعل الطيب، والقول الحسن، كما أن وجود هذه الأنواع على ظاهر أرضنا وجوفها، يوعز لوزارة الموارد المائية بالإلتفات لمشكلة شحة الماء، حيث تفاقمت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، مذكرين إياهم بأن كل شيء على وجه الأرض يحتاج للماء، فيقول عز وجل: (وخلقنا من الماء كل شيء حي).

أيها الحكومة الموقرة: ألا يكفي أن الحسين (عليه السلام) وعياله قد حُرِموا الماء، وأن أبي الفضل العباس (عليه السلام) مزقوا قربته؟ فلماذا لا تكون هناك إستراتيجية لحل مشكلة شحة المياه، حين دُفِع بالدول الواقع بحوزتها الأحواض المائية، للإستحواذ على المياه وخزنه وإحتكاره، مما أدى لمعاناة الدول التي تقع أسفل المجرى المائي مضافاً عليها سياسات النظام البائد مع هذه الدول وغياب معاهدات التنظيم بين الدول المتشاطئة.

المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الأشرف، أشارت في خطبتها يوم الجمعة ( 29/جمادى الأولى/1439 للهجرة) الموافق (16/شباط/2018للميلاد)، وعلى لسان وكيلها السيد أحمد الصافي، الى ضرورة أن نستشعر بقيمة الثروات الطبيعية التي وُهِبتْ لنا، ونوقظ أنفسنا من الغفلة عنها بالحفظ، والصون، والترشيد، والإستخدام الأمثل، فالعاقل هو الذي يستفيد من الثروات ويحفظها من الضياع، وهذا مصداق قوله تعالى:”وما أنتم له بخازنين” فهلا إنتبهنا للماء لأنه سر الحياة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات