قصة قصيرة
استيقظت مبكرا كعادتي، شربت فنجان القهوة على عجل، وبعد أن جهزت نفسي غادرت البيت.
فوجئت بأفعى كبيرة أمام البيت متأهبة للهجوم، وقد فتحت فمها، اهتز بدني، فقد فاجأني وجودها.
حاولت التراجع للخلف رويدا رويدا، وكلما رجعت خطوة تقدمت باتجاهي غير خائفة، وصلت الباب، حاولت فتحه بيدي اليسرى دون أن أدير لها ظهري، فكان الباب مغلقا، فالباب لا يفتح من الخارج إلا بمفتاح. وضعت يدى على جانبي، وسحبت المفتاح المعلق هناك، وقبل أن أضعه في فتحة الباب سقط على الأرض، اللعنة، حاولت أن أخيفها فتقدمت خطوة نحوها لكنها لم تتحرك بل رفعت رأسها للأعلى، واستعدت للهجوم.
بسرعة البرق هجمت ألتقط المفتاح فكانت أسرع مني فهاجمت يدي وأطبقت عليها، شعرت بشدة أنيابها، صرخت من الألم فانتبه لي أحد المارين من الجيران فهب لمساعدتي يحمل عصا كانت في سيارته، فهربت عندما هجم عليها، وسقطت أنا على الأرض أتأوه من الألم، فاتصل بسيارة الإسعاف، فيما كنت أنا أفقد وعيي بالتدريج.
فجأة كانت زوجتي بجانبي توقظني، وتسأل بصوت ناعم:
– هل كنت تحلم؟
كان حلما مزعجا فعلا، عكر مزاجي، فقررت أن أغادر البيت بدون قهوة، لبست ملابسي، وخرجت، وعندما فتحت باب السيارة فوجئت بأسد داخلها.
أسد بالسيارة؟ يبدو أنه تفسير الحلم فبدل الأفعى صار أسدا.
صرخت: يا عالم يا بشر، الحقوني.
هجم علي الأسد وأنشب أظافره بي، ووضع رقبتي بين فكيه، كنت أحتضر حتى وجدت نفسي على السرير من جديد، وزوجتي تقول لي:
ما بك يا زوجي؟ خوفتني بأحلامك.
نظرت إليها غير مصدق. سألتها:
– هل أنا فعلا في اليقظة؟ أم كنت أحلم؟ لكني استيقظت من حلم قبل قليل، هل تذكرين؟
– لا لا أذكر، يبدو أن حلمك كان مزعجا جدا.
كيف سأعرف أنني الآن في اليقظة؟
قلت لها: اقرصيني.
قرصتني بشدة وهي تضحك، فصحت متألما:
– على مهلك، لست عدوك لتقرصيني بهذه الشدة.
– خيرا إن شاء الله حدثني؟
لا أعرف إن كنتُ في حلم ثم استيقظت منه، أم أنني الآن في حلم،؟ لا أعرف أين أنا، ألم أغادر البيت قبل قليل؟
شكلك مسطول، قم جهز نفسك وسأعمل لك فنجان قهوة، لتحدثني عن هذا الحلم الذي غير حالك هذا الصباح.
نهضت بالبيجامة، ذهبت لأفتح الباب رويدا، رويدا كي أتفقد مكان الجريمتين، فلم أر أفعى، ولا أسدا.
خرجت من باب البيت حافيا أتفقد معركتي مع الأسد، ومع الأفعى، فكان جارنا يقف بالخارج مع كلبه، فجأة تحرك كلبه غير المربوط باتجاهي فلحق به صاحبه ليمسك به، وكان ينادي عليه أن يقف، لكن الكلب كان أسرع منه فهجم علي، دافعت عن نفسي لكنني أصبت بخدوش فأخدني جارنا للمستشفى فورا. في الطريق كنت في ألم شديد، ففقدت وعيي.
فجأة شعرت بيد على كتفي تهزني بلطف، رفعت عيني فإذا بها الموظفة التي تعمل معي، تربت على كتفي وتقول لي:
– دق جرس العمل، يبدو أنك سهوت؟ هل أنت بخير؟
– بخير؟ أين أنا؟
– أنت بالشغل على مكتبك بعد الغذاء ذهبتَ في قيلولة كعادتك.
– يعني لم يكن هناك كلب هجم علي؟
ضحكتْ:
– كلب؟ أنت تكره الكلاب فكيف تحلم بها؟
دققت في جسمي فلم أر شيئا، انتابتني الحيرة، صرت كالتائه وسط الصحراء.
هل أنا بكامل قواي العقلية؟ أم أنني أصبت بالزهايمر؟ لم أعد أميز الأشياء، والحلم من اليقظة.
في اليقظة نتمنى أن نكون في حلم لنهرب من واقعنا، وفي الحلم نتمنى لو كنا في اليقظة خصوصا عندما يكون الحلم جميلا.
حملت هاتفي واتصلت بزوجتي، ردت فورا، وهاجمتني بأسئلتها:
– ما الذي فعلتَه؟
هل فعلتُ شيئا لا أعرف عنه؟ شيء غير طبيعي يحدث معي، سألتها: عم تتحدثين؟
يا سلام؟ وتتجاهل ما فعلتَ؟! تتركني أحضر لك فنجان القهوة ثم تغادر البيت دون إعلامي بذلك، وحتى دون أن تشرب فنجان القهوة الذي حضرته لك؟ عندما اتصلت بك تقول لي أنك مشغول، وتغلق الهاتف!! أغاضب مني أنت؟؟
أبدا، لكني لا أذكر قصة قهوة هذا الصباح.
لا هذا كثير، أتسخر مني؟ غير معقول أن تتظاهر بالنسيان؟ هذا الصباح بعد أحلامك التي أيقظتني من أحلامي السعيدة.
ألم تسمعي صراخي والكلب يعض يدي؟
حبيبي أنت بحاجة لطبيب، ما هذه الأوهام؟ أفعى، أسد، كلب؟
اسمعي سأحضر للبيت الآن لنتناقش، لا أعرف ماذا يحصل معي، أشعر كأنني أتحدث معك في الحلم. هل أنا في حلم؟
ما الأمر؟ ما الذي أصابك؟ سأنتظرك،
قلتُ لزملائي في العمل سأغادر لأمر اضطراري.
ركبت السيارة واتجهت نحو البيت، وأنا في حيرة شديدة.
هل أنا في حلم الآن؟ أم حقيقة؟ لماذا كل ما اعترضتني مشكلة استيقظت من النوم؟ كنت أقود السيارة، وأنا شارد الذهن.
فجأة لم أنتبه للإشارة الضوئية بأنها حمراء، فاصطدمت شاحنة تقطع الطريق بسيارتي، ورحت في غيبوبة.
عندما فتحت عيني كنتُ أجلس على شط جميل، نسيم البحر كان منعشا، وبجانبي امرأة جميلة كانت مستلقية في ملابس البحر، وعندما عرفَتْ أنني أفقت من نومي ابتسمت وقالت لي:
صح النوم حبيبي. ما رأيك بالرحلة؟
نظرت إليها، مستغربا، تقول لي حبيبي مع أنني لا أعرفها. هل نسيتُها؟ وهل ينسى الإنسان زوجته؟ هل أنا في حلم؟ أم نسيت أين أنا؟ خفت أن أبدو غبيا، فبادلتها الابتسامة، وقلت لها:
– كم مر على نومي هنا؟
– بعض الوقت، فقد أتعبتك السباحة، كدتَ تغرق لولا أنني أيقظتك هاهاها، وتدعي أنك تجيد السباحة؟!
أيقظتْني من الغرق؟ أي غرق، كل ما أذكره أنني كنت في الطريق للبيت وحصل معي حادث سيارة، لا بد أنني قد مت وأنا الآن في الجنة، وهذه الحور العين.
قالت لي بم تفكر؟ قلت لها: بالجنة.
ضحكت وقالت:
– هل سئمت مني لتحلم بالجنة؟ عرفتُ حينها أنني في الأرض فقلت لها: كل مكان أنت فيه جنة.
اقتربت مني وطوقتني بذراعيها ونسيت نفسي…
فجأة شعرت بيد تهزني، فتحت عيني فإذا بصديق قديم يجلس بجانبي على درج باب العمود في القدس يقول لي:
– وحد الله
– لا إله إلا الله
– يبدو أنك كنتَ تحلم بأيام زمان. كنتَ تحلم وأنت في غفوتك وشفاهك تتحرك يمينا وشمالا، والمارة يضحكون عليك ….
نظرتُ إليه غير مصدق. أنا في باب العمود؟
– نعم، أنسيتَ أين أنت؟
– ما الذي أتي بي هنا؟ هل أنا في حلم؟
كنتَ في حلم، والآن أنت هنا، في الحقيقة في قلب القدس.
أمتأكد؟
طبعا، انظر هؤلاء بعض جنود الاحتلال قادمين نحونا.
اقترب بعض الجنود منا، وطلب مني أحدهم بطاقة الهوية، قدمت له بطاقة قديمة، نظر إليها، ثم قال:
هذه بطاقة قديمة انتهى مفعولها، هيا تعال معنا.
قيدوا يدي ثم قادوني باتجاه سيارتهم كأنهم ألقوا القبض على مطلوب. تركني صديقي القديم لمصيري، ووعد أن يبلغ أقاربي.
في الطريق فتشوني، فعثروا على جواز سفري الأجنبي، دقق به أحدهم ثم قال:
– أين الفيزا؟
بحثت له عنها فلم أجدها يبدو أنني نسيتها في البيت. انهالت علي أسئلتهم، فلم أرد على أي منها. ما الذي سيفعلونه؟
اغتاظ الجندي من عدم الرد عليه فضربني، فشتمته، وبصقت عليه، فانهالوا جميعا علي يضربونني في كل مكان، حتى فقدت وعيي. بعد لحظات كنت في المستشفى فتحت عيني لأجد حولي الأطباء، وقوات من الشرطة، ثم عدت لغيبوبتي.
لم أعرف كم من الوقت مر قبل أن أفتح عيني من جديد لأجد أخي يلتقط لي فلما، وهو يضحك، نظرت حولي بغرابة، أأنا في السينما؟
ضحك بأعلى صوته، وقال ساخرا:
– أكيد أعجبك فلم الليلة؟
– هل كنا نشاهد فلما؟
هاهاها طبعا، وأنت أمضيت معظم الوقت نائما، وشخيرك أزعج المشاهدين، فكانوا يرمون عليك حبات الذرة لتستيقظ.
ولم لم توقظني؟
أيقظتك مرات كثيرة، وكنت بعد عدة ثوان تعود للنوم من جديد. وعندما انتهى الفلم قررت أن أصورك لأنشرها في الفيسبوك ليضحك الشباب.
سألته: متى عدتُ من القدس؟
– القدس؟ وهل كنتَ في القدس؟ لم تخبرني!!
– يبدو أنني كنت أحلم.
ضحكنا، وبكيتُ وحدي. هل أنا في حلم؟ متى أعود من أحلامي، رأسي سيتفجر.
في الطريق إلى البيت كنت أبحث عن طريقة أتأكد فيها بأنني أعيش الحقيقة ولست في حلم جديد.
كان رأسي يولمني، بدأت أشعر بألم في كل مفاصلي، عيوني تغلق رغما عني حاولت أن أفتحها فرأيت أشباحا أمامي، دققت قليلا فرأيت امرأة بلباس أبيض تتقدم مني مبتسمة ثم تمتمت بشيء لم أسمعه جيدا فقد اختل السمع عندي، بعد ثوان، تقدم طبيب يبتسم ويشير بيده ويتحدث كلاما لم أستطع تمييزه، هل أنا في المستشفى؟ لكن أي مستشفى؟ لقد دخلت مستشفيات كثيرة.
بدأت عيوني تستسلم للنوم، وأنا أتمتم: أين أنا، أين أنا أين أ……..؟
—
—
للكتابة في ديوان العرب نرجو إرسال مقالاتكم وآرائكم إلى بريد ديوان العرب التالي، وليس بالرد على هذه الرسالة
للكتاب الجدد نرجو النقر على الرابط أدناه
http://diwanalarab.com/spip.php?article7380