والآن مع النقاط التي طرحها بيان المرجعية فيما يتعلق بالانتخابات معلقا عليها بين مضلعين [هكذا].
- لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق في أن يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك إيماناً منها بأنه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد، إن أريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة، ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا. [كل هذا ما يتفق مع رؤيتنا كديمقراطيين علمانيين، ولو إنه لم يُستخدَم لفظ «الديمقراطية»، ربما لأنها من حيث العرف السائد ليس من المناسب أن تستخدمها المرجعية] ومن هنا أصرّت المرجعية الدينية على سلطة الاحتلال ومنظمة الأمم المتحدة بالإسراع في إجراء الانتخابات العامة لإتاحة الفرصة أمام العراقيين لتقرير مستقبلهم بأنفسهم، من خلال اختيار ممثليهم المخوَّلين بكتابة الدستور الدائم وتعيين أعضاء الحكومة العراقية. [بينت رأيي بأن حتى هذا كان ينبغي أن يترك خياره للشعب ولأهل الخبرة، ولكن يمكن ان تعذر المرجعية، لكون التجربة كانت في بدايتها، وليس للشعب أي تجربة ديمقراطية، كما إن السياسيين كانوا سيختلفون] واليوم وبعد مرور خمسة عشر عاماً على ذلك التاريخ لا تزال المرجعية الدينية عند رأيها من أن سلوك هذا المسار يُشكّل ـ من حيث المبدأ ـ الخيار الصحيح والمناسب لحاضر البلد ومستقبله [وشمول هذا المنهج المستقبل، يعني عدم إمكان اتهام المرجعية بأنها تستخدمه كتكتيك، بل شموله المستقبل يعني أنه يمثل استرتيجية المرجعية في رؤيتها السياسية للعراق، وهذا ما يحسب لها]، وأنه لا بد من تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي تحت أي ذريعة [بما في ذلك تحت ذريعة حماية الدين أو المذهب أو الدفاع عن أبناء الطائفة كما تاجر بذلك السياسيون الشيعسلامويون دائما، ولا أستبعد أبدا أنها إشارة إلى النهج الاستبدادي الذي سلكه المالكي] أو عنوان. ولكن من الواضح إن المسار الانتخابي لا يؤدي إلى نتائج مرضية [حيث حتى الآن لم تكن النتائج مرضية] إلا مع توفر عدة شروط، منها:
- أن يكون القانون الانتخابي عادلاً [وهذه إشارة إلى اتفاق المرجعية معنا في اعتبارنا لقانون الانتخابات غير عادل] يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها [وهنا توحي العبارة بتشخيص المرجعية بمحاولات الالتفاف من قبل السياسيين، وعلى رأسهم المتاجرين بها].
- ومنها: أن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية [وليس على أساس ادعاء تمثيل هذا المكون أو ذاك، أو على أساس الانتماء الديني أو المذهبي] قابلة للتنفيذ [أي مدروسة دراسة علمية واقعية، ولا تمثل مجرد وعود يعلم قاطعوها أنهم غير قادرين على تطبيقها، بل أكثرهم ينوي التطبيق أصلا حتى فرض الإمكان] بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي [مهم التأكيد على الشحن القومي وبالأخص الطائفي] والمزايدات الإعلامية [كما يفعل معظم السياسيين].
- ومنها: أن يُمنع التدخل الخارجي [سواء الإيراني، أو الأمريكي، أو السعودي، أو التركي، أو غيره] في أمر الانتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك. [وهذا يعني أن المرجعية قد شخصت هكذا تدخلات حارجية، وهي غير راضية عنها، تماما كعدم رضانا.]
- ومنها: وعي الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين إزاء ثمن بخس [إشارة إلى شراء الأصوات]، ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف [بما فيها العواطف الدينية والطائفية]، أو رعايةً للمصالح الشخصية أو النزعات القَبلية أو نحوها.
ومن المؤكد إن الإخفاقات التي رافقت التجارب الانتخابية الماضية ـ من سوء استغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممن انتخبوا أو تسنّموا المناصب العليا في الحكومة [لاسيما الإسلاميون، وبالأخص الشيعة منهم]، ومساهمتهم في نشر الفساد [وهم دعاة التدين والتقوى وذوي الأيدي المتوضئة] وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة [مع عدم اكتراثهم بمعاناة الفقراء واحتياجات الشعب في العيش الكريم]، وفشلهم في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه – لم تكن إلا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة ـ ولو بدرجات متفاوتة ـ عند إجراء تلك الانتخابات [إذن كل الانتخابات التي مرت لم تكن نزيهة]، وهو ما يلاحظ ـ بصورة أو بأخرى ـ في الانتخابات الحالية أيضاً [ولا تزكى انتخابات 2018 من كونها غير نزيهة وغير عادلة]، ولكن يبقى الأمل قائماً بإمكانية تصحيح مسار الحكم وإصلاح مؤسسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من أبناء هذا البلد واستخدام سائر الأساليب القانونية المتاحة لذلك. [هذا الامل الذي ندعو دائما رغم كل الإحباطات وما يدعو للتشاؤم إلى عدم التخلي عنه، بل مواصلة الجهود والنضال من أجل تحقيق الأهداف مهما طال الطريق.]
وسأواصل في الحلقة القادمة مناقشة النقطتين الثانية والثالثة من بيان المرجعية.