الحديث عن التكنوقراط اصبح محبطا للآمال ، فالتكنوقراط الذي نادينا به قبل انتخابات ٢٠١٠ حينما كان اساس الاستيزار واختيار رئيس مجلس الوزراء على اساس طائفي وحزبي حصرا… ذهب إدراج الرياح مع تحول التكنوقراط المستقل الى تكنوقراط سياسي ينضم الى الاحزاب الموجودة ويتنقل بين قوائمها ويفوز ويدخل الى البرلمان والفضل كله للمنصب الذي تبوأه ولنداء تقديم التكنوقراط الذي يفترض ان يغادر الوزير المنصب ليعود الى وظيفته السابقة وان لا يكون نجاحه في المنصب مكسبا شخصيا له والا فإننا نخسر الكفاءات ولن نستطيع تعويضها او الاستفادة منها مرة اخرى لأنها فقدت اهم ميزة لنجاحها وهو الاستقلالية والمهنية.
لقد كانت رسالتنا حول التكنوقراط والتكنوقراط المستقل قبل اكثر من تسع سنوات وعبر مقال في جريدة الزمان بعنوان: عادل عبد المهدي خيار التكنوقراط القادم ، متناغمة آنذاك مع ترشيحه للمنصب اولا؛ ولأنه مقبول من جميع الأطراف الإقليمية والدولية ثانيا؛ وكان يمثل خيار التكنوقراط الذي يؤمل عليه اخراج الوظيفة العامة من اطار المحاصصة الطائفية الى التخصص ، ولو حدث ذلك في حينها لما انجرفت البلاد الى آفة الفساد الذي مازلنا نعاني مرارته لحد الان بعد ان اكل الاخضر واليابس.
واليوم نحن بحاجة الى من يخرج بالتكنوقراط ذاته من اطار السياسة والتمتع بالمناصب والتشبث بها ، ويعود به الى ميدانه الطبيعي في المهنية والتخصص والاستقلالية ، الا ان هذا المطلب يواجه تحديين ، هما:
الاول – ما الضامن في الاختيار ، فاذا كانت الاحزاب الفائزة فإننا خسرنا استقلالية التكنوقراط وبالتالي ادائه المهني الذي سينحاز ويجير بلا شك لصاحب الفضل في اختياره.
الثاني – خسارة الكفاءات المتخصصة والمهنية الغالية والمكلفة جداً ، وللأسف نحن نخسرها دائماً واكبر خسارة هو في دخولها معترك السياسة.
إذن نزاهة الاختيار وخسارة التكنوقراط هما اهم تحديين امام تشكيل الحكومة المقبلة… وبدلا من البحث عن تشكيل الكتلة الاكبر ومن سيتولى رئاسة مجلس الوزراء او تقليب اوراق نتائج الانتخابات والطعن فيها ، فان على جميع الكتل الفائزة الاجتماع على تحديد ملامح البرنامج الحكومي القادم اولا؛ البرنامج القادر على اخراج البلد من ازماته المتعددة ومن ثم البحث ثانيا؛ عن الشخص الكفوء المؤتمن المستقل القادر على النهوض به وتنفيذه ، وتخويله ثالثا؛ تشكيل الحكومة بلا قيود او تأثير او تدخل حزبي او سياسي او ترشيحات من هنا وهناك ، لان المهنية والتخصص والنزاهة والاستقلالية هي معيار التكنوقراط القادر على النهوض بالمسؤولية بتفاني واخلاص وهو الوحيد القادر؛ لا غيره؛ على تجاوز تحديات المرحلة القادمة.