خاص : كتبت – نشوى الحفني :
منذ، الأربعاء الماضي، والشارع الأردني في حالة غليان ولم يهدأ.. بل يزداد الأمر سوءً احتجاجًا على ارتفاع الأسعار ومشروع قانون أعدته الحكومة بشأن ضريبة الدخل، وهو الأمر الذي إستدعى تدخل الملك، “عبدالله الثاني”، ليعلق القرار ويدعو إلى الحوار في محاولة منه لحلحلة الأزمة التي أصبحت خارج السيطرة.
ويشهد “الأردن” احتجاجات، منذ يوم الأربعاء 30 أيار/مايو الماضي؛ فقد خرج المئات إلى شوارع العاصمة، “عمان”، ومدن أخرى إستجابة لدعوات النقابات التجارية.
ووقعت اشتباكات بين قوات الأمن ومحتجين في العاصمة، “عمان”، حيث أطلقت قنابل غاز مسيل للدموع لتفريق المظاهرات.
وشهدت مدن أخرى احتجاجات مماثلة. ففي مدينة “معان” الجنوبية، أضرم المتظاهرون النار في إطارات سيارات على الطرق السريعة ووقعت مناوشات مع الشرطة.
وطالب محتجون بإقالة رئيس الوزراء، “هاني الملقي”. وبالفعل “الملقي” استقالته من منصبه بعد ظهر، أمس الإثنين، على وقع الاحتجاجات الساخنة التي شهدتها البلاد، والتي بدأت بإضراب عام عن العمل نظمته النقابات المهنية، يوم الأربعاء الماضي.
وتأتي استقالة الحكومة إستباقًا للجولة الثانية من الإضراب، والتي قررتها النقابات المهنية يوم الأربعاء المقبل، في محاولة لتهدئة الشارع في الأردن، كما تأتي الاستقالة بعد ساعات من زيارة ولي العهد الأمير، “الحسين بن عبدالله”، للمحتجين ومطالبته لقوات الأمن بحمايتهم والحفاظ على حقهم في التعبير عن آرائهم.
وأعلن رئيس مجلس النقباء ونقيب المهندسين، الدكتور “علي العبوس”، أن إضراب، الأربعاء المقبل، مستمر على حاله حتى إن استقالت الحكومة لأن “المطلوب هو تغيير النهج وليس الأشخاص”، بحسب ما نقلت عنه وسائل الإعلام المحلية صباح الإثنين.
يضع مزيدًا من الأعباء على الشعب..
وتحذر نقابات عمالية من أن مشروع القانون، الذي يدعمه “صندوق النقد الدولي”، يضع مزيدًا من الأعباء على المواطنين، فيما تقول الحكومة إنها تهدف إلى جمع تمويل لخدمات عامة.
وكانت الحكومة قد اعتمدت مشروع “قانون ضريبة الدخل”، الأسبوع الماضي، بهدف توسيع قاعدة الضرائب في البلاد وتوفير 300 مليون دينار، (420 مليون دولار)، للخزينة كل عام، إلا أن البرلمان لم يوافق عليه حتى الآن، فيما رفض رئيس الوزراء، “هاني الملقي”، سحب مشروع القانون المثير للجدل، لكنه أكد على أن الحكومة مستمرة في مباحثاتها مع النقابات التي تمثل العاملين في مؤسسات حكومية وبالقطاع الخاص.
وبموجب القانون الجديد المقترح، فإن أي شخص لديه دخل سنوي قدره 8000 دينار أو أعلى يجب أن يدفع “ضريبة الدخل”، في حين أن الشركات ستواجه ضريبة أكبر. ويشدد القانون العقوبة على المتهربين.
وأصدر أغلبية النواب، 78 من أصل 130 نائبًا، بيانًا أكدوا تصويتهم ضد مشروع القانون، يوم الجمعة.
وقالوا: إن “قانون ضريبة الدخل لا يخدم مصالح الناس الاقتصادية والاجتماعية”.
تنفيذًا لمطالب “صندوق النقد الدولي”..
حصلت الحكومة، عام 2016، على قرض بقيمة 723 مليون دولار من الصندوق لدعم إصلاحات اقتصادية، وطلب منها الصندوق “إلغاء الدعم ورفع الضرائب” كي يتسنى لها الحصول على قروض أخرى مستقبلاً.
ويهدف القرض إلى دعم الإصلاحات الاقتصادية والمالية حتى يتمكن الأردن من تقليل الدين العام، من حوالي 94 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 77 في المئة بحلول عام 2021.
جمد زيادة الأسعار ودعا لحوار وطني شامل..
وكان ملك الأردن، “عبدالله الثاني بن الحسين”، قد أمر بتجميد زيادات أقرتها الحكومة في أسعار “الوقود والكهرباء” بعد الإضرابات الغاضبة التي شهدتها البلاد.
كما دعا الحكومة والبرلمان إلى الدخول في “حوار وطني شامل” للوصول إلى “صيغة توافقية” حول مشروع قانون الضريبة.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الحكومية، (بترا)، فقد شدد الملك على “أهمية مشاركة الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني في الحوار بصورة فاعلة”.
ونبه الملك إلى أن “التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني سببها الظرف الإقليمي الصعب”.
وشهدت المملكة ارتفاعًا في الأسعار بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، ويعاني 9.5 مليون نسمة من معدلات الفقر والبطالة.
مشاركة الجامعات في الاحتجاجات..
الجامعات الأردنية هي الأخرى دخلت على خط الاحتجاجات، حيث نفذ طلاب في جامعتين أردنيتين، الأحد 3 أيار/مايو 2018، اعتصامين احتجاجًا على القرارات الحكومية ومشروع “قانون ضريبة الدخل”.
ورفع الطلاب في الجامعة الأردنية، (شمال عمّان)، شعارات تطالب بإسقاط الحكومة والتراجع عن “قانون ضريبة الدخل”.
وفي محافظة “الكرك”، (جنوب المملكة)، اعتصم العشرات من طلبة “جامعة مؤتة” احتجاجًا على القانون ذاته.
وأكد الطلاب “وقوفهم ضد توجهات الحكومة في جباية الأموال من جيوب المواطنين لسداد ديون صندوق النقد والبنك الدوليين”.
وطالبوا الحكومة برئاسة “هاني الملقي” بـ”الاستقالة حرصًا على المصلحة الوطنية وحماية مصالح الشعب الأردني”، على حد قولهم.
الإضراب بشكل كامل عن العمل بهدف إسقاط الحكومة..
في سياق متصل؛ أعلنت ثلاث نقابات مهنية أردنية، أنها قد راجعت موقفها مرة أخرى من الخطوات الاحتجاجية، مؤكدة إضرابها عن العمل بشكل كامل، يوم الأربعاء المقبل.
وأكد نقيب المحامين الأردنيين، “مازن أرشيدات”، أن “النقابات المهنية مستمرة في إضرابها بهدف إسقاط الحكومة وتحقيق المطالب الشعبية المشروعة”.
الأحداث المتسارعة لوتيرة الاحتجاجات جعلت الجميع يتساءلون عن “ماذا سيحدث بعد ذلك ؟”.. فيشير بعضهم إلى ضرورة مراجعة الحسابات الماضية الخاطئة. ويرى آخرون ضرورة التحرك سريعًا لأن البلاد “على حافة هاوية”.
لن تتراجع الحكومة تحت الضغط الشعبي..
فيقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني، “جمال الشلبي”، حول قانون الضريبة؛ إنه من الطبيعي طرح هذا القانون على ممثلي الشعب، خاصة أنه يتعلق بالأمور المالية، معربًا عن اعتقاده بألا تتراجع الحكومة عن هذا القانون تحت الضغط الشعبي؛ وإن تقدمت الحكومة باستقالتها، لأن الأمر، حسب وصفه، تجاوز الحكومة وتجاوز أعلى مستوى في الدولة، فالأمر كما قال يتعلق بمديونية تبلغ سبعة وأربعين مليار دولار.
ضرورة مراجعة الحسابات..
ويقول “فايز الفايز”، في (الرأي) الأردنية: “لا شك أن الاحتجاج والتظاهر هو من حقوق المواطنين، وما يحدث اليوم من إختناق اقتصادي وجمود سياسي وتخل خارجي عن نجدة الحكومة الأردنية، كان متوقعًا منذ سنوات… والسبب أنه لم يتغير شيء حقيقي في عقلية إدارة أزمات الدولة المالية ولا التحفيز الاقتصادي ولا الشراكات مع الدول التي تنقل خبراتها لأصدقائها”.
ويضيف: “إذا أردتم الحل، فتخلصوا من أصحاب الوظائف المزدوجة في المناصب الرسمية والمؤسسات والجامعات والتي تكلف عشرات الملايين، ونفذوا فيها مشاريع للشباب، فهم الوقود الذي يشعل محركات الشارع وليس المحرضون أصحاب المآرب”.
ويتساءل “صالح القلاب”، في الجريدة نفسها: “والآن.. ماذا بعد ؟”.. متابعًا: “بعد أن اصطدمت رؤوسنا بجدران الحقيقة الموجعة؛ علينا أن نعرف وندرك أنه لو أسقطت هذه الحكومة وتلاحق على مقعد رئيسها عشرون فارساً من الذين ينتظرون أن يصلهم الدور، فأنه لا يمكن إنقاذ سفينتنا من غرق مدمر لا سمح الله إلا بأن نراجع كلنا الحسابات الماضية القائمة على الإفتراضات والتقديرات الخاطئة”.
وينبه “القلاب” إلى أنه من حق “كل أردني أن يدب الصوت عاليًا وأن ينتقد سياسات هذه الحكومة والحكومات السابقة التي أورثتها هذه التركة الثقيلة”.
غير أنه يطالب الجميع بالتعامل بعقلانية، ويحذر من “تلك الانقلابات العسكرية البائسة التي أطلق عليها أصحابها ظلماً وبهتاناً مصطلح الثورات؛ كانت النتائج كل هذا الدمار والخراب الذي حل بدول شتى”.
يجب مغادرة الحكومة..
تحت عنوان: (قراءة المشهد الأردني بعد الإضراب.. ماذا بعد ؟).. يقول “محمد جميعان”، في (رأي اليوم) اللندنية: “أرى أن الأمور تجاوزت ما كان سهلاً من مطالبات، وأصبحنا أمام ضرورة ملحة وفورية في مغادرة هذه الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من أولي العزم والكفاءة والنزاهة، تحمل نهجاً وعلى عاتقها فتح ملفات الفساد لإجتثاثه وإسترجاع الأموال المنهوبة ومعالجة الفقر والبطالة و الملف الاقتصادي برمته”.
ويضيف: “أرى أن مزيداً من التباطؤ والإنتظار أو المعالجات الجزئية والتجريبية لن تفي بالغرض بل تسبقها بشكل متسارع تصاعد ما يجري من احتجاجات ويصبح ما كان ممكناً عصياً على تقبله والقبول به”.
الاحتجاجات تتجه للتصعيد..
وترى (القبس) الكويتية أن احتجاجات الأردن “تتجه إلى التصعيد”، في الوقت الذي تقول فيه اتحادات عمالية: “إن مشروع القانون، وهو جزء من إجراءات تقشف أوسع نطاقًا يوصي بها صندوق النقد الدولي، سيؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة”، على حدِ قول (القبس).
على حافة الهاوية..
تحذر “رندا حتامله”، في (رأي اليوم) اللندنية من أن “الأردن على حافة الهاوية”.
وتقول: “اليوم الدولة الأردنية حكومة وشعبًا أمام منعطف خطير لابد للحكومة أن تستعمل التدرّج والحكمة والعمل على تهدئة الوضع بدل الفرملة المفاجئة التي لن تخدم بصدمتها الجميع، فثمة أكثر من جرح ملتهب في الأردن لن تجدي معه سياسة التعتيم الإعلامي، فرائحة الجرح تجاوزت حدود الوطن ووصلت لأجهزة الإعلام العربية والغربية، ومازالت الحكومة تضغط على الجرح لينزف أكثر وبصلافة ترفع أسعار المحروقات وكأن أنين يوم الأربعاء لم يوقظها بعد”.
الدولة ستتحرك وتطمئن الشارع..
من جانبه؛ يرى “نضال منصور”، في (الغد) الأردنية؛ أنه في الساعات المقبلة يتوقع تحرك “ماكينة الدولة” بسرعة، وعلى الأرجح أن تعلن قرارات تطمئن الشارع، وتحاول إمتصاص غضبه.
ويتفق معه، “عمر عياصرة”، في (الدستور) الأردنية، قائلاً: “لا تحتاج نتائج الاحتجاجات الشعبية إلى مجهر بصري كي نتعرف إلى نتائجها، أصبحت واضحة وضوح الشمس، أنها تعلن ببساطة عن نهاية شرعية قانون الضريبة وشرعية الحكومة معًا”.
تشابه الأحداث مع “مصر”..
أما “أحلام حسنين”، فتربط بين الأحداث في “الأردن” و”مصر”.
وتقول، في الموقع الإلكتروني (مصر العربية): “تشابه الإجراءات إلى حد ما بين الأردن ومصر جعل الأمل يراود البعض أنه إذا حدث احتجاجات ربما تلجأ الحكومة المصرية إلى إلغاء قرارات رفع أسعار المحروقات وغيرها من أسعار السلع والخدمات على غرار نظيرتها الأردنية”.
موقف صائب من النقابات..
الكاتب السياسي الساخر، “أحمد حسن الزعبي”، أشاد بالهبة الاحتجاجية التي تشهدها البلاد، كما أثنى على “الدور الحقيقي الذي بدأت النقابات المهنية تمارسه مجدداً، من خلال قيادتها الشارع للاحتجاج”.
وقال: “النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني بدأت تأخذ دورها من جديد، ومن ثم فمن المهم أن يستيقظ الجميع حين نشعر أن الوطن أصبح مهدداً، وبات في حالة الخطر”.
وأضاف “الزغبي”: “المواطن اليوم بات هو من يحمل همومه وينزل بها إلى الشارع بنفسه ليعبر عن مكنوناته، بالطريقة التي يريد ويراها مناسبة”.
واتهم الحكومة بأنها “باتت متغطرسة، ويجب عليها التراجع فوراً عن قراراتها بشأن الضريبة؛ لأن المواطن المكلوم والمهموم بمشاكله الاقتصادية لن يتراجع أبداً”.
ودعا الكاتب الأردني السياسي المشهور بأسلوبه الساخر، الجماهير إلى الإصرار على موقفها الشعبي والميداني “بنفسٍ طويل”، حتى تحقيق مطالبها كافة.
إقالة الحكومة والتباحث مع الملك..
أما النائب في البرلمان الأردني، “أحمد الرقب”، فقد طالب، في وقت سابق، بإقالة حكومة “الملقي”، داعياً إلى “لقاء عاجل بالملك، عبدالله الثاني، للتباحث معه ووضعه في صورة الأوضاع المعيشية السيئة التي يعيشها الناس، نتيجة القرارات التي وصفها بالخاطئة والمدمرة”.
وكان قد دعا “الرقب”، الملك، إلى التدخل للتراجع عن قرارات رفع الأسعار التي إتخذتها الحكومة مؤخراً، وسحب مشروع “قانون ضريبة الدخل” من جديد؛ لتخفيف الإحتقان الحاصل في البلاد.
وتساءل عن “أموال الفاسدين والمتنفذين والمنتفعين الذين يتهربون من الضرائب”، موضحاً: أن على “الدولة أن تتصرف بسرعة قبل أن تستفحل الأمور في البلاد أكثر فأكثر؛ فالحديث هنا عن تجويع الناس وأخذ أموالهم بغير حق”.