23 ديسمبر، 2024 10:34 م

الشعب والحكومة والبعث والرسوب بالتاريخ

الشعب والحكومة والبعث والرسوب بالتاريخ

1
في اغلب مراحل الدراسة يتواجد كتاب ودرس التاريخ، واعتدنا ان نسمع مقولة لابد ان نتعض ونتعلم من تاريخنا، من قبل استاذ التاريخ بدا من المعلم في الدراسة الابتدائية مرور بالمدرس في الدراسة المتوسطة والاعدادية وانتهاء بالجامعة او المعهد، كذلك الامر في الكثير من المفاصل الحياتية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ياتي التذكير بالتاريخ القديم او الجديد، و في بعض الاحيان يضرب مثل عن حدث او حالة ما،  يتم ربطها بما حصل في فترة تاريخية مماثلة، او اعادة حالة او حدث تكرار في وقت سابق من التاريخ القريب او البعيد. مثلما ياتي الاستشهاد بوقائع تاريخية محلية او عربية او عالمية. في الكثير من المناسبات بتعدد الوانها واشكالها. سوا على مستوى الشخص، اوالعائلة، اوالعشيرة، اوالطائفة، اوالقومية،  وصولا الى المجتمع.
 في الاونة الاخيرة من حياة او مرحلة المجمتع العراقي الجديدة، ومن خلال الوسائل الاعلامية والمنابر السياسية والدينية، يتم التذكير باهمية قراءة التاريخ او احداث تاريخية معينة اعترضت مسيرة البلد. حيث يتم التشديد على اهمية اخذ العبرة والانتباه والحذر من امور وبدايات مشابهة لتك الاحداث تحصل الان،  نتج عنها ماسي والم وحروب ودمار وخراب وحصار وفقر وعوز وتشرد وهجرة وتهجير وارهاب وقتل ومليشيات وتفكك لمنظومات القيم والاخلاق الاجتماعية هذا على النطاق المحلي الداخلي. او احداث خارجية وقعت في دول وبلدان موزعة في شتى الارجاء نتج عنها تفكك تلك الدول وتحولها الى دويلت صغيرة تنصاع بشكل سهل تحت اي ضغوطات سياسية او عسكرية او اقتصادية. يحصل هذا نتيجة سياسيات ومناهج خاطئة من قبل الحكومات او السلطات التي تصل الى مرحلة الاستبداد بوقت قياسي، او تلك الى تقع تحت تاثيرات سياسية خارجية، او تلك التي تفكر بشكل قومية او مذهبية طائفية، بعيدا عن الاهتمام بما هو اهم من كل ذلك الوطن والمواطن، وما يريد كل واحد منهما من هذه السلطة او الحكومة.
تاريخنا العراقي الحديث منذ تاسيس الدولة العراقية اوائل العشرينات من القرن المنصرم، مرورا بالكثير من الاحداث، انتفاضات تظاهرات احتجاجات، تبديل الحكومة وحل البرلمان مرات عدة في العهد الملكي، وحتى ثورة تموز عام 1958 وما تلاها من انقلابات داخلية بمعونة ومساعدة خارجية اوصلت حزب فاشي دموي الى مقاليد السلطة في البلد، وما كان من هذا الحزب الا رد الجميل الى بعض تلك الجهات التي ساعدته في الوصول الى السلطة، ليعيد ويسلمها البلد ومفاتيح ثرواته، في وقت يشتد فيه الصراع بين قوى كبرى من اجل بسط الهيمنة والنفوذ على منابع النفط والغاز والثروات الاخرى في عموم الشرق الاوسط. منذ ذلك التاريخ ونحن ننصح انفسنا بان نتعض ونعتبر من مآسينا وتاريخنا الملبد بالموت والصراعات والحروب والفاشية والدكتاتورية، لكن من غير فائدة!
2

بين اونة واخرى نعود بالحنين الى فترة سابقة من التاريخ، بما تحمله من احداث متنوعة، حتى باتت حالة ملازمة للفرد والمجتمع العراقي. قد يكون هروبا من حاضر مكفن بالصراع السياسي والخلاف والفوضى التي ستنتج عن تطور هذا الخلاف والصراع، المستند الى المصالح الشخصية والفئوية والحزبية، بما ينتج عنها من حسابات متراكمة عبر مرحلة السنين العشرة الماضية ، وسجالات فضائحية اعلامية مسيرة ومدعومة بايد خارجية متعددة الالوان والاشكال.  ينظر من خلال هذا الحاضر المشتبك والمرتبك الى مستقبل غامض ومجهول، ليصل الامر بالنهاية الى مرحلة الاحباط والتشاؤم الى ابعد ما يمكن تصوره.
ومن بين اهم المراحل التي اوصلتنا الى ما نحن عليه الان. والتي دائما ما نتذكرها ونحاول ان نتعض منها، هي يوم قال الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم “عفى الله عما سلف”، عن بعض العناصر المجرمة، حين تعرض لمحاولة اغتيال اولى دبرت من قبل عناصر البعث الفاشي ومن مؤلهم وخطط لهم من قوى رجعية، ولانهم أمنو العقوبة اعادوا الكرة مرة اخرى ونجحوا فيها بانقلاب 8 شباط المشؤوم. ورغم كل هذا لم يتعض من البعث واسلوبه الدموي وتم الدخول معه في “جبهة وطنية” لاتزال اشكالاتها ومردوداتها السلبية وما نتج عنها، حديث يعاد التذكير به بين اونة واخرى، لاجل اخذ العبرة والاتعاض من افعال البعث من قبل الشعب، وفي ذات الوقت على الحكومة والسلطة الاتعاض مما وصل اليه البعث في نهاية حكمه وتسلطه على رقاب العراقيين، وكيف اختبئ وهرب اعضاءه وقيادته واختفوا برمشة عين، رغم كل ذات التحشيد والترهيب الذي مارسوها ضد ابناء الشعب.
وبعد ان حدث ما حدث منذ ان استولى البعث على السلطة، وحتى يوم سلم البلد الى الامريكان وما تلاه من متغيرات سياسية واجتماعية جديدة، حاول ازلام النظام العودة والتسلق الى السلطة عبر تبديل الوجوه والتسميات وكان لهم ما ارادو، فدخلوا في كل الاحزاب والقوى السياسية وخاصة الدينية الطائفية منها، ووصلوا الى مراكز عليا في الحكومة والبرلمان والعديد من الوزارات والهيئات، وخاصة الامنية. ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا اعادة البعث ولو بشكل اخر، لكن لايختلف عن الجوهر. مع تساهل سياسي من قبل بعض القوى بقبولهم وادخالهم في تنظيماتهم الحزبية وهذا المرة بالشكل الطائفي. ولم يكتفوا بذلك بل عادوا ودعموا وساندوا العديد من الاشخاص ممن يعملون في منظمات واتحادات ونقابات وايضا بشكل طائفي علما ان الكثير منهم كان ضمن العاملين في منظومات البعث المقبور. ولا يخفى على احد دور البعث في احداث العنف الطائفي التي ضربت البلاد منذ 2005 وحتى 2008 وما نتج عنها من الاف الضحايا ومئات الالف من المهجرين.
3
سقط البعث ودخل البلد مرحلة جديدة وجوه واحزاب وقوى جديدة، نظام ديمقراطي، تعددية فدرالية، مصطلحات كانت جديدة نوعا ما على الفهم الشعبي العراقي، وجرت انتخابات اولى افرزت واوصلت قوى تحت يافظة طائفية وقومية، وتم معاودة الكرة، وما نتج بالمرة الاولى عاد وتكرر ثانية وثالثة بانتخابات مجالس المحافظات حتى بالاستفتاء على الدستور. وبعد ان وصل الامر الى حد السخط والندم من قبل الشعب على ما ارتكبه من اخطاء حين كرر ايصال او الابقاء على ذات القوى وتوجهاتها الضيقة وفشلها في ادارة البلد. وبعد سيل من الماسي الناتجة عن خلافات وصراعات سياسية تسببت بتعطيل عجلة التقدم، وبعد تبادل اتهامات بين كل الاطراف عن سبب الازمات وخلقها، وترحيلها من فترة الى الاخرى، اخذ الشعب بالوعي والنظر الى الامور من زاوية جديدة، بانت ملامحها في تظاهرات اولى في شباط من العام قل الماضي، اجبرت الحكومة على اعطاء مهلة 100 يوم لاصلاح وتعديل بعض الامور في الوزرات، لكن كل شيء ظل على ما هو عليه، لا بل زاد الطين بلة. هذا مع سلسلة طويلة عريضة من التهم الجاهزة التي وزعت على المتظاهرين. وفي ذات القوت استطاع الكثير من المندسين الدخول بين جموع المتظاهرين ورفع شعارات غير تلك التي رفعت اول انطلاق التظاهرات. بالاضافة الى محاولة التضيق التي مارستها الحكومة بغلق الشوارع واعلن حظر التجول، وانزال قوات الشرطة بكثافة الى الشوراع، ليصل الامر بالنهاية الى اعتقال بعض المتظاهرين ومن بينهم الشباب الاربعة. وكأن الحكومة تقول: اياكم والتظاهر مستقبلا.
4
وما ان بدات الجماهير تلوح بالتغيير من خلال صناديق الاقتراع في انتخابات مجالس المحافظات المزمعة اقامتها في نيسان المقبل، بعد الفشل الذريع للمجالس الحالية في تطوير وتقديم الخدمات للمواطنين، عاود الساسة العزف على وتر الطائفية والمذهبية، واعادة بناء وترميم الخنادق الطائفية والتمترس خلفها، من خلال شحن الشارع بشعارات تحث على ذلك. وهذا ما حدث من ازمة اعتقال حماية العيساوي، وتحول المطالبة باطلاق سراح الحماية، رغم اعترف امر الفوج بارتكابه جرائم الارهابية، الى مطالب باسقاط الحكومة وتغيير النظام، بسبب دخول اطراف سياسية الى الازمة وبقوة، واعادة شحن بعض المتظاهرين، بمطاليب اذ ما تحققت ستجلب الدمار والخراب الى البلد، وبشكل خاص، قانون العفو العام، والغاء قانون المسالة والعدالة، والمادة 4 ارهاب. رغم انها مطالب سياسية خاصة يرد منها كسب فئة معينة من الشارع لاجل الانتخابات المقبلة، الا انها حولت الى مطالب على لسان بعض المتظاهرين، بالاضافة الى رفع شعارات واعلام من قبل البعض الاخر، تستفز الحكومة وقوات الامن. الامر الذي اداى الى اجهاض التظاهرات والاعتصام بعد حملة التشويش والتشويه التي تعرضت لها من قبل جهات مقابلة ومضادة لاطراف سياسية دخلت بين حشود المتظاهرين ورفعت مطالبها الخاصة، مع خروج تظاهرات في مدن اخرى مؤيدة ومساندة للحكومة مبنية على اساس طائفي مثلما صور البعض او ارد ان تكون تظاهرات الرمادي طائفية. مما ادى الى ضياع المطالب الحقيقية والمشروعة والممثلة بتقديم الخدمات والقضاء على البطالة ورفع المستوى الاقتصادي والمعاشي للفرد والقضاء الى الفساد والارهاب، واعادة التوازن الى مؤسسات الدولة، وتسمية وزراء الدفاع والداخلية، والكثير من المطاليب الاخرى التي تهم عامة ابناء الشعب العراقي، بكل قومياته واطيافه، وهذا ما اقرات به الحكومة بشرعية بعض مطالب المتظاهرين.
 كذلك الحال مع قانون العفو العام حيث كان الاجدار بهم المطالبة باطلاق سراح الابرياء وغير المدانيين بجرائم، مع اهمية تطبيق قانون المسالة والعدالة،على الجميع، لاننا لا نزال نتذكر ونبكي من جرائم البعث ومقابره الجماعية وسجونه ومعتقلاته، كذلك الامر مع مادة 4 ارهاب التي لابد ان تطبق على الجميع، لاياخذ كل ذي حق حقه، وينال كل مجرم جزاءه العادل، لا ان تبقى ملفات خافية تظهر وقت الحاجة لها.
5
والذي يبدو ان الشعب سيدخل لعبة الانتخابات المقبلة، بارادة طائفية ومذهبية وقومية، ولن يتعض وياخذ العبرة من نتائج الانتخابات السابقة، رغم كل سخطه وتوعده بالتغيير، لوجود ارادة اكبر منه تدفعه الى ذلك، هذا بالاضافة الى ما تم رصده من الان من قبل بعض القوى والاحزاب السياسية من هبات وهدايا توزع مع قرب موعد الانتخابات. الحكومة هي الاخرى لم تتعض مما حدث في الدورة السابقة وانسحاب العديد من وزراء الكتل ولو الموقف الوطني لوزير العلوم والتكنلوجيا رائد فهمي وبقاءه رغم انسحاب وزراء كتلته انذاك، لانهارت الحكومة. وربما وصلنا الى طريق مسدود. هذا مع العديد من الكبوات الاخرى على المستوى الامني والخدمي. وها هو الامر يعاود مرة اخرى ولم يحضر وزراء بعض الكتل وتوقف او تعثر اجتماع مجلس الوزراء، رغم ان الحكومة الحالية تاخر تشكيلها لمدة نصف عام بعد ظهور نتائج الانتخابات، اذ كان من الاولى له ان تعمل على لم وجمع كل القوى حولها، لا العكس، ونحن نعلم هناك من الاحداث والامور ما لايمكن تحمله من البعض، لكن المرحلة تفرض غير ذلك على الحكومة. والازمات المتلاحقة قد تاتي على كل شيء وسط اجواء داخلية وخارجية، واقليمية خاصة، مشحونة دينيا وطائفيا وقوميا وسياسيا واقتصاديا.
 بالنهاية نتمنى من الشعب ان يتعض من التاريخ الانتخابي القريب، وان تكون مطاليب تظاهراته شرعية ودستورية، ونتمنى من الحكومة وكل القوى السياسية الاخرى حتى المرتبطة  بالبعث او من هي امتداد له، ان تجعل نهاية البعث امام اعيانها في كل وقت وزمان ومكان. وكفانا كل شيء سوا الفرح وما ارتبط به.