تطرق اسماعنا العديد من المصطلحات السياسية والاجتماعية الجديدة والمستحدثة. وهذا هو حال الدنيا، فطالما هناك تغيرات اجتماعية وسياسية وعلمية؛ فلابد أن يصاحب ذلك توصيفات جديدة لتلك التغيرات. لقد دخلت العديد من المصطلحات في القاموس السياسي؛ منها «المعايير المزدوجة» و«الضوء في نهاية النفق» و«خارطة الطريق» و«الهلال الشيعي» و«الربيع العربي» و«الهلال الإخواني».
وما ابحثه اليوم هو «الهلال الشيعي» و«الهلال الإخواني»، فالأول هو «مصطلح سياسي استخدمه الملك الأردني عبد الله الثاني عام 2004، عبر فيه عن تخوفه من وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة في بغداد تتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي يمتد إلى لبنان ويخل بالتوازن القائم مع السنّة، ورأى في بروز هلال شيعي في المنطقة ما يدعو إلى التفكير الجدي في مستقبل استقرار المنطقة، لما يمكن أن يحمله من تغيرات واضحة في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة».
أما الاتراك، فهم على الصعيد الستراتيجي لم يتوجسوا من التحالف السوري ـ الإيراني لطابعه الطائفي فحسب، بل إنهم يعتبرونه محاولة روسية لتطويق تركيا من الجنوب، حيث يقول المؤرخ التركي المخضرم «خليل اينالجيق» أن روسيا «اتبعت سياسة ثعلبية، وعملت على تطويق تركيا من الجنوب كما في زمن روسيا القيصرية». ويقصد «اينالجيق» أن احد اسباب العلاقات الممتازة بين روسيا وكل من سوريا وإيران هو لإدامة هذا الطوق.
أما مصطلح «الهلال الاخواني» فهو خليجي المنشأ، اطلقه الكاتب الصحفي «مشاري الذايدي» في مقال له بعنوان «من الهلال الشيعي إلى الهلال الإخواني» نشر على صفحات جريدة الشرق الأوسط السعودية بتاريخ 31-05-2011.
يرى الذايدي أن «الحليف العربي الرئيس لإيران الخمينية، كان وما زال هو جماعة الإخوان المسلمين، سواء بشكلها التنظيمي الصلب أو بشكلها الفكري والخطابي، وكلنا (الكلام مازال للذايدي) يتذكر تصريحات المرشد السابق مهدي عاكف التي كان يفتخر فيها بعلاقاته مع إيران الإسلامية ويقدم دعمه المستمر لحزب الله في لبنان، وكيف أن عاكف و«إخوان الأردن» أبدوا تفهمهم التام لغزوة حزب الله على بيروت الغربية (يقصد احداث ايار 2008) بدعوى حماية سلاح المقاومة، بل إن عاكف أثناء حرب الحوثيين مع السعودية دعا السعودية (تشرين الثاني 2009) إلى الكف عن هذه الحرب».
وأضاف الذايدي بأنه «كان هناك حلف واضح بين إيران الخمينية وحركة الإخوان المسلمين، خصوصا في مصر، وتم التوافق في كثير من المحطات الحاسمة لصالح وجهة النظر الإيرانية، طبعا عواجيز الناصرية (يقصد محمد حسنين هيكل الذي رفض موقف عبد الله الثاني من إيران) ومحترفو الثورية دخلوا في هذا التحالف العريض، شعروا أو لم يشعروا، لكن الفائدة تصب في جيب «الإخوان» وملالي طهران».
ويؤكد الذايدي أن «الإخوان (المسلمين) في ظل الهزات الكبرى التي تضرب العالم العربي هم الرقم الصعب وهم الحزب المنظم وهم المستفيد الأكبر من اهتزاز شجرة الأنظمة الحاكمة، وهم من يلتقط الثمر المتساقط من هذه الشجرة المهتزة». وقد تحققت نبوءة الذايدي في تونس ومصر.
إنّ الاماراتيين هم الوحيدون الذين لم يذهبوا بعيدا في تأييد «الربيع العربي»، فقد كانوا، على ما يبدو، على بينة تامة من مآله لصالح التنظيمات الدينية، وبالذات «الاخوان المسلمين» الطامحين لتصدير تجربتهم وتعميمها في عموم الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع باكتشاف اجهزة الأمن الاماراتية التنظيم الاخواني السري الذي يعمل على ارض الامارات.
ويعتبر ضاحي خلفان قائد شرطة دبي ابرز من اعلنوا الحرب جهارا بوجه الاخوان المسلمين، فقد اتهمهم «بالتآمر على قلب أنظمة الحكم بدول الخليج العربي»، وقال في مناسبة أخرى أن «دول وحكومات الخليج لن تسمح لتنظيم الإخوان المسلمين بقلب الطاولة كما قلبها على آخرين في دول أخرى». [جريدة الوطن الكويتية 26-07-2012]
وخلفان أكثر موضوعية من الذايدي، فهو لم يتوقف كثيرا عند الربط بين الاخوان المسلمين وإيران، حيث قال أن «على الاخوان (المسلمين) وجميع حكومات دول الشام وشمال افريقيا أن يعرفوا أن الخليج خط أحمر ليس على إيران فقط ولكن على الاخوان ايضاً».
وتنبأ خلفان بأن الكويت ستكون اول الدول الخليجية التي ستسقط بيد الاخوان المسلمين في عام 2013، لأن «هناك تعاوناً بين إخوان الكويت ومصر، فهذا التنظيم يدير خلاياه من الدول التي يتواجد فيها». وحذر خلفان من أن ذلك سيشكل بداية نهاية حكم العائلات في الخليج العربي التي ستتحول إلى «حكومات تملك ولا تحكم».
لقد اوكلت السعودية والكويت والإمارات إدارة المعركة مع «الاخوان المسلمين» لوسائل الإعلام وللأجهزة الامنية، فالأولى تتولى تعريتهم فكريا والثانية تتولى كشف تحركاتهم السرية وتفكيك شبكاتهم المحلية المرتبطة بالقوى الإسلامية المحلية.
أما في الاردن، فقد تولى الملك عبد الله الثاني التحذير من تصاعد النشاط الاخواني في الاردن وفي المنطقة، فقد حذر بتاريخ 12-01-2013 من «خطر حلول السلطوية (الديكتاتورية) الدينية مكان السلطوية العلمانية في دول الربيع العربي». وقال: «عندما تتراجع حقوق النساء، وتخشى الأقليات والمسيحيون وغيرهم على مستقبلهم، وعندما تقوّض التعددية، فهذه ليست ديمقراطية». وأضاف عبد الله الثاني: «ما يقلقني ليس فوز الإخوان في الانتخابات، ما أخشاه هو احتمال تقويض التعددية ومبدأ تداول السلطة عندما تفوز جماعة ما في الانتخابات، ثم تستخدم سلطتها لتغيير قوانين اللعبة لصالحها وتبقى في السلطة حتى بعدما تفقد شعبيتها وشرعيتها».
إن المخاوف الخليجية من «الهلال الإخواني» تحاكي القلق العراقي منه رغم اختلاف الاسباب.ويمكن للعراق أن يستثمر الاشتباك «الخليجي ـ الاخواني» لتحسين علاقاته مع دول الخليج بما يعيدها إلى ما كانت عليه قبل الغزو العراقي للكويت.
إن الحاجة ماسة جدا، تكتيكيا وستراتيجيا، لبناء افضل العلاقات مع اخوتنا الخليجيين، بالذات السعودية والكويت والإمارات، وإذا ما بقي الهاجس الطائفي يخيم على رؤية كِلا الطرفين؛ فسوف لن تتحسن علاقاتنا أبدا. ويمكن الاستعانة بالكويت التي تتحسن علاقتنا معها باضطراد من اجل الولوج نحو علاقات افضل مع السعودية بالذات، خاصة إذا ايقن اشقاؤنا الخليجيون أن لا اجندة طائفية ولا ثورة لدينا لكي نصدرها لهم.